رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 21 يونيو، 2011 0 تعليق

إيران وسعت دائرة تجسسها على دول الخليج لتمتد لأهداف استراتيجية في مصر-شبكات التجسس الإسرائيلية – الإيرانية تحاصر العالم العربي

 

لم تألُ الدولة العبرية منذ تأسيسها عام 1948جهدًا في محاولات زرع شبكات تجسس لها في عدد كبير من الدول العربية ومن بينها مصر؛ إدراكا منها أن الإطلاع على كم كبير من المعلومات حول طبيعة الأوضاع السياسية والاستراتيجية في هذه البلدان هو السبيل المهم للحفاظ على أمنها وضمان بقاء كيانه داخل محيط عربي يضمر لها العداء ويتحين لإلقائها في البحر إذا أتيحت له الفرصة.


       وعملت إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة لنشر شبكات التجسس في مصر وكانت أولها وأكثرها إثارة للجدل شبكة «لافون» التي اعتمدت على تجنيد عشرات من الجواسيس من أبناء الطائفة اليهودية عملوا على إشاعة اضطرابات وتفجير مقر مكتب الاستعلامات الأمريكية في الإسكندرية في عام 1954، وهي الشبكة التي استطاعت مصر تفكيكها وكانت من أول الأسباب التي دفعت القاهرة لتفعيل جهاز المخابرات العامة المصرية وتنشيطه، ولم ينته الأمر بالطبع باكتشاف السلطات المصرية، لشبكة تجسس قادها «إيلان تشايم جرابيل»، بتهمة التجسس على مصر ونقل معلومات عن أجواء البلاد بعد الثورة، وإحداث الفتنة الطائفية وتمت إحالة القضية لنيابة أمن الدولة العليا.

        وتوالت خلال هذه العقود موجات التجسس الصهيوني على مصر سواء تورط فيها دبلوماسيون أجانب أم رعايا غربيون كانت القاهرة تنزل بهم أقسى العقوبات ومنها أحكام بالإعدام طالت في الأغلب الأعم مواطنين مصريين، ورغم ذلك واصلت إسرائيل مساعيها لاختراق الأمن القومي المصري خلال المواجهات العسكرية مع مصر في حربي 1967و1973 سعيًا لإلحاق أكبر قدر من الضرر بمصر وتقزيمها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

        وواصلت إسرائيل زرع الجواسيس باعتباره نهجًا دائمًا للكيان الصهيوني على الدوام، إلا أن موجة التجسس تصاعدت حدتها ضد مصر رغم توقيع البلدين على اتفاقية السلام وإنهاء حالة الحرب كما يؤكد د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان في مصر والذي أوضح أن الكثيرين منّوا أنفسهم بقطف ثمار السلام الزائف مع إسرائيل، ومع هذا لم يفوت هذا الكيان غير الشرعي فرصة لاستخدام هذا السلام المزعوم ستاراً للتجسس على مصر التي يصنفها على أنها عدوه الأول في الشرق الأوسط.

        وأوضح د. عاصم أن حبر معاهدة السلام عام 1979 لم يكن قد جف حتى استطاعت مصر تفكيك شبكة جواسيس تورط فيها ضابط مخابرات إسرائيلي يدعى «أبو شريف»؛ حيث تم تجنيد الجاسوس عامر سلمان وهو بدوي من سيناء عام 1982 وظل يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية أكثر من 10 سنوات حتى ضبط وحكمت عليه محكمة العريش بالسجن مدى الحياة.

 أبرز المحطات

       ويؤكد الدسوقي أن مرحلة التسعينيات قد شهدت أكثر حقب التجسس الإسرائيلي على مصر ولا سيما بعد توقيع اتفاق أوسلو 1993 حتى وصول نتنياهو لسدة السلطة في إسرائيل والدول العربية خصوصًا في ظل تراجع المحاذير المفروضة على سفر الرعايا المصريين إلى إسرائيل، مشيرًا إلى أن قضية إلقاء الأجهزة المصرية القبض على الرقيب السابق بسلاح البحرية عبد المنعم عبد الملك الذي حكم عليه بالمؤبد كانت حلقة في مسلسل التجسس تلاه بعد فترة تفكيك الأجهزة الأمنية لشبكة تجسس إسرائيلية جديدة كان بطلها هذه المرة الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام الذي كان يعمل مديرًا لمصنع إسرائيلي مصري مشترك للنسيج في القاهرة، وهي المرة التي استخدم فيها التطبيع الاقتصادي كقناة للتجسس على مصر واستمرت هذه الأزمة لسنوات عدة  حتى أصدر الرئيس المخلوع حسني مبارك قرارًا بالإفراج عنه.

 ستار اقتصادي

       وأشار إلى أن قضايا التجسس الإسرائيلية استمرت ضد مصر وامتدت لمنشآت حيوية مصرية ومنها هيئة الطاقة الذرية؛ حيث سعت إسرائيل للاطلاع على جميع أسرار البرنامج النووي عبر تجنيد أحد الباحثين في المركز ويدعى شريف الفيلالي الذي حوكم بالإشغال الشاقة المؤبدة، وبعد أشهر عدة ألقت السلطات المصرية القبض على شبكة تجسس إسرائيلية، وتم اعتقال أربعة أعضاء بهذه الشبكة وكان من بين المعتقلين طارق عبد الرازق المسؤول بإحدى شركات الهاتف النقال.

       ويلاحظ من هذا السرد التاريخي أن الدولة العبرية لم تترك مجالاً للتجسس على مصر إلا وعملت على الحصول على معلومات حساسة بشأنه فيما يتعلق بالنواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية أو حتى الزراعية والسياحية، فالدولة العبرية ورغم توقيعها على معاهدة السلام مع مصر إلا إنها اعدّن القاهرة دائمًا العدو اللدود لها، ونظرت لمعاهدة السلام باعتبارها خيارًا مؤقتًا قد ينتهي في أي توقيت لتشتعل المواجهة بينها وبين مصر مؤيدة من بعض الدول العربية.

        بل إن إسرائيل استخدمت جميع الوسائل في التجسس ضد الدول العربية ومنها سوريا ولبنان والعراق، ونجحت عبر جهاز استخباراتها في تأمين معلومات قيمة أفضت لتدمير المفاعل النووي السوري، بل إنها نجحت في زرع عملاء لها في جميع المؤسسات الحساسة في سوريا عبر الجاسوس الأشهر إيلي كوهين الذي أدت الصدفة الدور الأكبر في اكتشاف السلطات السورية لقضيته وإنزال حكم بالإعدام بحقه.

 وسائل حديثة

       بل إن إسرائيل لم تعتمد في تجسسها على وسائل غير تقليدية؛ حيث إنها وبحسب اللواء زكريا حسين الخبير الاستراتيجي والمدير السابق لأكاديمية ناصر العسكرية أطلقت منذ سنوات القمر الصناعي «أفق 5» بتكلفة 60 مليون دولار قادر على رصد تحركات الجيوش العربية، وأتاح لإسرائيل إمكانية الحصول على صور استخباراتية للمواقع العسكرية العربية، كما سيتيح لها متابعة برامج تطوير الصواريخ الباليستية في دول إسلامية كبرى كإيران وباكستان.

        ويؤكد أن هذا القمر ليس منفصلاً عن شبكة الأقمار الأمريكية للتجسس الموجودة في منطقة الشرق الأوسط البالغ عددها 16 قمرًا أمريكيًا؛ لأن هناك تعاونًا مخابراتيًا غير مسبوق بين أمريكا وإسرائيل، بل إن هذا القمر يرصد احتمالات وجود برامج لإنتاج الأسلحة النووية في العراق وليبيا وإيران وباكستان، كما يخدم أيضًا المصالح ويعمل بالتكامل مع أقمار التجسس الأمريكية على المنطقة.

        ويرى أن إسرائيل ستستمر في التجسس على جميع الدول العربية فهي ورغم علاقاتها الإستراتيجية مع الأردن سعت كثيرًا لتأمين شبكة عملاء لها في الأردن وللحصول على معلومات إستراتيجية عن دول الخليج لتحييد هذه الدول في أي مواجهة عسكرية مع الدول العربية.

        ولا يجد حرجًا في الإقرار بأن إسرائيل استخدمت بعثاتها الدبلوماسية ورجال أعمالها ومشروعاتهم في أكثر من دولة عربية كستار للتجسس، باعتبار أن المواجهة حتمية بينها وبين دول الجوار العربي؛ مما يفرض على مصر والدول العربية مراجعة اتفاقياتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل وعدم توفير أي مجال لاختراق الأمن القومي العربي.

 حرب باردة

       فيما يرى اللواء حسام سويلم الخبير الاستراتيجي أن محاولات إسرائيل لم تتوقف للتجسس على مصر والدول العربية، لافتا أن كل ما فعلته اتفاقية «السلام» هذه بين مصر وإسرائيل، هو نقل الحرب من ساخنة إلى باردة، فاتفاقية كامب ديفيد وما جرته في ذيولها من تطبيع بين مصر والأردن والدولة الصهيونية لم يمنعا الصهاينة من استهداف الدولتين وغيرهما وجعلها على رأس سلم أولويات المخابرات الصهيونية.

        وأضاف لقد تجاوز عدد جواسيس الموساد الذين تم تجنيدهم والدفع بهم نحو مصر والدول العربية مئات الجواسيس، موضحا أن التجسس سيستمر؛ لأن اليهود لا يثقون في أحد، حتى وإن كان هو أصدق أصدقائهم، أي الولايات المتحدة، فواشنطن تكشف كل فترة عن شبكة صهيونية للتجسس عليها، وهو ما يعد درسًا لنا كعرب أن نعيد النظر في طبيعة علاقتنا معها.

        وأشار إلى أن إسرائيل لجأت في الفترة الأخيرة لتجنيد جواسيس مزدوجي الجنسية لتورط دولاً أخرى معها وتنكر دورها، كما حدث في قضية اغتيال المبحوح في دبي وشبكة إيلام جرابيل، مشيراً إلى أن هذا الأسلوب تتبعه أجهزة الأمن الإسرائيلية وخاصة الموساد، مضيفاً أن إسرائيل لم ترسل ولا سيما للدفاع عن الجاسوس حتى الآن في محاولة منها للتخلص من مسؤوليتها عنه.

 غزو فضائي

       بل إن إسرائيل سعت للاستفادة من الثورة الإعلامية التي يشهدها العالم العربي، فعملت على توثيق صلاتها بعدد من الفضائيات ومحاولة تجنيبها لفترات؛ خشية أن تقع ضحية لتحريض هذه الفضائيات عبر تقديم منح وإن كان بشكل غير مباشر لعدد من العاملين ومقدمي البرامج بهذه الفضائيات للتدريب في مؤسسات إعلامية غربية تتولى تكريس نوع من ثقافة السلام لدى هؤلاء، وتبني الدعوات للتعايش السلمي بين دول المنطقة ، بل إن العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وهذه الفضائيات ترجمت في الظهور المكثف لمسؤولين إسرائيليين في اختراق واضح لقرار وزراء الإعلام العرب بعدم التطبيع الإعلامي مع الكيان الصهيوني؛ مما عزز من اتهامات بأن عديدًا من الفضائيات العربية والمصرية تتلقى تمويلاً إسرائيليًا ما تتبناه من مواقف راغبة في نشر فوضى خلاقة والدفاع عن التطبيع مع الدولة العبرية.

 مخطط مشبوه

       وإذا كان قيام إسرائيل بالتجسس على الدول العربية يبدو طبيعيًا فإن الأمر الغريب جدًا حاليًا يتمثل في إعلان السلطات المصرية عن إلقاء القبض على الدبلوماسي الإيراني قاسم الحسني الذي وجهت له تهمة جمع معلومات عن المؤسسات الاقتصادية والعسكرية من خلال زرع خلايا تعمل على تنفيذ مخططات الحرس الثوري الإيراني بالقاهرة، وذلك عقب ثورة 25 يناير، رغم أن هذه الفترة شهدت علاقات البلدين تطورًا كبيرًا، بل تحدث بعضهم عن إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، ولكن يبدو أن هذه القضية ستعيد علاقات البلدين للمربع الأول وستحبط محاولات تطبيع العلاقات بين البلدين.

 تعزيز النفوذ

       ويزيد من حجم التوتر ما أثبتته جهات التحقيق من مساعي إيران لتجنيد عملاء لها في أغلب المؤسسات المصرية، والتأكيد أن مهمة الشبكة لم تقتصر على جمع معلومات عن مصر فقط بل السعي لتكرار السيناريو نفسه في المملكة العربية السعودية، وهو ما يجعل هناك حاجة للإجابة عن تساؤل حول أسباب قيام إيران بالتجسس على مصر والسعودية، والإجابة ببساطة كما يؤكد د. وحيد عبد المجيد الخبير والمحلل السياسي: أن إيران تسعى منذ سنوات لتعزيز نفوذها في عدد من الدول العربية من ثم فإن سعيها للحصول على معلومات استراتيجية عن مصر يبدو طبيعيًا لافتًا إلى أن إيران تسعى لفرض نفسها كقوة إقليمية مهمة في المنطقة وهي تدرك أن وجود مصر قوية بعد الثورة قد يحول دون تحقيق هذا الأمر.

        ولفت إلى أن إيران تستهدف إضعاف القوى العربية التقليدية مثل مصر والسعودية باعتبار أن مصر مؤهلة بعد الثورة لاستعادة بريق العمل العربي المشترك، كما أن وقوف السعودية ضد محاولات إيران الهيمنة على البحرين قد أزعج إيران بشدة باعتبار أن إيران لا يمكن أن تحقق أهدافها الاستراتيجية إلا بإضعاف الدولتين والعمل على نشر مذهبها في بلدان الجوار وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.

        ورأى أن هناك صعوبة في الحديث عن فتح صفحة جديدة مع إيران من جانب العالم العربي للعلاقات مادامت لم تتخذ قرارا إستراتيجيًا بوقف التدخل في شؤون دول الجوار العربي. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك