رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 13 أكتوبر، 2015 0 تعليق

{إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}(الإسراء: 27)

الوفرة المادية، وسوء التربية، وقلة التوجيه والتوعية، وعدم المبالاة، وقلة المشاركة في تحمل النفقات العامة، قد تؤدي إلى ترسيخ بعض السلوكيات السلبية، وبروز بعض العادات الغريبة، مثل مظاهر البذخ والإسراف والتبذيرالتي يراها الإنسان في المجتمع، ابتداء من الوجبة اليومية التي يتناولها بعض الناس وما يتبعها من كميات زائدة من الطعام تؤول إلى حاويات القمامة، إلى غسيل السيارات اليومي على أيدي العمالة غير المسؤولة التي لا تبالي بهدر المياه الغالية التي تنساب إلى مجاري الصرف الصحي بلا فائدة، ولا تنس بعض حفلات الأفراح وما فيها من صور التبذير المذموم، فضلا عن الشره لدى بعض الناس لشراء كل جديد بغير حاجة فعلية بل لمجرد حب الاقتناء والمفاخرة ثم يهمله بعد مدة، ومظاهر تعسر على الإحصاء تؤلم القلب، وتكدر الخاطر.

وقد وردت نصوص شرعية تمنع من الإسراف، وتحذر من التذبير، ليكون المسلم متوازنا في نفقاته المالية بين إمكانياته وحاجاته، وبين دنياه وآخرته.

وقد عرف الراغب الإسراف فقال: «السرف: تجاوز الحد في كلِّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر».

وقال الجرجاني: «الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحدِّ في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحلُّ له، أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة.

وقيل: الإسراف تجاوز في الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق».

وأما التبذير فهو التفريق، مصدر بذَّر تبذيرًا، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلِّ مضيع لماله، وبذر ماله: أفسده وأنفقه في السرف.

وقال الشافعي: «التبذير إنفاق المال في غير حقِّه، ولا تبذير في عمل الخير».

وعن عثمان بن الأسود قال: «كنت أطوف مع مجاهد بالبيت فقال: لو أنفق عشرة آلاف درهم في طاعة الله ما كان مسرفًا، ولو أنفق درهمًا واحدًا في معصية الله، كان من المسرفين».

قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأعراف: 31).

قال عمر رضي الله عنه : «كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى».

وقال الشيخ السعدي: «فإنَّ السرف يبغضه الله، ويضرُّ بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدَّت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما».

وقال تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ }(الناس: 6).

قال رشيد رضا: «أي: ولا تأكلوا أموال اليتامى مسرفين في الإنفاق منها، ولا مبادرين كبرهم إليها، أي مسابقين الكبر في السن الذي يأخذونها به من أيديكم؛ فتكونوا طالبين لأكل هذا المال كما يطلبه كبر سن صاحبه فيكون السابق هو الذي يظفر به».

ويبين الله -تعالى- التوازن المحمود شرعا فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}(الفرقان: 67).

     قال ابن كثير: «أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصرون في حقِّهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا ذاك، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، كما قال: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}(الإسراء: 29).

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف، أو مخيلة».أخرجه النسائي

وقال ابن عباس: «كلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خلَّتان: سرف أو مخيلة».

     قال ابن حجر: «ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلًا ولبسًا وغيرهما، إما لمعنى فيه، وهو مجاوزة الحدِّ، وهو الإسراف؛ وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه، وهو الراجح، ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام، وقد يستلزم الإسراف الكبر وهو المخيلة».

وتأمل توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لتحديد الاحتياجات دون إسراف في قوله:

«فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان». أخرجه مسلم

قال النووي: «معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان؛ لأنه يرتضيه، ويوسوس به، ويحسنه، ويساعد عليه.

 وقيل: إنه على ظاهره، وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل، كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله -تعالى- صاحبه عند دخوله عشاء».

وقال تعالى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء: 26-27).

     قال ابن كثير: «لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه بل يكون وسطا ثم قال منفرا عن التبذير والسرف: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} أي أشباههم في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته ولهذا قال: {وكان الشيطان لربه كفورا} أي جحودا؛ لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته بل أقبل على معصيته ومخالفته».

     ونقل القرطبي عن الإمام مالك أنه قال: «التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف،وهو حرام لقوله تعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} يعني أنهم في حكمهم ; إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار ; ثلاثة أقوال».

وقال ابن عاشور: «ومعنى ذلك: أن التبذير يدعو إليه الشيطان; لأنه إما إنفاق في الفساد، وإما إسراف يستنزف المال في السفاسف واللذات فيعطل الإنفاق في الخير وكل ذلك يرضي الشيطان، فلا جرم أن كان المتصفون بالتبذير من جند الشيطان وإخوانه.
وهذا تحذير من التبذير، فإن التبذير إذا فعله المرء اعتاده فأدمن عليه فصار له خلقا، لا يفارقه شأن الأخلاق الذميمة أن يسهل تعلقها بالنفوس، كما ورد في الحديث «إن المرء لا يزال يكذب حتى يكتب عند الله كذابا».

     فعلى كل مسلم أن يحذر مغبة الإسراف والتبذير، ويستعد للعرض والسؤال أمام الله -تعالى- عما خوله من نعم، فعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» الترمذي وصححه الألباني.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك