رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 18 مايو، 2015 0 تعليق

إمام الحرم الشيخ أسامة الخياط: إن معركة المسلمين اليوم هي المواجهة بين الحق المدافع والباطل الغاصب

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (الصراع بين الحق والباطل)، والتي تحدَّث فيها عن الصراع الدائم المستمر بين الحق والباطل، مُبيِّنًا مظاهرَه وبعضَ صُوره في ضوء كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم -، مع تنبيهه على بعض الصور المعاصرة لهذا الصراع، وأشار فضيلته إلى أن هذه المعركة مستمرة حتى يكون الدين كله لله، وأنها تمثل انتفاضة الخير في وجه الحق.

انتفاضة الخير ضد الشر

قال فضيلته: إن المعركةَ التي قضَى الله ألا تخبُو نارُها، ولا تخمَد جذوتُها، ولا يسكُن لهيبُها؛ بل تظلُّ مُستعِرةً حتى يرِثَ الله الأرضَ ومن عليها، هي معركةُ الحق مع الباطل، والهُدى مع الضلال، والكفر مع الإيمان.

     وإن هذه المعركة هي انتِفاضةُ الخير في وجه الشرِّ بكل صُوره وألوانه، مهما اختلفَت راياتُه، وكثُر جندُه، وعظُم كيدُه، وعمَّ خطرُه؛ ولذا فهي ليست وليدَة اليوم؛ بل هي فصولٌ مُتعاقِبة، مُوغِلةٌ في القِدَم ترويها آياتُ الذكر الحكيم، ويتلُو الربُّ الكريمُ علينا من أنبائِها تبصِرةً وذِكرى للذاكرين، وهُدًى وموعظةً للمُتقين.

انتفاضة الخليل

وقال أيضاً: فهذه انتِفاضةُ الخليل إبراهيم - عليه السلام - لتقويضِ عبادة الأصنام التي عكفَ عليها قومُه، واستِنقاذهم من وَهدة هذا الضلال المُبين، حتى يكونَ الدينُ كلُّه لله، وحتى لا يُعبَد في الأرض سِواه.

     ثم ما كان من مُقابلة الباطل هذا الحقِّ بأعنَف ما في جُعبَته، من سِهام الكَيد والأذى، حتى انتهَى به إلى إلقائِه حيًّا في النار، لكن هذه الحملةَ باءَت بالفشَل فيما قصدَت إليه، وأبانَ - سبحانه - ذلك في قُرآنٍ يُتلَى، ليُذكِّر به على الدوام أن الغلَبَة للحقِّ، وأن الهزيمَة للباطل: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴿٦٨﴾قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿٦٩﴾وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴿٧٠﴾وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴿٧١﴾وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ } (الأنبياء: 68- 72).

     وهذه معركةُ الحقِّ الذي رفعَ لواءَه موسى - عليه السلام -، مع الباطل الذي رفعَ لواءَه فرعون، وتمادَى به الشرُّ والنُّكر حتى قال لقومِه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: 38)، وحتى قال لهم: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات: 24)، وقال مُتوعِّدًا الحقَّ وأهلَه بالنَّكال وأليم العذاب: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (الأعراف: 127). ولكن إرادة الله للحقِّ أن ينتصِر، وللباطل أن يندحِر، أعقبَت وأورثَت هلاكَ فرعون وجُنودِه، ونجاةَ موسى ومن معَه، كما قال - سبحانه -: {فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴿٦٣﴾وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ﴿٦٤﴾وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴿٦٥﴾ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴿٦٦﴾إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿٦٧﴾وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } (الشعراء: 63- 68).

     أما المُستضعَفون من قومِ موسى، فكان امتِنانُ الله عليهم عظيمًا بالإمامة والتمكين في الأرض، والنصر على الظالمين المُستكبِرين المُتجبِّرين: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: 5- 6).

معركة خاتم النبيين

     وتلك معركةُ الحقِّ مع الباطل، التي استعَرَت نيرانُها بين خاتم النبيين وإمام المرسلين - عليه أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم -، وبين أبي جهلٍ والملإ من قومه صناديد قريشٍ وأشياعهم الأخسرين أعمالاً، الذين حسِبوا بالتِياث عقولهم، وغلبَة الشقاء عليهم، أنهم قادِرون على إطفاء نور الله بأفواههم، وإيقاف مدِّ الحق الذي دهمَهم في عُقر دُورهم. فلم تكُن العاقبةُ إلا ما قضَى الله به من ظُهور دينِه، وغلَبَة جُنده، وهزيمَة عدوِّه، وقطع دابِرِه. تجلَّت صورتُه في نهاية الأمر بوقوف رسولِ الهُدى - صلوات الله وسلامُه عليه - في هذا الحرم المُبارَك، وأمام هذا البيت المُشرَّف، يُطيحُ الأصنام من فوقِه تالِيًا قولَ ربِّه - سبحانه: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } (الإسراء: 81).

 صور حية من المواجهة

     وأشار فضيلته إلى أن معركةَ المسلمين اليوم في فلسطين العزَّة، وفي سُورية الكرامة، وفي يمَن الحكمة والإيمان، لهِيَ حلقةٌ من حلقات هذه المعركة؛ إذ هي صورةٌ حيَّةٌ نابِضة من صُور المُواجهة بين الحقِّ المُدافِع عن دينِه ومُقدَّساته، الذابِّ عن حُريَّته وعزَّته وكرامتِه، وبين الباطل الغاصِب الظالِم المُعتدِي، المُنتهِكِ للحُرُمات، المُدنِّس للمُقدَّسات، الذي ضجَّت من ظُلمه وعُدوانه الأرضُ والسماوات. غيرَ أن هذه المعركة - يا عباد الله - وإن يكُن طويلٌ أمَدُها، كثيرةٌ جراحاتُها، عظيمةٌ تضحياتُها، لكنها كما كانت بالأمسِ نصرًا للحقِّ ودحرًا للباطل، ورِفعةً للمُؤمنين، وذُلاًّ وصَغارًا وهزيمةً للمُعتَدين الظالِمين، فسوف تكونُ اليوم أيضًا - إن شاء الله - عزًّا وظفَرًا وغلَبَةً للإسلام وأهلِه، ورفعًا للواء الحقِّ، وكبتًا وغيظًا وكمَدًا للمُجرمين الحاقِدين الطاغِين، منَّةً من الله وفضلاً يُؤتيه من يشاءُ من عباده، وتقديرًا من العزيز الحكيم - سبحانه -، وهُدًى وموعظةً وذِكرى للذاكرين.

التحالف العربي الإسلامي

     وإن ما منَّ الله به على هذه البلاد المُبارَكة المملكة العربية السعودية - حرسَها الله-، وعلى إخوتها في التحالُف العربي الإسلاميِّ لإنقاذ اليمَن، بتكلُّل (عاصفة الحزم) بتحقُّق أهدافها، وبالنصر المُؤزَّر والفوز المُبين، وبتتوِيجِها بإعادة الأمل الذي امتدَّت واتَّسَعت فُسحَتُه، ببعثِ الرُّوح في جَنَبَاته، وضخِّ الدماء في عُروقِه. وبهذا البذل السخِيِّ، والدعمِ القويِّ، والإغاثة المُبارَكة التي سنَّت سُنَّتَها، وقادَت حملتَها قيادةُ هذه البلاد الشريفة ديار الحرمين الشريفين - زادَها الله عزًّا وشرفًا، وجزى الله قائدَها ووليَّ أمرها خادم الحرمين الشريفين الملكَ سلمان بن عبد العزيز - أفضلَ الجزاء وأحسنَه، وكتبَ له ولإخوانه قادة التحالُف العربي الإسلاميِّ من الأجر أجزلَه، ومن حُسن الثوابِ أتمَّه وأعظمَه، وأفاضَ عليه وعليهم من القبول أبلغَه وأكملَه، وأيَّدَه وأيَّدَهم بتتابُع نصرِه، وجميلِ صُنعِه، وبلَّغه وإياهم أسبابَ رِضوانِه، وزادَهم من وافِر نعمائِه وكريمِ آلائِه، ونصرَ به وبهم دينَه، وأعلَى كلمتَه، وأعزَّ جُندَه، إنه جوادٌ كريمٌ، برٌّ رءوفٌ رحيم.

الغلبة للصابرين

     وأكد فضيلته العبر في انتصار الحق قائلاً: إن في العِبَر التي لا تُحصَى الماثِلة في انتِصار الحقِّ على الباطل في كل معركة، ما يجبُ أن يشُدَّ عزائِمَ المؤمنين، للثباتِ على ما هم عليه من الحقِّ، وللحذَر من التردِّي في كل ما يُضادُّه، أو يصرِفُه عن وجهِه، أو يُحوِّلُه عن طريقه، حتى يُحقِّق الله - سبحانه - وعدَه بالنصر، كما حقَّقه لسلَف هذه الأمة؛ إذ هو وعدٌ حقٌّ لا يتخلَّفُ ولا يتبدَّل، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47). ولقد دلَّت عِظاتُ التاريخ وعِبَر الأيام أنه كلما اشتدَّت وطأةُ البغي وتعاظَمَ خطرُه، وتفاقَم أمرُه، واستفحَلَ شرُّه، كان ذلك إيذانًا بانحِسار مدِّه، وخُمود جذوَته، وتقهقُر جُنده.

قوة الرجاء

     وإن من تمام اليقين بالله وصحَّة التوكُّل عليه، وصدق اللُّجوء إليه، مع كمال الصبر واحتِساب الأجر، ومعونة الأخوة في كل ديار الإسلام بكل ألوان المعونة والنُّصرة والمُؤازرَة، ما يبعَثُ على قوة الرجاء في صدِّ العُدوان، وهزيمة البغي، والفرح بنصرِ الله الذي ينصُرُ به من يشاءُ، وهو العزيزُ الرحيم.

فالعاقبةُ - يا عباد الله - دائمًا للمُتقين، والنصرُ والتمكينُ والغلَبَة للصابرين الصامِدين، الذين يستيقِنون أن النصرَ مع الصبر، وأن الفرَجَ مع الكرب، وأن مع العُسر يُسرًا.

الانقلابيون

     وأشار إلى ما يفعله الانقلابيون في اليمن؛ حيث قال: ألا وإن ما تُحاوله وتسعَى فيه جماعةُ الانقلابيين المُعتَدين الغاصِبين في اليمَن، من مُحاولات المساس بأمن الحُدود الجنوبية لهذه البلاد المُبارَكة، لهِيَ من أوضَح الأدلَّة على ما وصلَت إليه هذه الجماعةُ من يأسٍ وإحباطٍ، أسلَمَها إليه ما مُنِيَت به من هزائِم مُتكرِّرة، وما نزلَ بساحتِها من آثارٍ مُنكِية، وفشلٍ ذريعٍ في الوصول إلى مُبتغَاها.

ولذا، فإن كل ما تفعلُه وكل ما تجترِحُه ما هو إلا بعضٌ من ضُروب العبَثِ الذي لن يُجدِيَ نفعًا، ولن يُحقِّق لها أملاً، ولن يرفعَ لها رأسًا، ولن يُقيمَ لها أُسًّا، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } (فاطر: 43).

     ولا يزيدُ المُعتدين عُدوانُهم إلا هزيمةً وبُؤسًا، ومن شهَرَ سيفَ البغي قُتِل به نكالاً وبأسًا، مِصداقُ ذلك في كتاب الله تعالى: قولُه - عزَّ اسمُه -: { فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (يونس: 23).

عياذًا بالله من البغي وأهله، ومن سُوء مُنقَلَبه، ومن قُبح عاقبتِه.

مرفوعة اللواء

وإن بلادَ الحرمين الشريفين - بحمد الله - لهي دائمًا مأرِزُ الإيمان، ومحضِنُ الأمان، وستظلُّ - بإذن الله - على رغم أنف الحاقِدين الحاسِدين، ستظلُّ مرفوعةَ اللواء في وجه الأعداء، لا يُضعضِعُ بُنيانَ عزَّتها بغيُ باغٍ، ولا يُزعزِعُ عمادَ عزمِها وحزمِها طُغيانُ طاغٍ.

فاتقوا الله - عباد الله -، واذكُروا على الدوامِ أن الله تعالى قد أمَرَكُم بالصلاةِ والسلامِ على خير الأنام، فقال في أصدَق الحديث وأحسن الكلام: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56).

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، وأزواجه أمهات المؤمنين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.

 

البطاقة الشخصية للشيخ:

      هو أسامة بن عبدالله بن عبدالغني بن محمد خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام، ولد بمكة ونشأ فيها، وطلب العلم وهو صغير، فحفظ القرآن الكريم مجودًا على يد والده، والتحق بالمدارس النظامية بمكة؛ الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم التحق بكلية الدعوة وأصول الدين قسم الكتاب والسنة، بجامعة أم القرى بمكة، وبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية حصل على درجة الماجستير والدكتوراه، وعُيِّن في قسم الكتاب والسنة معيدًا، ثم محاضرًا، ثم أستاذًا، كما عين مدرسًا بالمسجد الحرام سنة 1410 هـ، وله مشاركات وندوات علمية في عدد من الوسائل، وله مؤلفات؛ منها: “مختلف الحديث وموقف النقاد والمحدثين منه”، و«تخريج أحاديث دليل المسلم” لوالده.ولي إمامة وخطابة المسجد الحرام سنة 1418هـ، كما عين عضوًا في مجلس الشورى بالمملكة سنة 1414 هـ في دورته الأولى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك