رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 10 ديسمبر، 2017 0 تعليق

إيـاك ومنهـج الخـوارج!

لقد فصل الله -سبحانه وتعالى- لعباده الآيات، وبين أمور الدين بما لا إشكال فيه، وبين سبيل المجرمين من الكفار المعاندين وممن ينتسب إلى الإسلام ممن ضل عن الطريق ولم يسلك الصراط المستقيم ، قال -تعالى-: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، وهذه طريقة القرآن في كشف مسالك المنحرفين عن جادة الصواب، وبيان مناهجهم وسماتهم وأصولهم، ثم التحذير من هذه السبل والمسالك، وقد سلك هذا المسلك سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة؛ حيث بينوا سبل أهل الضلال والانحراف وحذروا الأمة منها، وعدوا ذلك من الجهاد الشرعي؛ فإن الذود عن الدين والرد على المنحرفين بالقلم واللسان والحجة والبرهان نوع من الجهاد في سبيل الله.

     ولم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أبي بكر وعمر وعثمان افتراق بين الأمة البتة، وما حدث بين الصحابة من اختلاف في المسائل الكبرى كموت النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه وقصة السقيفة وحروب الردة، وفي بعض مسائل الأحكام والفرائض كلها كانت خلافات تنتهي بلا افتراق.

أول فتنة نتج عنها الافتراق

     وأول فتنة نتج عنها الافتراق في هذه الأمة الفتنة على عثمان؛ حيث أعقبت الخروج عليه وقتله وتنازع المسلمين بعده في مسائل عديدة، وفي أثناء هذه الفتنة وبين ثناياها خرجت طلائع الأهواء الأولى، وخرجت نابتة خطيرة فرقت الأمة، وشتتت شملها، وتركت أثرا سيئا في واقعها، ألا وهي فتنة الخوارج التي هي امتداد طبيعي للثورة على عثمان رضي الله عنه والخروج عليه وقتله؛ مما أسس عقيدة منحرفة أضرت بالأمة قديما وحديثا وهي الخروج على أئمة المسلمين وحكامهم وتكفيرهم وتكفير المجتمعات الإسلامية ووصفها بالمجتمعات الجاهلية.

من الخوارج ؟

وما صفاتهم؟ وما أثرهم في الأمة؟ وهل انقرضوا أم مازالوا موجودين في عصرنا الحاضر؟ تساؤلات مهمة يحسن الإجابة عنها وتنبيه الأمة إلى خطر داخلي يهدد كيان الأمة وأمنها واستقرارها.

- الخوارج: هم فرقة تنتسب إلى الإسلام، يكفرون من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، ويخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم، سُمّوا خوارج؛ لأنهم يخرجون على حين فرقة من المسلمين، ويخرجون على أئمة المسلمين بالسلاح، ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم يخرجون في كل زمان وفي آخر الزمان.

     روى البخاري في صحيحة من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله يوم القيامة».

صفاتهم وأصول منهجهم

أما صفاتهم وأصول منهجهم وسماتهم العامة؛ فقد بينها العلماء وهي باختصار:

يُكَفّرون بالمعاصي

     أنهم يكفرون بالمعاصي؛ فمن فعل كبيرة من كبائر الذنوب؛ فهو عندهم كافر يلحق بالكفار في الأحكام والمعاملة والقتال، بل هو خالد مخلد في النار، ويترتب على هذا تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

يرون الخروج على أئمة المسلمين

     يرون الخروج على أئمة المسلمين وجماعتهم ومعاملتهم معاملة الكفار في الأحكام والدار، والبراءة منهم واستحلال دمائهم، ونتج عن ذلك قيام سنة سيئة في تاريخ الأمة وهي الانقلاب على الحكام وقتلهم وإشاعة الفوضى في البلد وغياب الأمن والاستقرار في المجتمع، وفساد منهجهم بخروجهم عن السنة، وخطأ أحكامهم حتى عدوا أنفسهم علماء، ثم تجرؤوا على العلماء كما تجرؤوا من قبل على الصحابة، بل على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا جدهم الأكبر ذو الخويصرة لما قسم النبي الغنائم قال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «ويلك من يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل»، ثم  ذكر صلى الله عليه وسلم  «أنه يخرج من ضئضئ هذا الرجل أقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، والحديث متفق عليه.

سوء فهمهم للقرآن

     سوء فهمهم للقرآن؛ مما أوقعهم في التكفير ولوازمه؛ فهم لم يقصدوا معارضة القرآن، لكنهم فهموا منه ما لم يدل عليه؛ فظنوا أن القرآن يوجب تكفير أصحاب الذنوب؛ إذ أن المؤمن هو البر التقي، قالوا: فمن لم يكن برا تقيا فهو كافر مخلد في النار؛ ولذلك وجد عندهم الخلل في منهج الاستدلال؛ حيث أخذوا بآيات الوعيد وتركوا آيات الوعد، واستدلوا بالآيات الواردة في الكفار وجعلوها في المخالفين لهم من المسلمين، كما قال ابن عمر فيهم: «انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين» أخرجه البخاري.

الجهل وضعف الفقه في الدين

     من أخص صفاتهم الجهل وضعف الفقه في الدين، وقلة الحصيلة من العلم الشرعي، كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم : «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم»، أي ليس لهم حظ من فهمه وتدبر معانيه، وهم مبتعدون عن العلماء الربانيين؛ لأنهم يعتقدون في أنفسهم أنهم علماء؛ ولذلك يفتون ما يشتهون من الفتاوى فَيَضِلون ويُضِلون، ولا غرابة أن نرى زعيم جماعة أو فرقة أو مفكرا إسلاميا لا حظ له من العلم والفقه نراه يفتي في مسائل عظيمة وكبيرة تتعلق بمصير الأمة لايجرؤ العلماء عليها، ويتجرأ الجهلة من أمثاله عليها، نسأل الله السلامة والعافية.

سرعة التقلب واختلاف الرأي

سرعة التقلب واختلاف الرأي وتغييره (عواطف بلا علم ولا فقه)؛ ولذلك يكثر تنازعهم وافتراقهم فيما بينهم، وإذا اختلفوا تفاضلوا وكفر بعضهم بعضا ثم تقاتلوا.

التعجل في إطلاق الأحكام

التعجل في إطلاق الأحكام والمواقف من المخالفين بلا تثبت ولا دليل. إبراز السلبيات في الدولة وتضخيمها، وإخفاء الإيجابيات وتقليلها .

القوة والخشونة

القوة والخشونة والجلد والجفاء، والغلظة في الأحكام والتعامل، وفي القتال والجدال، وكذلك قصر النظر وقلة الصبر واستعجال النتائج.

هذه هي صفات الخوارج قديما وحديثا؛ فمن اتصف بها فهو منهم، ومن اتصف ببعضها كما هو الحاصل في هذا الزمان العجيب ففيه صفة من صفات الخوارج.

موقف الصحابة والتابعين

     لقد كان موقف الصحابة والتابعين ومن بعدهم تجاه الخوارج موقفا واضحا وصريحا، قويا وحازما، تجلى في التحذير منهم ومن بدعهم ومقالاتهم المنحرفة، كما كانوا يناظرونهم ويعلمونهم، كما فعل علي وابن عباس -رضي الله عنهما-، وكانوا يرونهم شرار الخلق ، وكانوا يقاتلونهم إذا حدث منهم قتال أو بغي أو قطعوا السبل وتعرضوا لمصالح المسلمين.

     ذُكر لابن عباس -رضي الله عنهما- الخوارج واجتهادهم فقال: ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى وهم على ضلالة، وقال عنهم الحسن البصري -رحمه الله-: حيارى سكارى، ليسوا يهودا ولا نصارى ، ولا مجوسا فيعذرون، وقال الآجري في باب (ذم الخوارج): «وسوء مذهبهم وإباحة قتالهم وثواب من قتلهم أو قتلوه، قال محمد بن الحسين: لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله عز وجل ولرسوله، وإن صلوا وإن صاموا واجتهدوا في العبادة؛ فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله -عز وجل- وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم وحذرنا الخلفاء الراشدون بعده، وحذرنا الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان رحمة الله -تعالى- عليهم» الشريعة.

نزعات الخوارج

     إن نزعات الخوارج بدأت تظهر في عصرنا الحاضر في بعض الجماعات القائمة اليوم كجماعات التكفير ومن وافقهم في معتقداتهم، وغالبا ما نراها في بعض الشباب الصغار الذين لم يكتمل علمهم ولم يتلقوا عن العلماء، وإنما تتلمذ بعضهم على بعض أو على بعض الكتب دون الرجوع لأهل العلم، كما نشاهدها في كثير من المثقفين وأصحاب الشعارات الذين لم يتفقهوا في الدين على نهج سليم، إنما رصيدهم الحماسة والعاطفة.

دعوة تصحيحية

     إنها دعوة تصحيحية لبيان خطر هذا الفكر المنحرف على هذه الأمة، الذي أنتج لنا أفكارا مدمرة: تكفير الحكام والمجتمعات، والانقلابات والمظاهرات، وقتل الأبرياء المسالمين، وترويع الآمنين، وإشاعة الفوضى، وذهاب الأمن والاستقرار، كل ذلك تحت غطاء الإسلام والجهاد؛ فانخدع بذلك كثير من الناس ممن تغلب عليهم العواطف الدينية والحماسة غير المتزنة، فلابد من كشف عوار هذه الفرقة وتوضيح أمرها، ثم بيان محاسن الإسلام وحقيقة هذا الدين العظيم دين العلم والحكمة، ودين السماحة واليسر، دين النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، دين إعداد العدة الحسية والمعنوية قبل الاندفاع للهاوية؛ فنسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X