إمام وخطيب مركز التوفيق الثقافي في النرويج د. علي محمد صالح: المسلمون يتمتعون بقدر عال من الاحترام والتقدير في النورويـــــــــــــج
يرجع ظهور المسلمين بالنورويج إلى ستينيات القرن الماضي، حينما كان العمال الأتراك والباكستانيون يسافرون إليها للعمل، ويعد الإسلام الآن الديانة الثانية التي لها أتباع في النورويج بعد أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية (86٪)؛ حيث تبلغ نسبة الجالية المسلمة أكثر من 2٪ من السكان، وأغلب المسلمين في النورويج هم من المهاجرين أو مواليد من الجيل الأول والثاني لعائلات مسلمة.
ويقدر عدد المسلمين في النورويج بنحو مئة وخمس وثلاثين ألف نسمة، ويوجد في مدينة أوسلو العاصمة وحدها أكثر من 30 جمعية ومصلى وثلاثة مساجد للمسلمين.
عدد سكان النورويج الذي لا يتجاوز الخمسة ملايين نسمة ضئيل مقارنة بالدنمارك مع مساحة البلاد، والنورويج هي العنوان المثالي لكل محبي الطبيعة، كما أنها تفتخر بأنها أفضل دولة في العالم من حيث جودة المعيشة.
تقع النورويج في أقصى شمال غربي أوروبا، وتمتد حتى النهاية الشمالية لقارة أوروبا؛ حيث المحيط المتجمد الشمالي، ويحدها بحر الشمال من الجنوب، والمحيط الأطلنطي من الغرب، والسويد وفنلندا من الشرق، وروسيا من الشمال الشرقي، وأرض النورويج على شكل مستطيل ضيق، طوله نحو 2650 كم، وهو طول خط الساحل الخارجي.
النورويج مأهولة بالسكان منذ القرن الثاني قبل الميلاد من قبل قبائل الفايكنغ، الملك (هارالد شونهارس) الذي تغلب على ملوك القبائل وتمكن من توحيد البلاد عام 872م، ولكن سرعان ما انهارت في 1015 - 1030 ثم اكتمل توحيد البلاد وأثناء الحرب العالمية الأولى، بقيت النورويج محايدة وانضمت بعد انتهاء الحرب إلى عصبة الأمم المتحدة عام 1920.
تغير اسم العاصمة كريستيانيا إلى أوسلو عام 1925، وفي الحرب العالمية الثانية استولت ألمانيا على النورويج في عام 1940، وقام الملك (هاكون السابع) بالدعوة من منفاه في لندن إلى المقاومة.
النورويج عضو مؤسس بحلف شمال الأطلسي «الناتو» عام 1949، بالمجلس الشمالي عام 1952 وفي منظمة التجارة الحرة الأوروبية.
رفض الشعب النورويجي في استفتاءين أقيم الأول عام 1972، والثاني عام 1994 الانضمام للاتحاد الأوروبي.
تنقسم النورويج إلى 19 إقليما إداريا، والعاصمة أوسلو هي أصغرها مساحة، ولكن كيف تعيش الجالية المسلمة هناك؟ وما احتياجاتهم؟ وما المشكلات التي تواجههم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على رئيس مركز التوفيق الثقافي في النورويج د. علي محمد صالح في هذا الحوار.
> نريد أن نتعرف على الجالية المسلمة في النورويج وكيف تقيّم أوضاعهم؟
< المسلمون يتمتعون بقدر عال من الاحترام والتقدير في النورويج وتحتل الدعوة الإسلامية مكانة عظيمة لدى الشعب النورويجي، وأحب أن أوضح هنا أن النورويج بها مراكز إسلامية تابعة لجاليات متنوعة من الإخوة الوافدين من البلدان الإسلامية المختلفة؛ حيث يقدر عدد المسلمين في النورويج 135 ألف نسمة، في حين أن عدد سكان النورويج ما يربو على أربعة ملايين ونصف.
عدد المسلمين في تزايد مستمر وهناك إقبال كبير من غير المسلمين على الدخول في الإسلام، وتوجد هناك أنشطة دعوية موجهة لغير المسلمين من محاضرات علمية ومنشورات دعوية توزع هنا وهناك داخل المدينة، لإعطاء صورة صحيحة وواضحة عن الإسلام لعل الله يهدي هؤلاء الناس إلى الإسلام.
الاعتراف بالإسلام
> هل تشعرون ببعض المضايقات في الدعوة الإسلامية في النورويج أو بوصفكم مسلمين؟
< في الحقيقة أن الحكومة النورويجية ترحب بالجالية المسلمة، وتعترف بأنشطتهم ولم توجد أية مضايقات تذكر حتى أن المراكز الإسلامية هناك مدعومة من قبل الحكومة، فالمسلمون في النورويج يتمتعون بحرية دينية، ونتمكن هناك من نشر الدعوة وتدريس العلوم الإسلامية، ولدينا مساحة من الحرية تساعدنا على نشر الدعوة الإسلامية في النورويج.
> ما وسائلكم الدعوية في النورويج؟ هل تجد قبولا بين الأوساط غير المسلمة؟
< في الواقع لدينا وسائل دعوية عدة من أهمها مركز التوفيق الثقافي، ونقوم بتنظيم لقاءات مستمرة مع غير المسلمين لنعرّفهم على الدين الإسلامي، فضلا عن حضور المنتديات بالجامعات، وأيضا نعقد بعض المؤتمرات بين الفينة والأخرى، بحيث ندعو الناس للدخول في الدين الإسلامي، ولدينا موقع إسلامي لمن يرغب في الاطلاع على الثقافة الإسلامية.
> من المعروف أن اليمين المتطرف ووصوله إلى البرلمان الأوروبي قد أثر على نشاط المسلمين، هل تأثرتم في النورويج بفوز بعض الأحزاب من اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي المعروف بعدائه للإسلام؟
< لا ننكر أن هناك بعض الأحزاب في النورويج تقوم بأعمال متطرفة، لكن ليس لها تأثير يذكر، لأن الحكومة النورويجية تدعم المراكز الإسلامية؛ فالنورويج بطبيعتها هادئة وتعامل المسلمين معاملة حسنة.
> ما احتياجاتكم بوصفكم جالية إسلامية في النورويج؟
< حاجات الجالية الإسلامية كبيرة جدا، ولكن هناك أولويات، ومن ضمن هذه الأولويات الحاجة الماسة لبناء المركز الإسلامي «التوفيق الثقافي»؛ لأن هذا المركز سيكون له شأن آخر في النهوض بالدعوة الإسلامية في بلد مثل النورويج، وإيصال الخطاب الرسمي الصحيح الذي ينطلق من الكتاب والسنة.
المسلمون في البرلمان
> هل هناك بعض المسلمين وصلوا إلى البرلمان أو يعملون في المجال السياسي؟
< الجاليات المسلمة التي وفدت إلى أوروبا كثيرة جداً، وكل جالية وصلت في حقبة معينة، وأوائل من وصلوا إلى أوروبا هم أبناء الجالية التركية والباكستانية؛ فقد استطاع بعض أفراد الجالية الباكستانية الوصول إلى البرلمان النورويجي ولهم مشاركات سياسية، ولكن ليست ما نطمح إليه من حيث التمثيل، ولكن يوجد هناك أفراد من بعض الجاليات لهم وجود قوي ومشاركات قوية.
> كيف وجدت العمل الخيري الكويتي؟
< العمل الخيري الكويتي عمل ناضج ويحتل مكانة مرموقة بين الدول في العالم أجمع، سواء في أوروبا أم أفريقيا، والواقع أن دول الخليج بوجه عام والكويت والسعودية بوجه خاص، تقدم خدمات جليلة للمسلمين وللجاليات الإسلامية، ومن هذا المنطلق جئنا إلى الكويت لنعرض مشروع مركز التوفيق الثقافي على المؤسسات الخيرية وكلنا أمل أن تتبناه المؤسسات الخيرية في الكويت لحاجة الجالية المسلمة إليه في النورويج.
التوفيق الإسلامي
> هل يمكن أن نتعرف على مركز التوفيق الإسلامي في النورويج؟
< يعد مركز التوفيق الإسلامي في أوسلو من أهم وأكبر المراكز الإسلامية في النورويج؛ حيث يقوم المركز بالدعوة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية لدى المسلمين، وكذلك يقوم بتوصيل الرسالة الإسلامية لغير المسلمين في البلد.
ونشير هنا إلى بعض الصعوبات الجوهرية التي تواجه المركز من حيث وجوده ككيان مستقر ذي رسالة خالدة، تجبرنا نبحث عن مكان أرحب وأوسع مما نحن فيه مثل:
- ضيق المكان، فهو لا يسع الرواد، ما يضطرنا إلى إقامة بعض الصلوات جماعتين.
- عدم صلاحية المكان لاستمرار العمل الإسلامي فيه، وذلك لعدم توافر نظام تهوية تناسب الرواد؛ لأنه غير معد أصلا ليكون مقرا يليق بمثل هذا العمل الشريف.
- كون المكان غير مرغوب للمسلمين الجدد الذين يتكاثر عددهم يوما بعد يوم.
- كثرة الوافدين من الأطفال والنساء وحضورهم إلى المركز، ولاسيما في أيام العطل والإجازات والأعياد الدينية.
ومن ثَمّ سعى المركز إلى إيجاد أرضية مناسبة للخروج من هذه العقبات، وبفضل من المولى عز وجل تم شراء قطعة أرض مرخصة في وسط مدينة أوسلو بمبلغ وقدره سبعة مليون كرون نرويجي تقريباً، وذلك لبناء صرح إسلامي يشع منه نور الدعوة الإسلامية إلى آفاق كثيرة في مملكة النورويج وغيرها وتمت جميع الإجراءات اللازمة لإقامة هذا الوقف الإسلامي، وبدأ المركز بمرحلة التخطيط وبناء الأرض.
> ما أهداف المركز؟ وما الرسالة التي يقدمها؟
< الدعوة إلى الله، وتوضيح صورة الإسلام بوجهها الصحيح، وتخريج جيل من الشباب ذي ثقافتين: الإسلامية والنورويجية، وتوحيد الصف الإسلامي في بلاد المهجر.
وتكمن رسالة المركز في حفظ الهوية الإسلامية لمسلمي النورويج.
أنشطة متنوعة
> ما الأنشطة التي تقومون بها داخل المركز؟
< في الواقع لدينا أنشطة متعددة أهمها قسم الدعوة والارشاد الذي يهتم بإقامة الصلوات الخمس جماعة، والارشاد والتوجيه حسب الحاجة والإمكانات المتاحة، وصلاة الجمعة، نشير هنا إلى أننا نستأجر ملعبا قريبا من المركز الحالي لأداء صلاة الجمعة لعدم إمكانية الصلاة في داخل المركز لضيقه وكثرة المصلين، فضلا عن دروس إسلامية باللغة العربية وغيرها من اللغات المحلية، ومحاضرات شهرية للنساء والشباب، وجولات دعوية خارج مدينة أوسلو العاصمة، ودروس علمية وتربوية لطلبة العلم، وكذا للمسلمين الجدد، وزيارة السجون الحكومية لإرشاد وتوعية السجناء المسلمين فيها، ويقدم المركز كل عام لمن يرغب في أداء فريضة الحج من النورويج كل التسهيلات التي يحتاجون إليها من تأشيرات وترتيبات أخرى متعلقة بأمور سفرهم، ويكلف المركز أحد العلماء ليرافقهم حتى يتمكنوا من أداء فريضة الحج على الوجهة الصحيحة.
قسم التربية والتعليم
ويتولى هذا القسم عددا من الأنشطة منها، حلقات لتحفيظ القرآن الكريم للجنسين في جميع الأعمار، وتعليم الأطفال القرآن الكريم وتعليم الخط العربي والتربية الإسلامية، علما أن عدد المسجلين حاليا في هذا القسم يربو على 600 طالب وطالبة، كما يقدر عدد الطلبة والطالبات في قائمة الانتظار ما يقارب 400 طالب وطالبة، وإلقاء الدروس العلمية والشرعية في المسجد على مدار الأسبوع: كتفسير القرآن الكريم، وكتب الأحاديث والفقه، وعلوم اللغة والعقيدة، بالاضافة الى دروس خاصة للمسلمين الجدد من أهل البلد الذين اعتنقوا الإسلام، كما يتولى القسم إجراء مسابقات سنوية لحفظة القرآن الكريم، وكذا الأحاديث النبوية الشريفة، وتوزيع الجوائز لكل المتسابقين لتشجيعهم، مع تكريم خاص لمن يحوزون المراكز الأولية، وكذلك يوجد بالقسم مكتبة يستفيد منها المسلمون وتساعدهم على الاطلاع على الكتب المفيدة والأشرطة المسموعة والمرئية.
قسم الخدمات الاجتماعية
ويقدم هذا القسم عددا من الأنشطة منها، الإشراف ومتابعة المتغيرات والمستجدات بصورة مستمرة حول القضايا الاجتماعية والقيام بحل المشاكل الأسرية، وقد تم تكوين لجنة خاصة لحل المشكلات وإبداء النصائح الاجتماعية في تربية الأولاد والإصلاح بين الزوجين وعقود الزواج والطلاق، ومساعدة المسلمين في تجهيز موتاهم والصلاة عليهم في المركز والدفن في المقابر التي خصصت البلدية جزءا صغيرا منها للمسلمين، وهذه المساعدة ليست مقصورة على مدينتنا فحسب بل تتعداها إلى أنحاء مختلفة في البلد.
> ماذا يحتاج المركز ليؤدي رسالته الإسلامية؟
< يحتاج المركز لأداء رسالته الإسلامية ودوره الريادي إلى ما يلي:
المساهمة في التكاليف المتبقية لتنفيذ المشروع، والتكاليف كالتالي: 40 مليون كرون نرويجي ما يعادل 6.9 ملايين دولار أميركي، والمبلغ المتوافر حتى الآن 14 مليون كرون نرويجي ما يعادل 2.2 مليون دولار أميركي، وبحاجة أيضا إلى تنفيذ وتكملة المشروع 26 مليون كرون نرويجي ما يعادل 4.4 ملايين دولار أميركي، فإن أردت أن تساهم وتشارك، فبادر وقدم وتاجر مع الله سبحانه وتعالى.
الدكتور علي صالح في سطور
درس في جامعة المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، ثم انتقل إلى ماليزيا لدراسة الدكتوراه؛ حيث حصل عليها في قسم أصول الدين والفلسفة، وكانت حول «الحوار الديني الإبراهيمي في ميزان القرآن».
عمل أستاذا للدراسات الإسلامية في جامعات ماليزيا، فضلا عن إدارته لبعض الأقسام في الكليات الماليزية.
انتقل إلى النورويج لنشر الدعوة الإسلامية، منذ 8 سنوات؛ حيث كانت له بصمات واضحة في هذا المجال، كما بيّنا في هذا الحوار.
فرصة غالية
كيف تساهم مع هذا المشروع ويكون لك ذخرا في حسابك الأخروي، وتبني بيتك في الجنة، وتلقى رب البرية وهو راض عنك بإذن الله تعالى؟ فهذا مركز التوفيق الإسلامي يضع بين يديك فرصة غالية، لتساهم معه بتبني هذا الوقف الإسلامي في أقصى شمال القارة الأوروبية بالنورويج، وفي العاصمة أوسلو.
أخي العزيز دعمكم المادي والمعنوي يعني استمرارية الرسالة المنشودة واستقرار المركز في مقر دائم، حتى يقوم ويتفرغ لخدمة الإسلام والمسلمين وتعم الفائدة.
وإننا نتوسم بكم وبأمثالكم من المسلمين كل الخير، وأن تقفوا معنا في تحقيق هذا المشروع الخيري والصرح الإسلامي.
وجزاكم الله كل الخير ووفقكم إلى طاعته وجعل أعمالكم في ميزان حسناتكم.
لاتوجد تعليقات