إقامة الدين والحفاظ عليه المقصد الأسمى من مقاصد الشريعة
عدد العلماء خمسة مقاصد كبرى، تسعى الشريعة بأحكامها التفصيلية وبجزيئاتها لترسيخها، وأن الإنسان المكلف يخدم المقاصد الكلية ويعمل على رعايتها في الجزئيات والكليات ليحقق مقصد الاستخلاف والعمران في الأرض، وليكون عابدًا لله -سبحانه وتعالى- على الوجه الصحيح، وينتهي به الأمر في نهاية المطاف لتحقيق رضوان الله -تعالى- ودخول جنته وهي غاية الغايات ومنتهى الإرادات .
والمقاصد الخمسة التي ذكرها العلماء وأوجبت الشريعة المحافظة عليها هي: (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، تعد غايات دُنْيا بالنسبة لما فوقها من الغايات الكبرى وهي غاية التعبد المطلق لله -تعالى-، وغاية الاستخلاف والعمران في الأرض وغاية رضوان الله -تعالى- ودخول جنته .تحقيق التوحيد
وقد أمر الله -سبحانه وتعالى في شريعته- بالإيمان به وتحقيق التوحيد، ونفي الشرك والابتعاد عنه، وترك الكفر، والتكذيب والعناد، وأمر بالصلاة والزكاة والصيام وهذه التكاليف العلمية الخبرية والعملية الشعائرية في حقيقتها تحافظ على مقصد الدين، وهذا ما يسمى بإقامة الدين، الوارد في قوله -تعالى-: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (الشورى 13).الشعائر التعبدية
فالله -سبحانه وتعالى- شرع جملة الشعائر التعبدية بهيئاتها وأركانها وواجباتها وسننها إقامة للدين وحفاظا عليه، باعتباره المقصد الأسمى من مقاصد الشريعة، والكليات الخمس راعتها الشريعة؛ من حيث الوجود كما راعتها من حيث العدم -كما فصل ذلك العلامة الشاطبي في كتابه الموافقات-، بمعنى هنالك جملة من الأحكام الشرعية تؤدي إلى إقامتها، وهناك العديد من الأحكام الشرعية تؤدي إلى عدم انهيارها وانتهائها ونقصانها وتلاشيها. وهذه مسألة غاية في الأهمية، فالشريعة عندما تأمر بشيء فإنها تفصل وتبين ما يقيمه ويحفظه ويرعاه فقد أمر الشارع بالصلاة، في قوله -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (البقرة 43) وجاء الأمر بها في كثير من النصوص وبصيغ عديدة بيانا لأحكامها وتوضيحا لمنزلتها ومكانتها وحثا وتحفيزا عليها وبين عاقبة المقيمين لها والمحافظين عليها في الدنيا والآخرة (رعاية الوجود) كما نهى عن تركها وإضاعتها، وبين عواقب ذلك وحكمه في جملة من الأدلة (الحماية من العدم) قال -تعالى-: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}(الماعون 4-5) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».الإجراءات التشريعية والقانونية
وخلاصة القول: إن الشارع قد أحاط هذه الشعيرة بجملة من الأحكام المتعلقة بالديانة كما أحاطها بجملة من الإجراءات التشريعية والقانونية التي تجعل من هذه الشعيرة التعبدية قائمة، ولا يتم الاعتداء عليها ولا على مواقع إقامتها وذلك بصيانة المساجد وترك العدوان عليها، بمنعها من عمارها والسعي في خرابها والتضييق على أهلها وروادها، فتخرج بذلك عن وظيفتها الأساسية وهكذا الأمر في الأركان التعبدية الشعائرية في إقامتها وحراستها وجودا وعدما فهناك جملة من الشرائع تؤدي إلى إقامة الشيء، وجملة من الشرائع تؤدي الى الحيلولة دون أن يكون هذا الشيء ناقصًا أو مهدومًا.
لاتوجد تعليقات