إنصاف الداعية مع المخالفين
الاختلاف سنة بشرية جُبل عليها البشر منذ بدء الخليقة؛ فالاختلاف كائن داخل الاسرة الواحدة والبيت الواحد، سواء اختلاف على المأكل أم المشرب أم سائر نواحي الحياة المعيشية، ويمتد الاختلاف إلى الشارع والعمل والمجتمع، أو قد يصبح اختلافًا دوليًا بين الأمم، وهكذا.
وهنا يسأل السائل كيف يكون الاحتكام إذا اشتد الاختلاف؟ أقول: إذا كان الاختلاف في أمر دنيوي فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أنتم أعلم بأمر دنياكم»، وإن كان الاختلاف شرعيًا، فلا مفر من الاحتكام لكتاب الله وسنة نبيه الكريم، قال -تعالى-: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (البقرة:213)
لذلك يجب على الداعية المنصف أن يتأدب مع المخالفين، وأن يتسع صدره لانتقاداتهم، التي قد لا تكون منصفة بدورها؛ فهم وإن عصوا الله -تعالى- فيه فلا يسوغ ذلك أن نبادلهم معصية بأخرى، ولا أن نقابل سيئاتهم بسيئات، بل يتوجب علينا اتباع بعض الأمور للتعامل مع المخالف، منها منهج الإمام ابن قيم الجوزية في فن التعامل مع المخالف أبرزها:
الرفق واللين والسرية في التعامل معه، ومحاولة إقناعه بأساليب يسيرة وفق الكتاب والسنة، قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه (الطرق الحكمية)(ص40): «ومن دقيق الفطنة أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ ؛ فتحمله رتبته على نصرة الخطأ، وذلك خطأ ثانٍ، ولكن تلطف في إعلامه به؛ حيث لا يشعر به غيره».
مراعاة اختلاف أحوال المخالف وأعرافه: قال الإمام ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) (3/370): «ومَنْ أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب -على اختلاف عُرفهم وعوائدهم، وأزمنتهم وأمكنتهم، وأحوالهم وقرائن أحوالهم- فقد ضلَّ وأضل».
إظهار المخالفة لا يكون مُسوِّغاً لانتقاص صاحبها أو غيبته وهجره، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين) (2/223-224): «فلو كان كُلُّ مَنْ أخطأ، أو غلط تُرِك جملة، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم، وتعطَّلت معالمها».
عدم التُّعصُّب للمذاهب والمشايخ، قال الإمام ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) (2/431): «ومثله التَّعصُّب للمذاهب، والطرائق، والمشايخ، وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويُوالي عليه، ويُعادي عليه، ويَزنُ الناس به، كُلُّ هذا مِن دعوى الجاهلية».
ولنعلم جميعًا أن إحسان الظن بالمخالف أمر واجب فقد أمرنا الله -عز وجل- بذلك؛ إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}(الحجرات:12)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً».
لاتوجد تعليقات