رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 13 مايو، 2014 0 تعليق

{إن الله لا يخلف الميعاد}


أهل السنة يقولون يجوز أن يخلف الله الوعيد، فيعفو عن المذنب، ويخرج أهل الكبائر من النار قال ابن القيم: «وإخلاف الوعيد لا يذم، بل يمدح»

 

الوعد هو الإخبار عن فعل المرء أمرا في المستقبل يتعلق بالغير؛ سواء أكان خيرا أم شرا، وقد يكون الوعد بالخير أو بالشر، وقد يكون بما يتضمن الأمرين معا كقوله تعالى: {ألا إن وعد الله حق} وذلك بالقيامة والجزاء، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

والله سبحانه وتعالى قد ذكر في القرآن وعدا ووعيدا، فوعد أولياءه بالنصر والتمكين، ووعدهم في الآخرة بالجنة والنعيم، وتوعد أعداءه بالخذلان والضلال المبين، وفي الآخرة ينتظرهم الجحيم.

وقول الله تعالى حق، وخبره صدق، {ومن أصدق من الله حديثا}، و{من أصدق من الله قيلا}، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد، قال سبحانه: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

     فمما وعد الله تعالى به البعث في قوله: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} قال ابن كثير: «يعني:هذا كائن لا محالة، يوم يعيد الله الخلائق خلقا جديدا، كما بدأهم هو القادر على إعادتهم، وذلك واجب الوقوع، لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل، وهو القادر على ذلك، ولهذا قال: {إنا كنا فاعلين}».

     وقال سبحانه: { قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ}، وقال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} قال الطاهر: «وجملة إن الله لا يخلف الميعاد تعليل لنفي الريب؛ أي: لأن الله وعد بجمع الناس له، فلا يخلف ذلك، والمعنى: إن الله لا يخلف خبره».

     وقال الطبري: «مَعْنَى الْكَلَام: رَبّنَا إِنَّك جَامِع النَّاس لِيَوْمِ الْقِيَامَة فَاغْفِرْ لَنَا يَوْمئِذٍ، وَاعْفُ عَنَّا، فَإِنَّك لَا تُخْلِف وَعْدك، أَنَّ مَنْ آمَنَ بِك وَاتَّبَعَ رَسُولك، وَعَمِلَ بِاَلَّذِي أَمَرْته بِهِ فِي كِتَابك أَنَّك غَافِره يَوْمئِذٍ. وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ الْقَوْم مَسْأَلَة رَبّهمْ أَنْ يُثَبِّتهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْن بَصِيرَتهمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُوله، وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ تَنْزِيله، حَتَّى يَقْبِضهُمْ عَلَى أَحْسَن أَعْمَالهمْ وَإِيمَانهمْ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ وَجَبَتْ لَهُمْ الْجَنَّة، لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ مِنْ عِبَاده أَنَّهُ يُدْخِلهُ الْجَنَّة، فَالْآيَة وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ مَخْرَج الْخَبَر، فَإِنَّ تَأْوِيلهَا مِنْ الْقَوْم مَسْأَلَة وَدُعَاء وَرَغْبَة إِلَى رَبّهمْ».

ومما وعد الله تعالى به النصر والتمكين لرسله وأوليائه كما قال تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}، قال ابن كثير: «يقول تعالى مقررا لوعده ومؤكدا {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} أي: من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد».

     وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}، ولكن ذلك مشروط باتخاذ أسبابه كما قال الطاهر بن عاشور: «ففي الوعد بالاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمنا إيماء إلى التهيؤ لتحصيل أسبابه مع ضمان التوفيق لهم والنجاح إن هم أخذوا في ذلك، وأن ملاك ذلك هو طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم {وإن تطيعوه تهتدوا}، وإذا حل الاهتداء في النفوس نشأت الصالحات، فأقبلت مسبباتها تنهال على الأمة، فالأسباب هي الإيمان وعمل الصالحات».

ومما وعد الله تعالى به المؤمنين المغفرة كما قال تعالى:  {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.

     قال الطبري: «وَعَدَ اللَّه أَيّهَا النَّاس الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله، وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ، وَعَمِلُوا بِمَا وَاثَقَهُمْ اللَّه بِهِ، وَأَوْفَوْا بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدَهُمْ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِمْ: لَنَسْمَعَنَّ وَلَنُطِيعَنَّ اللَّه وَرَسُوله. فَسَمِعُوا أَمْر اللَّه وَنَهْيه، وَأَطَاعُوهُ فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ. {لَهُمْ مَغْفِرَة} لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَفُّوا بِالْعُقُودِ وَالْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ رَبّهمْ مَغْفِرَة وَهِيَ سَتْر ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، وَتَغْطِيَتهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، وَتَرْكه عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا وَفَضِيحَتهمْ بِهَا {وَأَجْر عَظِيم} يَقُول: وَلَهُمْ مَعَ عَفْوه لَهُمْ عَنْ ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ جَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا وَوَفَائِهِمْ بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدُوا رَبّهمْ عَلَيْهَا أَجْر عَظِيم، وَالْعَظِيم مِنْ خَيْر غَيْر مَحْدُود مَبْلَغه وَلَا يُعْرَف مُنْتَهَاهُ غَيْره تَعَالَى ذِكْره».

     ومما وعد الله تعالى به عباده الجنة كما قال سبحانه: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}، وقال تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}، وقال سبحانه: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}.

    وفي المقابل فإن الله تعالى توعد أعداءه بالويل والثبور وعظائم الأمور، فمن ذلك قال سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، قال الطبري:” يَقُول تَعَالَى: وَيَسْتَعْجِلُونَك يَا مُحَمَّد مُشْرِكُو قَوْمك بِمَا تَعِدهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه عَلَى شِرْكهمْ بِهِ وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ فِيمَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه فِي الدُّنْيَا، وَلَنْ يُخْلِف اللَّه وَعْده الَّذِي وَعَدَك فِيهِمْ مِنْ إِحْلَال عَذَابه وَنِقْمَته بِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَوَفَى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ، فَقَتَلَهُمْ يَوْم بَدْر».

وقال سبحانه: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، قال ابن كثير: «وَقَوْله» وَلَنْ يُخْلِف اللَّه وَعْده «أَيْ الَّذِي وَعَدَ مِنْ إِقَامَة السَّاعَة وَالِانْتِقَام مِنْ أَعْدَائِهِ وَالْإِكْرَام لِأَوْلِيَائِهِ».

     وقال تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}، قال ابن كثير: «يَقُول تَعَالَى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّك} يَا مُحَمَّد بَعْض الَّذِي نَعِد أَعْدَاءَك مِنْ الْخِزْي وَالنَّكَال فِي الدُّنْيَا {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} أَيْ قَبْل ذَلِكَ {فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ} أَيْ: إِنَّمَا أَرْسَلْنَاك لِتُبَلِّغهُمْ رِسَالَة اللَّه وَقَدْ فَعَلْت مَا أُمِرْت بِهِ {وَعَلَيْنَا الْحِسَاب} أَيْ حِسَابهمْ وَجَزَاؤُهُمْ».

     وقال سبحانه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}، قال الطبري: «يَعْنِي لَمَّا أُدْخِلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار وَاسْتَقَرَّ بِكُلِّ فَرِيق مِنْهُمْ قَرَارهمْ: إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ أَيّهَا الْأَتْبَاع النَّار، وَوَعَدْتُكُمْ النُّصْرَة فَأَخْلَفْتُكُمْ وَعْدِي، وَوَفَّى اللَّه لَكُمْ بِوَعْدِهِ».

     والقرآن الكريم مليء بالوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وهنا ينبغي التنبيه على أمر وهو أن هذه الأحكام الغيبية التي أخبر الله تعالى بها حق وصدق، إلا أنها متوقفة على حصول شروط وانتفاء موانع، فاختلال شيء من ذلك قد يؤدي إلى عدم ترتب الوعد أو الوعيد، وليس لأن الخبر غير صحيح أو الوعد غير صادق، وإنما الخلل في الناس أنفسهم.

     ثم إن الوعد حق ثابت لأن الله تعالى أوجبه على نفسه كرما منه وفضلا، وليس لمخلوق أن يوجب على الله شيئا، وليس لأحد استحقاق على الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ناقلا عن أهل السنة: «واتفقوا على أن الله تعالى إذا وعد عباده شيئا كان وقوعه واجبا بحكم وعده، فإنه الصادق في خبره، الذي لا يخلف الميعاد».

     وأما الوعيد فأهل السنة يقولون يجوز أن يخلف الله الوعيد، فيعفو عن المذنب، ويخرج أهل الكبائر من النار، قال ابن القيم: «وإخلاف الوعيد لا يذم، بل يمدح، والله تعالى يجوز عليه إخلاف الوعيد، ولا يجوز عليه خلف الوعد، والفرق بينهما؛ أن الوعيد حقه، فإخلافه عفو وهبة وإسقاط، وذلك موجب كرمه وجوده وإحسانه، والوعد حق عليه، أوجبه على نفسه، والله لا يخلف الميعاد».

نسأل الله تعالى من فضله، وأن يجعلنا ممن ينال وعده، وأن يحفظنا من وعيده، ويجنبنا أسباب سخطه، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك