رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 10 ديسمبر، 2012 0 تعليق

اتباع الهوى

 

- أورد الألباني في السلسلة الصحيحة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاث مهلكات وثلاث منجيات وثلاث كفارات وثلاث درجات، فأما المهلكات: فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا، وأما الكفارات: فإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ونقل الأقدام إلى الجمعات، وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام» حسن لغيره.

     تذكرت هذا الحديث وأنا أستمع إلى بعض الرموز الإسلامية يسوّغون خروجهم في المسيرات، ومشاركتهم في التظاهرات، وصراخهم في الندوات.

- وما علاقة الحديث بهؤلاء؟

- هؤلاء اتبعوا أهواءهم وأعجبتهم أنفسهم، وذلك لأن اتباع الهوى لا يعني الانغماس في المعاصي والفواحش فحسب، وإنما يشمل كل تصرف يقع من الإنسان مخالفاً شرع الله.

     كنت وصاحبي في نقاش حول مواقف بعض أهل الدين من المشاركة في المظاهرات والمسيرات ومقاطعة الانتخابات.

- في تفسير قول الله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} (الجاثية: 23).

قاطعني صاحبي:

- أظنك تقسو بالحكم على هؤلاء، فهم أهل صلاة وصلاح ومن قيادات الدعوة الإسلامية، ولا أظن أنك تستطيع أن تحتج بهذه الآية عليهم.

- دعني أذكر لك تفسير الآية، وأنا هنا لا أحكم على أحد، وإنما أذكر أقوال العلماء: «إن الواجب الذي يلزم العمل به هو أن يكون جميع أفعال المكلف مطابقة لما أمره به معبوده جل وعلا، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه، فقد صرف جميع ما يستحقه عليه خالقه إلى هواه». (أضواء البيان)، وإذا كان جزء من أفعاله تابعا لما يهواه فقد صرف جزءاً مما يستحقه خالقه إلى هواه.

وهؤلاء القوم: «لم يسألوا أهل الذكر وليسوا هم بأهل للاجتهاد، فماذا بقي عندهم عدا اتباع الهوى»، وفي تفسير السعدي في قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}، أي في جميع شرائع الدين ولا يتركوا منها شيئاً وألا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه: إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعاً للدين.

     وفي ظلال القرآن: «والتعبير القرآني المبدع يرسم نموذجاً عجيباً للنفس البشرية حين تترك الأصل الثابت وتتبع الهوى المتقلب، وحين تتعبد هواها وتخضع له وتجعله مصدر تصوراتها وأحكامها ومشاعرها وتحركاتها وتقيمه إلهاً قاهراً لها مستولياً عليها تتلقى إشاراته المتقلبة بالطاعة والتسليم والقبول».

     ولئن كان اتباع الهوى في ارتكاب المعصية الفردية تنطبق عليه هذه الآية، فإن اتباع الهوى في الأمر العام أشد وأخطر، وذلك لأن نتائج هذا العمل الأخير تتعدى الفرد إلى المجتمع ككل.

- ما زلت غير مقتنع بوصف المعارضين أو الأغلبية المقاطعة للانتخابات بأن أحدهم: {اتخذ إلهه هواه}.

- أنا لم أقل إنه اتخذ إلهه هواه، ولكن أقول: إنه اتبع هواه، وذلك لأنه لم يرجع إلى أقوال العلماء الربانيين، وهو ليس أهلا للاجتهاد في الأمور التي تهم الأمة، ثم اسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرت لك آنفاً من المهلكات: «هوى متبع وإعجاب المرء بنفسه» وهؤلاء لا يخرجون عن أحد هذين الوصفين بتصرفهم هذا.

 


لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك