رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ أحمد بن عطية الوكيل 5 يناير، 2015 0 تعليق

إلى من يجهله ويطعن فيه(6) محمد بنُ إسماعيل البخاريُّ إلى مَن يجهله فيطعن في صحيحه

لمَّا أُخْرِجَ البخاريُّ مِن بلدتِهِ بُخارى، بسبب محنته مع الأمير خالد ابن أحمد خليفة بن طاهر، ذهب إلى (بِيكَنْد) .

قال الحاكم: سمعت أحمد بنَ محمد بنِ واصل البيكنديَّ، يقول: سمعتُ أبي، يقول: لقد مَنَّ اللهُ علينا بِخُرُوجِ أبي عبدالله البخاري، وبِمُقَامِهِ عندنا في بيكند، حتى سمعنا منه هذه الكتب، وإلا مَن كان يصلُ إليه، وبمقامه في هذه النواحي: (فِرَبْر) و(بِيكَنْد)، بقيت هذه الآثارُ فيها ، وتخرَّجَ الناسُ به .

وانظر : سير الأعلام 12/465-466 محمد بنُ إسماعيل البخاريُّ إلى مَن يجهله فيطعن في صحيحه

كانت وِلادَةُ البخاريِّ في يومَ الجمعة بعد صلاة العصر ، في شهر شوال، سنة أربع وتسعين ومائة .

وكانت صِفَةُ البخاريِّ: أنَّه كانَ نَحِيفَ الجِسْمِ ، ليس بالطويل ، ولا بالقصير، وحُقَّ أنْ يُنْشَدَ فيه:

تراه مِن الذَّكاءِ نحيفَ الجسمِ

                                عليه مِن تَوَقُّدِهِ دليلُ

إذا كان الفتى ضَخْمَ المَعَالِي

                                فليس يضيرُهُ الجَسَدُ الضئيلُ

وانظر: سير الأعلام 12/466، 467، المجالِسُ الوعظيَّة في شرح أحاديثِ خيرِ البريَّة ج1/ص53-54 .

وكانت وفاته - رضي الله عنه - ليلة السبت: ليلة عيد الفطر، سنة ست وخمسين ومائتين، عن اثنين وستين سنةً إلا ثلاثةَ عَشَرَ يومًا .

     لمَّا خرج البخاريُّ من بُخارَىَ، كتب إليه أهلُ سَمَرْقَنْد يخطبُونَهُ لبَلَدِهِم أي: يدعونه إليها ليُقِيم بها ويَخْطُبَ فيهم فاستجابَ لهم وسارَ إليهم؛ فلمَّا كان بخَرْتَنك -وهي: قرية على بُعد فرسخين مِن سمرقند-، بَلَغَهُ أنه وقعَ فتنةٌ بين الناس في سَمَرْقَنْد بسبب مَجِيئِهِ إليهم، مِن أهل سمرقند مَن يريدُ دخولَهُ، ومنهم مَن لا يريدُ دخولَهُ، فاستقر البخاريُّ بخَرْتَنْك عند بعض أقربائه بها، حتى ينجلِيَ الأمرُ؛ فمرض بها ومات.

      قال ابنُ عَدِيٍّ - كما نقله عنه الحافظُ في (التغليق)، ونقله مُلا عليّ القَارِي في (المرقاة) من غير إسناد-: سمعتُ عبدَالقدوس بنَ عبدَالجبار السمرقنديَّ، يقول: خرجَ البخاريُّ إلى خَرْتَنْك، قرية مِن قرى سمرقند، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم، قال: فسمعتُهُ ليلةً مِن الليالي ، وقد فرغَ مِن صلاةِ الليل يدعو، ويقول في دعائه: اللهُمَّ قد ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ، فما تم الشهر حتى قبضه الله ؛ وقبرُهُ في خَرْتَنْك .

وقال الحافظُ في (التغليق) في سبب وفاته :

قال محمد بنُ أبي حاتم ورَّاقُ البخاريِّ: سمعت أبا منصور غالب بنَ جبريل، وهو الذي نزل عليه البخاريُّ بخَرْتَنك، يقولُ:

     أقام البخاريُّ أيامًا فَمَرِضَ، واشتدَّ به المرضُ، حتى وجَّه إليه رسولٌ مِن سمرقند ليخرُجَ، فلمَّا وافَى تهيَّأ للركوبِ، ولبسَ خُفَّيه وتعَمَّمَ؛ فلمَّا مشى قدر عشرينَ خطوةً أو نحوهَا، وأنا آخِذٌ بِعَضُدِهِ، ورجلٌ آخر معي يقودُهُ إلى الدآبَّةِ ليركبها، فقال - رحمه الله -: أرسلوني فقد ضَعُفْتُ، فدعا بدعواتٍ، ثم اضطجَعَ، فَقُبِضَ، فسالَ منه عرقٌ كثيرٌ؛ وكان قد أوصى أنْ يُكَفَّنَ في ثلاثة أثوابٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، قال: ففعلنا كما أوصى؛ فلمَّا دَفَنَّاهُ، فاحَ مِن تُرَابِ قبرِهِ رائحةٌ طيبةٌ كالمِسْكِ، ودامت أيامًا، حتى جعل الناسُ يختلفون إلى قَبْرِهِ أيامًا، يأخذونَ مِن تُرَابِهِ إلى أنْ جعلنا عليه خشبًا مُشَبَّكًا. انتهى.

قال ابنُ السُّبكيِّ في (طبقات الشافعية الكبرى): وظَهَرَ عندَ مُخَالِفيهِ أمرُهُ بعد وفاته، وخرج بعضُ مُخالفيه إلى قبره، وأظهر التوبةَ والندامةَ.

قال محمدٌ- يعني: ابن أبي حاتم الوراق-: ولم يعش غالبٌ - يعني: ابن جبريل – بعد موت البخاري إلا القليل، ودُفِنَ إلى جانِبِهِ. انتهى .

وفي تفسير هذه الرائحة: قال السَّفِيريُّ محمد بنُ عُمر المتوفى سنة 956 هـ في (شرحه على صحيح البخاري المسمَّى بالمجالِسِ الوعظيَّة):

ولا يبعد أنْ تكون هذه الرائحةُ رائحةَ صيامِهِ، الذي صَامَهُ في حياتِهِ، وأخفاهُ عن الناس، فأظهَرَهُ اللهُ لهم بعد موته، إظهارًا لفضلِهِ وعظيمِ مَنْزِلَتِهِ عنده.

     قال العلامة ابنُ رجب في (اللطائف): ريحُ الصائِمِ أطيبُ عند الله مِن ريح المِسْكِ، فكلما اجتهدَ صاحِبُهُ على إخفائِهِ فاحَ ريحُهُ؛ ثمَّ قال: لمَّا دُفِنَ عبدالله بنُ غالبٍ، كان يفوحُ مِن تُرَابِ قبْرِهِ رائِحَةُ المِسْكِ؛ فَرُؤِيَ في النوم فَسُئِلَ عن تلك الرائحة التي تُوجَدُ مِن قبرِهِ؟ فقالَ: تلك رائحةُ التِّلاوَةِ والظَّمَأِ.

ولله دَرُّ مَنْ قال:

وكاتِمُ الحُبِّ يومَ البَيْنِ مُنْهَتِكٌ

                                 وصَاحِبُ الوجْدِ لا تخفى سَرَائِرُهُ

قلتُ - أبوعَمرو أحمد بنُ عطية الوكيل، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه والمسلمين: فاللهم ارحم الإمام محمد بنَ إسماعيل البخاريَّ، واجزه عن الإسلام والمسلمين خيرًا .

     وانظر: سير الأعلام 12/466، 467، طبقات الشافعية 2/232-234، هدي الساري/ ص493، تغليق التعليق 5/440-441، المجالِسُ الوعظيَّة في شرح أحاديثِ خيرِ البريَّة ج1/ص53-54، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/17. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك