رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي صالح طمبل 8 مارس، 2015 0 تعليق

إنـا كفـينـاك المستهـزئين

لقد حققت الصحيفة الفرنسية المغمورة ذيوعاً وشهرة لم تكن تحلم بها، فيقيني أنها لم تكن معروفة في معظم أنحاء العالم، ناهيك عن معرفتها في العالم الإسلامي والعربي، فقد استثمرت الاعتداء المسلح على مقرها - الذي أسفر عن مقتل اثني عشر شخصاً من طاقمها - أيما استثمار، فمثلت دور الضحية، مع أنها هي التي بدأت الاعتداء تحت ستار حرية التعبير، ونشرت رسوماً مستفزة للمسلمين، تحاول أن تنتقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم  الذي أرسل رحمة للعالمين، وهيهات لها أن تفعل ذلك.

     إن جناب النبيصلى الله عليه وسلم  لا يضره استهزاء المستهزئين ولا سخرية الساخرين، فقد كفاه الله -عز وجل- كل منتقص لقدره، قال تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (الحجر:95)، والذين يريدون أن يسيئوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما يسيئون في حقيقة الأمر لأنفسهم، وأفضل تصرف مع أمثالهم ألا نذكرهم؛ حتى لا  نعلي من شأنهم، وقد نسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه  قوله: «إِنَّ لِله عِبَادًا يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِهِ».

نحن بلا شك لا نقر استخدام العنف بالطريقة التي سلكها المهاجمون لمقر الصحيفة؛ فإن تغيير المنكر ينبغي ألا يكون منكراً في نفسه، وألا يؤدي إنكاره إلى منكر أعظم منه.

     ولكن في الوقت نفسه ننتقد السلوك المشين الذي تنتهجه الصحيفة بحجة حرية التعبير المزعومة التي تعني عند الكثيرين انتهاك حرمة المقدسات، مع أنها إذا مست قضية مثل محرقة (الهولوكوست) فإن منكرها قد يزج به في السجن في عقوبة قد تصل إلى سبع سنوات!

     كما أننا لا نستبعد أن يكون المنفذون لهذه الحادثة من الذين يعملون لصالح جهة معادية للإسلام، فأرادوا بهذا الفعل تشويه صورة الإسلام ووصم المسلمين بالإرهاب، والتضييق على الإسلام الذي أغاظهم انتشاره الكبير في الغرب، وتزايد عدد مساجده ومؤسساته، ولاسيما في فرنسا التي تقول الإحصاءات: إن عدد المسلمين فيها بلغ 8.5% من عدد السكان، ويتوقع أن يصل عددهم إلى ربع السكان بحلول عام 2025م.

نحن مع حرية التعبير، لكن حرية التعبير لا تعني الفوضى وتجاوز الخطوط الحمراء، والإساءة إلى المقدسات، والانتقاص من قدر الأنبياء، واستفزاز مشاعر الناس.

     إن الانتصار الحقيقي لجناب النبي صلى الله عليه وسلم  لا يعني الاستجابة للاستفزازات التي استمرأها الغرب من حين لآخر، وإنما تعني في المقام الأول اقتفاء أثره، وتطبيق سنته، وتمثُّل أخلاقه في أنفسنا وأهلينا ومن حولنا، بل حتى مع غير المسلمين، كما كان يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام مع اليهود والنصارى والمشركين؛ حتى دخل كثير منهم الإسلام تأثراً بحسن أخلاقه وطيب معاملته.

     والانتصار للرسول محمد صلى الله عليه وسلم  يكون بالدعوة إلى منهجه وسنته، والتعريف بسيرته وحياته، وفق منهج مدروس طويل الأمد، لا يستجيب للاستفزازات والإساءات التي لا تخدم أهدافه، بل تشجع الآخرين على المزيد من الاستفزاز والتعدي.

     وأذكر في هذا الصدد من الأمثلة المشرقة للانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم  مشروع (السلام عليك أيها النبي) الذي يعمل – كما جاء في صحيفة المدينة: «على إصدار أَكْبَرَ مَوْسُوعَةٍ في التَّارِيخِ, تَعْتَمِدُ على القُرْآنِ الكَريمِ, وَالسُّنَّةِ الشريفة. وَقَدْ قَامَتْ عَلى اسْتِقْصاءٍ كَامِلٍ شَامِلٍ لِكُلِّ مُفْرَداتِ القُرْآنِ الكَريمِ، وَلَحَظَاتِ، وَتَفْصيلاتِ حَياةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  وَآدابِهِ، وَأَخْلاقِهِ، وَسيرَتِهِ، وَمَسيرَتِهِ، وَشَريعَتِهِ.

     عَدَدُ أَجْزاءِ المَوْسُوعَةِ: حَوالَيْ (500) خَمْسِمِائَةِ مُـجَلَّدٍ، تَمَّ إِنْجَازُ مَا يَرْبُو عَلى (70) سَبْعينَ مُجَلَّدًا مِنْها، وَسَتَتِمُّ تَرْجَمَةُ المَوْسُوعَةِ إِلى بَعْضِ لُغَاتِ شُعُوبِ العَالَمِ الإِسْلامِيِّ وَالُّلغَاتِ العَالَميَّةِ)، وكذلك ما قامت به الهيئة العالمية للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، «من تدشين الترجمة الفرنسية للموسوعة الميسرة في التعريف بنبي الرحمة، التي تمثل أحد مشروعات الهيئة العملية والثقافية، للرد الحكيم على الإساءات الموجهة للجناب النبوي؛ حيث تعمل الهيئة على نشرها في الدول الناطقة بالفرنسية، وترحب بالتعاون لدعم هذه المبادرة» كما أوردت ذلك صحيفة الشرق الأوسط.

وأتوقع أنه إذا ركز المسلمون على مثل هذه المشروعات الهادفة أن يزداد عدد المسلمين في فرنسا - بل في الغرب كله -؛ فكثير ممن ينتقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم جاهل بسيرته، غير ملمٍّ بهديه وأخلاقه.

     إن الدواء الأنجع للتعامل مع مثل هذه الصحيفة وغيرها من المستفزين، هو تهميشهم وعدم ذكرهم، والاستمرار في الدعوة إلى الإسلام وزيادة الإنفاق عليها، والإكثار من المشاريع التي تعرَّف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفق إستراتيجيات طويلة النفس، وليس بمجرد الغضب الوقتي الذي يزول بزوال المناسبة، وينتهي بانتهاء السبب، بل قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه إذا زاد عن حده.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك