إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين
قال الله -تعالى-: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة 222)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التوَّابونَ». (رواه ابن ماجه). كلنا نخطئ، وخيرنا هو أسرعُنا توبة ورجوعا إلى الله -تعالى-، ومن رحمة الله -تعالى- بنا أنه يحب منا التوبة، ويريد أن يتوب علينا، قال -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)} (النساء).
فالله خالقنا، وهو أعلم بحالنا وضعفنا، وأعدنا لأداء هذه الأمانة العظيمة، وهي عبادته؛ فأمدنا بالعلم النافع، وبين لنا معالمَ الدينِ القويم، وشرعِه الحكيم، وطريقِ مَنْ قبلَنا من الأنبياء والمرسلين، وهو مع ذلك يعلم أننا لابد أن نخطئ؛ فيريد أن يتجاوز عن خطايانا، ويتوب علينا؛ فيسر لنا العبادات، ولم يشدد علينا؛ لأننا قد خلقنا ضعفاء.
إننا ضعفاء
نقع في المحظورات ونفعل الأخطاء، لأننا ضعفاء {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}، وهذا لابد أن يقع من الإنسان، ولكن مقل ومستكثر: «كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التوَّابونَ»، وفي هذه الكلمات النبوية الشريفة يتبين الخلل، وبين صلى الله عليه وسلم العلاج؛ فالخطأ هو الخلل، وعلاجه التوبة والاستغفار من الزلل، وهذا من رحمة الله -تعالى- بنا؛ فتصور لو أنك إن أذنبت بقي عليك أثر الذنب بقيةَ حياتِك؛ فهل تستطيع ذلك؟
باب التوبة
ولذلك فقد شرع الله لنا التوبة، وأبقى بابها مفتوحا، وتقبل من العبد ما دام فيه نفس يتردد، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغرغرْ». (رواه الترمذي وابن ماجه)، والله -تعالى- يحب منا التوبة: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة 222). وانظر كيف قرن التطهر الظاهر {الْمُتَطَهِّرِينَ} بالتطهر الباطن {التَّوَّابِينَ} أي: المكثرين من التوبة والاستغفار.
التطهر ظاهرًا وباطنًا
وكذلك في وضوئك للصلاة: تتطهر ظاهرا بالماء، ثم تتطهر باطنا بقولك بعد فراغك من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ولذلك، فإن زلت القدم يوما، فلير الله منك محبةَ الرجوع إليه والسعيَ في ذلك بكثرة الاستغفار، والتوبة والانكسار، بين يدي الملك الجبار، فإنه يحب منك ذلك، ويجبر كسرك برحمته جل جلاله.
إياك وتثبيط الشيطان
وإياك إياك، أن يثبطَكَ الشيطان؛ فيقنطَكَ من رحمة الرحمن؛ فإن الكريم المنان يناديني أنا وأنت بهذا النداء الإلهي المملوءِ بالرحمة والإحسان: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر 53).
نيل رحمة الله
رحمة الله لا يقف أمامها ذنب، ولا يبقى له بعدها أثر؛ فما المطلوب لنيل ذلك؟ قال -تعالى- في الآية التي تليها مباشرة: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} (الزمر 54) ارجعوا إليه بالطاعة، وتذللوا بين يديه بالاستغفار؛ فإنه غفور غفار، جل جلاله؛ فإن خير الخطائين التوابون، ولا يظنن أحدٌ مهما بلغ من الطاعة والطهر والنقاء، أنه معصوم من الخطأ والزلل؛ فكل بني آدم خطاء.
اللهم إني ظلمت نفسي
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال صلى الله عليه وسلم: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم». (متفق عليه)، قال له: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا»، أتدرون من هذا الرجل؟ إنه أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه ؛ فكيف بمن دونه؟
عدم الاغترار بالعمل
ولذلك فإن العاقل إذا عمل الطاعات لا يغتر بعمله، وإن زل واقترف السيئاتِ فلا يقنطُ من رحمة ربه، ولا يقطعُ من ذلك أملَه، مهما كان الذنب؛ فإنه لا يقف شيءٌ أمامَ رحمةِ أرحمِ الراحمين، القائل فيما يرويه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: «يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً». (رواه الترمذي)، إنها رحمة أرحم الراحمين، التي وسعت كل شيء.
كثرةُ الاستغفار
فعلينا كثرةُ الاستغفار، والتوبةُ إلى العزيز الغفار؛ فإن خير الخطائين التوابون، وعود نفسك كثرةَ الاستغفار، لما علمتَ من ذنوبك وما لم تعلم، وما تذكره منها وما نسيتَه، وقل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر صلاته بين التشهُّدِ والتَّسليمِ: «اللهمَّ اغفرْ لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلمُ به مِنِّي، أنت المقدِّمُ وأنت المؤخِّرُ، لا إله إلا أنتَ». (رواه مسلم).
باب خير عظيم
وهذا باب خير عظيم، وتوجيه كريم، من النبي صلى الله عليه وسلم، أن علمنا كيف نستغفر من الذنوب كلِّها، حتى التي نسيناها؛ فتعلموا هذا الدعاء، الذي فيه استغفار من الذنوب كلِّها، واستغفروا الكريم المنان، وتعرضوا لرحمات الرحمن، بكثرة الاستغفار والتوبة، والإنابةِ والأوبة؛ فإن خير الخطائين التوابون. والحمد لله رب العالمين.
استغفار النبي صلى الله عليه وسلم
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرَ الاستغفار، في الليل والنهار، وهو النبي المختار، ويقول لأصحابه: «يا أيها الناسُ، توبوا إلى اللهِ؛ فإني أتوبُ في اليومِ إليه مائةَ مرةٍ». (رواه مسلم)؛ فكيف بحاجتنا نحن إلى التوبة والاستغفار، ومبادرة انقضاء الأعمار، بالرجوع إلى العزيز الغفار.
لاتوجد تعليقات