إنسانية ديننا .. وإنسانية النبي – صلى الله عليه وسلم
قال –تعالى- مخاطبا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) قال ابن عباس -رضي الله عنه-: «إن الله أرسل نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالم أجمع، مؤمنهم وكافرهم، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة، وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينـزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله».
وقد جاء الإسلامُ بالرَّحمةِ لكلِّ الخَلْقِ، ومِن مظاهر تلك الرحمة: النَّهي عنْ أنْ تُعذَّبَ الحيواناتُ بالنَّارِ أو أنْ تُفْجَعَ بأَخْذِ صِغارِها أو بَيضِها ..
عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح في (السلسلة الصحيحة) قال:
كنا مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في سفرٍ فانطلق لحاجتِه ..
فرأينا حُمَّرةً (طائرٌ صغيرٌ يُشْبِه العُصفورَ) ..
معها فَرخانِ (الفَرْخُ هو الصَّغيرُ مِنْ أولادِ الطَّيْرِ) فأخذنا فرخَيها ..
فجاءت الحُمَّرةُ فجعلت تفرشُ (تَطيرُ وتُرفْرِفُ فزعًا؛ لفَقْدِ فَرْخَيْها وصَغِيرَيْها) ..
فجاء النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال:
«من فجعَ هذه بولدِها؟» (مَنْ أَحْزَنَها وخوَّفَها بأَخْذِ صِغارِها ) ..
«رُدُّوا ولدَها إليها» .. أَمَرَ النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بردِّ الصِّغارِ إليها، وهذا مِنْ رحمتِه ..
وفي الحديثِ فائدة، وهي النَّهيُ عن تفزيعِ الطُّيورِ بأَخْذِ صِغارِها .. رحمة بها وبضعفها، وهذا إن كان في حق الطيور ففي حق من فوقها أشد وأعظم، فلا ينبغي تخويف الإنسان، أو الحط من قدره، أو إذلاله، وانتقاص كرامته، قال -صلى الله عليه وسلم-: « مَن أشارَ إلى أخِيهِ بحَدِيدَةٍ، فإنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حتَّى يَدَعَهُ، وإنْ كانَ أخاهُ لأَبِيهِ وأُمِّهِ»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما. (صححه الألباني). كما لا ينبغي أخْذُ شيء من ممتلكاته بغية ترويعه؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يأخذ أحدُكم عصا أخيه لاعبًا أو جادًّا فمن أخذ عصا أخيهِ فليردَّها إليه» ( حسنه الألباني).
قال ابن مسعود -تكملة لحديثه-: .. ورأى النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قريةَ نملٍ قد حرَّقْناها..
فقال: «من حرَّق هذه؟» ..
قُلْنا (بعضُ أصحابِه -رَضِيَ اللهُ عَنْهم): «نحن» ..
قال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إنه لا ينبغي أن يُعذِّبَ بالنَّارِ إلا ربُّ النَّارِ»..
وفيه: والنَّهيُ عن الحرقِ بالنَّارِ أو التَّعذيبِ بها. فليس لأيِّ إنسانٍ أن يُعذِّب أيَّ رُوحٍ: إنسانًا كانتْ أو حيوانًا؛ لأنَّه لا يُعذِّبُ بالنِّارِ إلَّا خالِقُها، وهو اللهُ -عزَّ وجلَّ-، وهذا نَهْيٌ صريحٌ عَن الحَرْقِ بالنَّارِ أو التَّعْذيبِ بِها؛ لأنَّه أَمْرٌ مُخْتَصٌّ باللهِ فَقَط.
كل هذا يدل على إنسانية ديننا العظيم، وإنسانية النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد رحم الضعيف طيرا أو حيوانا فكيف بالإنسان؟! الذي شدد على حرمة قتله؛ فقال -صلى الله عليه وسلم- : «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»؛ لأنَّ
المؤمنَ في أيِّ ذنبٍ وقَعَ كانَ له في الدِّينِ والشَّرعِ مَخْرَجٌ، إلَّا قَتْلَ النفس التي حرَّمَ اللهُ قَتْلَها؛ فإنَّه إذا ارتكَبَه يُضيِّقُ على نفْسِه في دِينِه؛ وذلك لِأنَّه أوقَعَ نفسَه في العملِ الَّذي توَعَّد عليه اللهُ -سبحانَه وتعالى- بأشدِّ العذابِ.
14/9/2020م
لاتوجد تعليقات