رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 16 يوليو، 2012 0 تعليق

إيران استخدمت العراقيين كحصان طروادة لنشر سمومهم في أوساط الليبيين- ليبيا في مرمى نيران الصفويين

صبت تحذيرات الشيخ الصادق الغرياني، مفتي ليبيا، من محاولة إيران نشر المذهب الصفوي في بلاده الزيت على النار ونكأت جراحا شديدة حول محاولات الترويج لهذا الفكر في صفوف الليبيين ولا سيما أن هذه المحاولات ليست جديدة في كل الأحوال، بل سبقتها إرهاصات منذ سبعينيات القرن الماضي يوم أن كانت طرابلس الغرب موطئ قدم لعدد من معارضي رأس النظام العراقي السابق صدام حسين نكاية في عراق البعث ولا سيما أن ديكتاتور ليبيا السابق دعم إيران في حرب السنوات الثمانية مع العراق، متنكرا لكل نعرات العروبة التي نذر حياته كلها لتكريس مبادئها في أوساط الليبيين العرب رغم أنها لم تقو على الوقوف في وجه أي اختبار.

أحقاد وكراهية

       وسخر الغرياني خلال محاضرة ألقاها أخيرا في مسجد مراد أغا بضاحية تاجوراء «شرق طرابلس» من مزاعم شخصيات إيرانية وتأكيدهم أن لدى إيران معاهد لتدريس المذهب المالكي وأنهم ليسوا متعصبين، مشددا على أن المذهب الصفوي الإيراني يقوم على إقامة الأحقاد والكراهية وسب أصحاب النبي [ وأمهات المؤمنين، مفجرا قنبلة من العيار الثقيل بتأكيده أن عائلات ليبية اتصلت بدار الإفتاء محذرة من تحول أبنائها إلى مذاهب ملحدة مثل الأحمدية والقاديانية وغيرهما من الفرق الضالة المضلة.

       وتكشف تصريحات الغرياني حجم الخطر الشديد الذي يهدد ليبيا ذات الأغلبية السنية الكاسحة ومحاولات نشر هذا المذهب الفارسي ولا سيما أن عرّابي هذا المذهب ينتشرون في معظم المدن والمؤسسات التعليمية الليبية ويحاولون بث سمومهم عبر أدوات عدة منها نشر الكتب وتوزيع السيديهات في أغلب المدن والقرى والواحات الليبية ورصد ملايين الدولارات من أجل تنفيذ هذا المخطط ومحاولة إنشاء حسينيات سرية في البلاد مستغلين النفوذ الذي كانت تحظى به الطرق الصوفية في البلاد.

محطة اختراق

       ويزداد الخطر حين نعلم أن هذا الخطر تصاعد لدرجة أن قوافل المروجين لهذا المذهب المشبوه وصلت إلى واحة الكفرة الجنوبية ومناطق وعرة على الحدود بين ليبيا والجزائر وكأنهم يريدون توصيل رسالة للجميع بأن ليبيا في مثل هذه الظروف تعد من أفضل البقاع لنشر مذهبهم بين ربوعها واستخدامها كمحطة لاختراق بلدان المغرب العربي والنفاذ إلى مناطق الغرب الأفريقي المحاصرة بنشاط فعال للحليف الأول لهم وهم الصوفية.

       ولا يخفى على أحد أن الزيارات المتعددة لما يطلق عليه موسى الصدر وضعت أولى بذور المد الصفوي في هذا البلد قبل أن يختلف الصدر مع القذافي ويختفي بشكل مريب ويغلق الباب على هذه المساعي ويستمر هذا الجمود إلى أن يرتكب صدام حسين جريمة غزو الكويت وتفرض على العراق عقوبات اقتصادية مشددة دفعت ملايين العراقيين إلى مغادرة البلاد بحثا عن مورد رزق بعد أن انسد الأفق الاقتصادي والسياسي في بلاد الرافدين ومن ضمن جحافل العراقيين الذين قدموا إلى ليبيا أكاديميين ومدرسين وخبراء في كل المجالات انتشروا في معظم المدن الليبية من البطان إلى الجبل الغربي إلى فزان جنوبا.

مناسبات صفوية

       وبدأ هؤلاء يعملون بحذر في أوساط الليبيين مستغلين عدم معارضة النظام السابق لهذا المد في ظل صلاته القوية بإيران، وسعوا بهدوء إلى ربط الليبيين بهذا المذهب عبر التجمعات الطلابية والدعوات لإحياء الأعياد الصفوية، بل يتحدثون عن الفكر بما يأخذ بيد هؤلاء الطلاب إليه مستغلين الفراغ الفكري لدى طلابنا محاولين إبهارهم بأسلوبهم العذب النفاذ إلى قلوب  الليبيين البسطاء وعقولهم  عبر لغتهم الرقيقة المتفصحة والعذبة.

       ورصدت دار الإفتاء الليبية نشاطات مشبوهة ومشينة من قبل إيران والإيرانيين داخل ليبيا، حيث يتم نشر الكتب والكتيبات وإقامة المعارض وتوجيه دعوات مستمرة لهذه الأفكار واستدراج الشباب الليبي وعامة الناس لدعوات مجانية لزيارة طهران ومنحهم إقامات في فنادق فخمة وتقديم منح مجانية لاستكمال دراساتهم في الجامعات والمزارات والمرجعيات المعروفة سواء في قم أو النجف لإغرائهم باعتناق هذه المذاهب.

فوضى وانهيار

       وكانت هذه الأساليب تتم على استحياء في عهد القذافي إلا أن اشتعال الثورة وسقوط النظام الليبي فتح البلاد على مصراعيها أمام محاولات نشر الفكر الصفوي في صفوف الليبيين مستغلين الفوضى وانهيار أجهزة الدولة ومعاناة البلاد من أزمة اقتصادية وفشو البطالة حيث قدموا إغراءات متعددة لليبيين للسفر لإيران سواء للسياحة أو استكمال الدراسة في إحدى الجامعات الإيرانية بحجة دعم إيران لليبيا في مثل هذه الظروف المضطربة مستغلين انشغال الحكومة الليبية التي تسيطر عليها شخصيات علمانية ومقربة من النظام السابق على مقاليد الأمور.

طوفان صفوي

       وأدت حالة الفراغ الأمني والسياسي لإتاحة الفرصة لنشر سمومهم في أغلب المدن الليبية ولا سيما في البيضاء والزاوية وأجدابيا والعزيزية والخمس ومناطق من طرابلس حيث لم يعد غريبا انتشار الكتيبات المشبوهة في عدد لا بأس به من المدارس والجامعات الليبية وتبادله بين الطلاب في ظل غياب أي دور رقابي لوزارة التربية الليبية والأجهزة الأمنية التي تعرضت لانهيار شبه تام، ولم تفلح حتى الآن محاولات استرجاع دورها لمواجهة هذا الطوفان الصفوي الذي يهدد بكارثة تهدد بذوبان الهوية السنية الخالصة للشعب الليبي.

دعم استخباراتي

       بل إن هناك أمرا شديد الغرابة يلمسه المراقبون للنشاط الصفوي في الأراضي الليبية؛ إذ إن عددا يقدر بالآلاف من عرابي هذا الفكر من العاملين في المجالات التربوية في المدارس والجامعات من حاملي الجنسية العراقية قد أصروا على عدم مغادرة الأراضي الليبية سواء بعد سقوط نظام صدام حسين أم حتى وقت اشتعال الثورة على القذافي، مفضلين البقاء لتنفيذ مخططهم رغم أن الأوضاع المالية في العراق أفضل بكثير من ليبيا، وهو أمر لا يصعب تفسيره، فهؤلاء يعدون أنفسهم أصحاب رسالة ويحظون بدعم تام وإغراءات مالية من قبل المخابرات الإيرانية التي أصدرت لهم تعليمات بعدم مغادرة الأراضي الليبية ومواصلة دورهم في دعم الاختراق الفارسي لبلد عمر المختار.

       ولا شك أن ما رصدته دار الإفتاء الليبية عن خطر الانتشار الصفوي لا يمثل جانبا كبيرا من الحقيقة، فالسفارة الإيرانية في طرابلس قد تحولت بحسب معارضين ليبيين سابقين في القاهرة إلى أداة لنشر الفكر الصفوي في ليبيا وبلاد المغرب العربي مستغلة الطابع العلماني للنظام السابق، ومحاولة الاستفادة من حالة الفراغ الأمني، فهذه السفارة وقنصلياتها المنتشرة في المدن الكبرى شرقا وغربا وجنوبا ترى أن فترة الفوضى التي تعانيها ليبيا حاليا هي أفضل الفرص للتبشير بهذا الفكر الضال في ظل غياب دور ما كان يعرف باللجان الشعبية في عهد العقيد والتي كانت أجنحة فيها تناصب التمدد الإيراني العداء.

قنبلة الغرياني

       ولا شك أن القنبلة التي فجرها الشيخ صادق الغرياني بإعلانه تنامي الخطر الصفوي في ليبيا تدق ناقوس الخطر على التحديات الخطيرة التي تهدد بذوبان هوية بلد كان معروفا بانتماء مواطنيه الصرف لمذهب أهل السنة رغم ما تعرضوا له، وحسب ما يؤكد الدكتور عبدا لمنعم البري الرئيس السابق لجبهة علماء الأزهر من محاولات تمسيخ في عهد القذافي المقبور، لافتا إلى أن إعلان مفتي ليبيا تزامن مع تنامي نشاط الصفوي في مصر وزيارة رجل الاستخبارات الإيراني «الكوراني» الذي يحاول استخدام مظهره الديني لإخفاء دوره الأمني في نشر هذا المذهب، وهو دور يحاول الإيرانيون تكراره في تونس مستغلين صلات وثيقة كانت لهم ببعض رموز الحكم الحالي في تونس إبان تشريد النظام التونسي السابق لهم.

أدوار مشبوهة

       وأشار إلى أن مظاهر الفكر الصفوي أصبحت تنتشر في عدد من المدن؛ حيث رصدت تجمعات لشخصيات شيعية تمارس أدوارا مشبوهة منها توزيع الكتيبات والسيديهات ومحاولات الاحتفال بالمناسبات الصفوية، مطالبا بضرورة تيقظ المؤسسات الدينية والإعلامية والأسر الليبية التي عليها التعاطي بإيجابية مع شكوى أبنائها ومخاطبة الأجهزة الرسمية للتصدي لهؤلاء وترحيلهم خارج ليبيا.

       وشدد على ضرورة قيام الفضائيات الإسلامية ذات الانتشار الواسع بالتصدي لهذا المد الرافضي وفضحه وقطع الطريق عليه للاستفادة من الفوضى الأمنية لتحقيق مكاسب جمة، فهناك مخطط إيراني للاستفادة من أجواء الحرية والانفلات التي سادت بلدان الربيع العربي وتطويعها لخدمة هذا المشروع بشكل يستوجب استنهاض الهمم لمواجهته قبل أن نواجه واقعا مرا قد لا نستطيع مواجهته.

أذن من طين

       ولكن المؤسف في هذا الصدد أن تصريحات الغرياني عن هذا الخطر الإيراني لم تجد آذانا مصغية لدى الحكومة الليبية ولا المجلس الوطني الذي لم يكلف مسؤولوه أنفسهم محاولة إجهاض الخطر أو إعلان قلقهم من هذا المد أو التعاطي بإيجابية مع مخاوف الغرياني مما أسماه بنذير شؤم يهدد المجتمع الليبي وكل بلد ينشب فيه الصفوييون أظفارهم, فما دخلوا موطنا إلا وأثاروا فيه الفتن والأحقاد وألبوا أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد بل الأسرة الواحدة على بعضهم البعض, وأن غايتهم الأولى هي إثارة الفتن دوما بين أبناء كل وطن لإضعاف أهل السنة، ولربط الأنصار الجدد بإيران فيكونون عونا على بني جلدتهم وكذلك يفعلون.

فوهة بركان

       ويفهم من كلام الغرياني أن ليبيا أصبحت على فوهة بركان بسبب تنامي هذا المد، غير أن هذا الأمر لا يجد آذانا مصغية لدى المجلس الوطني الانتقالي الذي قلل ممثله في القاهرة الدكتور السنوسي محمد السنوسي من خطر هذا المد الصفوي، مشيرا إلى أن المرحلة الانتقالية التي عانت منها ليبيا شهدت عددا من المشكلات منها استغلال بعضهم الانفلات الأمني لتنفيذ أجندة معينة.

       ولفت إلى أن الدولة ستبذل جهودا مكثفة خلال المرحلة القادمة لمواجهة هذا الخطر عبر حشد جميع المؤسسات الدينية والإعلامية والأمنية لتجفيف منابع هذا المد والتصدي له بكل الوسائل وإنزال العقاب المناسب بمن يحاول المساس بهوية شعبنا التي تعد الشريعة الإسلامية على مذهب أهل السنة والجماعة من أهم النقاط التي تحظى بإجماع من قبل جميع المواطنين على مختلف.

       وشدد على أن الانتقالي لن يقبل بممارسة أي أنشطة تمثل اعتداء على هوية البلاد وستستخدم جميع الآليات وستحيل للتحقيق أي شخص يتورط في نشر أي فكر ضال وقد يصل الأمر لمحاسبته وطرده خارج البلاد مهما كان عمله أو وظيفته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك