رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 17 ديسمبر، 2013 0 تعليق

اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة


يقوم المنهج الإسلامي على التوازن بين الخوف والرجاء، والتوسط بين الرغبة والرهبة، وهو منهج الأنبياء والصالحين، كما قال تعالى عنهم: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء:90)، والقرآن الكريم يوجه النفوس المؤمنة إلى أمرين مهمين لاستقامة الفرد وصلاح المجتمعات؛ وهما: تقوى الله، والعمل الصالح، فقال تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة:35).

     فتقوى الله تعالى تكون بترك ما نهى الله تعالى عنه ، وفعل ما أمر به، ثم التقرب إليه بالطاعات والتودد إليه بالنوافل والقربات.

     فالوسيلة كما قال (الراغب): «التوصل إلى الشيئ برغبة وهي أخص من الوصيلة، لتضمنها لمعنى الرغبة، وحقيقةُ الوَسِيلَةِ إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة». وقد ورد لفظ (الوسيلة) في القرآن الكريم في موضعين:

     الاَول: في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:35).

     قال الإمام الطبري: «يعني جل ثناؤه بذلك: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعد من الثواب وأوعد من العقاب {اتقوا الله} يقول: أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك، وحققوا إيمانكم وتصديقكم ربكم ونبيكم بالصالح من أعمالكم {وابتغوا إليه الوسيلة} يقول : واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه.

     وذكر عن طائفة من المفسرين أن الوسيلة تعني القربة، فعن أبي وائل قال: «القربة في الأعمال»، ومثله عن عطاء وقتادة ومجاهد والحسن، وقال ابن زيد: «المحبة، تحببوا إلى الله».

     وقال الشيخ ابن سعدي: «هذا أمر من الله لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه، وذلك بأن يجتهد العبد، ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يَسخطه الله، من معاصي القلب واللسان والجوارح، الظاهرة والباطنة‏.‏ ويستعين بالله على تركها، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه‏.‏ ‏{‏وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ‏}‏ أي‏:‏ القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل‏.والبدنية‏:‏ كالزكاة والحج‏.‏ والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله‏.‏ ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي ‏بها‏ ويستجيب الله له الدعاء‏.‏

     {‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ إذا اتقيتم الله بترك المعاصي، وابتغيتم الوسيلة إلى الله، بفعل الطاعات، وجاهدتم في سبيله ابتغاء مرضاته‏.‏والفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب، والنجاة من كل مرهوب، فحقيقته السعادة الأبدية والنعيم المقيم‏».‏

     والموضع الثاني: في قوله تعالى: {لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (الإسراء:57).

     أخرج البخاري عن ابن مسعود قال: «نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم ، فنزلت هذه الآية».

     قال الطاهر: «والمعنى: أولئك الذين إن دعوا يستجب لهم ويكشف عنهم الضر، وليسوا كالذين تدعونهم فلا يملكون كشف الضر عنكم بأنفسهم، ولا بشفاعتهم عند الله كما رأيتم من أنهم لم يغنوا عنكم من الضر كشفا ولا صرفا».

     قال ابن سعدي: «يقول تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ‏}‏ للمشركين بالله الذين اتخذوا من دونه أندادا يعبدونهم كما يعبدون الله ويدعونهم كما يدعونه؛ ملزما لهم بتصحيح ما زعموه واعتقدوه إن كانوا صادقين‏:‏‏ {‏ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ‏}‏ آلهة من دون الله فانظروا هل ينفعونكم أو يدفعون عنكم الضر، فإنهم لا ‏{‏يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ‏}‏ من مرض أو فقر أو شدة ونحو ذلك فلا يدفعونه بالكلية، ‏{‏وَلَا‏}‏ يملكون أيضًا تحويله من شخص إلى آخر من شدة إلى ما دونها‏.‏

     فإذا كانوا بهذه الصفة فلأي شيء تدعونهم من دون الله‏؟‏ فإنهم لا كمال لهم ولا فعال نافعة، فاتخاذهم آلهة نقص في الدين والعقل وسفه في الرأي‏.‏

     ثم أخبر أيضًا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه فقال‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ‏}‏ من الأنبياء والصالحين والملائكة ‏{‏يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏}‏ أي‏:‏ يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته، ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب‏، وهذه الأمور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده هي الأصل والمادة في كل خير‏، فمن تمت له تمت له أموره وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور‏.‏

     وعلامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله، وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب»‏.‏

     ويبين شيخ الإسلام أن حقيقة التوسل المشروع إنما يكون بالإيمان بالله واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيقول: «فالإيمان بالرسول وطاعته هو وسيلة الخلق إلى الله ليس لهم وسيلة يتوسلون بها البتة إلا الإيمان برسوله وطاعته وليس لأحد من الخلق وسيلة إلى الله تبارك وتعالى إلا بوسيلة الإيمان بهذا الرسول الكريم وطاعته».

     وقال أيضا: «الوسيلة التى أمرنا الله أن نبتغيها إليه هى التقرب إلى الله بطاعته، وهذا يدخل فيه كل ما أمرنا الله به ورسوله، وهذه الوسيلة لا طريق لنا إليها الا باتباع النبى صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وطاعته، وهذا التوسل به فرض على كل أحد».

     ويوضح الشيخ ابن باز ما يقع فيه بعض الناس من سوء فهم للوسيلة فيقول: «وقد يغلط بعض الناس لجهله فيسمي دعوة الأموات, والاستغاثة بهم (وسيلة)، هذا غلط, فهذه وسيلة كفر وليست وسيلة مباحة؛ فالله جل وعلا يقول: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}, الوسيلة القربة إليه بطاعة، هذه الوسيلة عند أهل العلم جميعاً, الوسيلة التقرب إلى الله بالطاعات»، ثم قال: «أما ظن بعض الناس أن الوسيلة هي التعلق بالأموات والاستغاثة بالأولياء، فنقول لهم: هذا خطأ وظن باطل، وهذا اعتقاد المشركين الذين قال الله فيهم سبحانه ـ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (يونس:18), هذا عمل المشركين يدعون الأموات, ويستغيثون بالجن, ويستغيثون بالملائكة, ويظنون أنهم وسائلهم إلى الله, وقال تعالى في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴿} (الزمر:3). فسماهم كذبة كفرة، كذبة في قولهم أنها تقربهم من الله، وكفرة في قولهم إن الله أمرهم بهذا أمرهم أن يعبدوهم, فالله سبحانه لم يأمر بهذا فهم كذبة في قولهم، كفرة في فعلهم، والله يقول: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (الزمر:2)، ويقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5)، وقال: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء:23).

     فصلاح الإنسان يقوم على صلاح باطنه وظاهره، فصلاح باطنه بالإيمان بالله تعالى وإخلاص الدين له، وصلاح ظاهره بفعل الطاعات، والتحلي بالفضائل، والبعد عن المعاصي والرذائل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك