رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: د. أحمد عبدالحميد 21 مارس، 2016 0 تعليق

إقالة وزير العدل المصري- واجب الدولة الحفاظ على الهوية الإسلامية وردع المتجرئين

الهشاشة السياسية التي عمت المشهد المصري عقب 25 يناير دفعت بعدد من غير المحنكين سياسيًا إلى شغل مناصب لطالما تبوأتها مجموعة أكثر دربة على التعامل مع الإعلام والتعقيدات السياسية  المصرية

إقالة الزند نزعت فتيل أزمة كادت أن تأكل الشارع المصري الذي يعاني تمزقاً كبيراً وانقساماً مجتمعياً لا تخطئه عين

 

موجة من الجدل والغضب أثارها تصريح لوزير العدل المصري السابق أحمد الزند؛ حيث خرج الرجل في أحد البرامج الفضائية وفي سياق دفاعه عن نفسه تجاه من يهاجموه في الدعوة إلى حبس الصحفيين بأن قال كلمة أفزعت الشعب المصري الذي طالما وصف بأنه (متدين بطبعه)، الوزير الذي كثرت فلتات لسانه وتجاوزاته الكثيرة المتعمدة دون مسوغ؛ وصل به هذا التجاوز إلى أن قال: إنه سيحبس من يتطاول عليه حتى لو كان نبيًا- وهو وإن كان أعقب كلمته الشنيعة هذه باستغفار من جنايته هذه إلا أن الصدمة كانت شديدة لكل من رصد هذه العبارة، ربما هو ذاته صدم منها واستغفر بعدها.

هشاشة سياسية

     الهشاشة السياسية التي عمت المشهد المصري عقب ثورة 25 يناير دفعت بعدد من الوجوه غير المحنكة سياسيًا إلى شغل مناصب لطالما تبوأتها مجموعة أكثر دربة على التعامل مع الإعلام والتعقيدات السياسية  المصرية، الأمر الذي أطال فترة حكم مبارك لدرجة كبيرة، وبرغم التأخر الشديد على كافة الأصعدة في عصره، إلا أن مراعاة عدم الصدام مع الشارع وخطوطه الحمراء، وإتاحة بعض الفرص لتفريغ شحنات الغضب ساعد كثيرًا على امتصاص الغضب الشعبي تجاه الكثير من المشكلات وعلى الأخص الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد لفترات طويلة وما زالت.

حوادث متكررة

     ولو عدنا إلى تاريخ ليس بالبعيد؛ حيث الحوادث المتكررة من محاولة الإساءة إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في صحف الدانمارك وفرنسا؛ يتأكد لدى المتابع هذا المؤشر الذي يحكم انفعالات المصريين تجاه قضاياهم العامة؛ ففي الوقت الذي تجد في الصبر والاحتمال عنوانهم تجاه الظروف المعيشية الصعبة وصور الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ تجد غضبهم المتصاعد إذا تعلق الأمر بقضية دينية ولاسيما إذا كان في الأمر تهجم على مقدس من المقدسات مثل جناب النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ؛ ربما لهذا انتشر شعار (إلا رسول الله) إبان واقعة الصحيفة الدانماركية، فلا يكاد يخلو مكان من الملصقات والمنشورات التي تحمل هذه العبارة التي تترجم نفسية معتنقها كما تقدم، فهو يتحمل بصبر أي شيء إلا الإساءة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ربما كانت العبارة نفسها منتقدة موضوعيًا وربما تطالها المآخذ الشرعية أيضًا؛ لكن جانبها الإيجابي الواضح وعدم إدراك قائلها لما هو أعمق و أبعد من التعبير عن عاطفته الثائرة يجعلك تلتمس العذر لقائلها، وتقدر غيرته وحماسته لدينه ونبيه صلى الله عليه وسلم .

واقعة الزند

     بالعودة إلى الواقعة التي كانت حديث الليل والنهار في مصر لأيام عدة لكونها واقعة غير مسبوقة أن يتجرأ مسؤول رسمي في مثل هذا المنصب على التفوه بمثل هذه العبارة، تجد أن المستشار الزند نفسه لديه إشكالات عديدة؛ شكَّلت استفزازًا كبيرًا لدى المهتمين بالشأن السياسي ولاسيما المعارضين للنظام الحالي الذين عَدّوا المستشار الزند أحد أدوات التنكيل بكل معارض حتى لو لم يكن إخواني التوجه، هذه الاستفزازات كونت بمجموعها أيضًا عبئًا على النظام، فسره بعضهم باحتمال وجود شراكة بينه وبين النظام ولاسيما في أحداث 30 يونيو وعزل د. مرسي.

     كل ماسبق يدور في نطاق محدود بعيد عن رجل الشارع العادي المنشغل بهمومه اليومية الذي لا يعنيه كثيرًا تفاصيل التناطح السياسي الحالي، لكن الذي نقل الموقف إلى مربع أكثر سخونة هو الصدام المباشر مع محرمات رجل الشارع العادي الذي وجد أن في السكوت عن مثل هذا استنزالاً لغضب الله وسخطه؛ فانطلقت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي بإقالة الوزير ومعاقبته، وأصبحت حديث المجتمع لأيام عدة  إلى الدرجة التي شملت قطاعات من غير المتدينين وربما المحسوبين على التيارات اليسارية إلى الانضمام إلى قوافل الغاضبين.

غضب شعبي

     حالة الغضب والغليان في الشارع تم رصدها من قبل الجهات الرقابية مع توصية بإٍقالة الوزير المستشار الزند؛ الأمر الذي دفع الرجل إلى محاولة تدارك الموقف بعمل مداخلات تليفزيونية وكتابة تغريدات على حسابه الرسمي مكررًا استغفاره واعتذاره عما بدر منه بعبارات مشحونة بمعاني الأسف والندم ورجاء قبول التوبة، إلا أن كرة الثلج التي تدحرجت لم تتوقف ولم تشفع له هذه الاعتذارات الحارة عند رجل الشارع العادي، ولا عند القيادة السياسية التي سارعت بإقالته لمنع الأمور من أن تزداد سوءًا، الأمر الذي لاقى ارتياحًا كبيرًا من قطاعات واسعة من المتابعين الذين ربما تجدد أملهم في حسن تصرفات النظام تجاه القضايا الدينية، وهو الأمر الذي دار وما زال يدور حوله الكثير من الخلاف ولاسيما مع اختيار مسؤولين معروفين بعدائهم للمظاهر الإسلامية مثل الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة أو الوزير حلمي النمنم وزير الثقافة الحالي الذي سبق المستشار الزند إلى مصادمة الحس الديني للمصريين بوصفه لمصر بأنها علمانية، وهو التصريح الذي ربما لم ينفعل معه الشارع المصري كثيراً ربما لغموض المصطلح عند الغالبية العظمى من الشعب وعدم مباشرته الفجة كما هو الحال في واقعة المستشار الزند.

نزع فتيل الأزمة

على أي الأحوال جاءت إقالة المستشار الزند بمثابة نزع لفتيل أزمة كادت أن تأكل الشارع المصري الذي يعاني بالفعل من تمزق كبير بعد كل الأزمات السياسية التي مر بهاوالتي أدت إلى حالة من الانقسام المجتمعي الذي لا تخطئه عين.

     جاء هذا التصرف الرسمي ليؤكد أهمية دور الدولة في الحفاظ على هوية مصر الإسلامية التي ينص عليها الدستور المصري، ويجمع عليها المصريون، ويؤكد أهمية اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع تكرار هذه الحوادث وشبيهاتها مستقبلاً لاسيما وأن صور التطرف والانفلات العقدي والسلوكي عند بعض من يتصدرون المشهد، سواءً من السياسيين أم الإعلاميين ستستدعي بالضرورة تطرفًا في المقابل لا يتورع عن المسارعة في التكفير بل والجرأة على تنفيذ عقوبات بغير وجه حق تجاه من تصدر منهم هذه التصرفات وهو الأمر الذي تكرر أكثر من مرة عبر التاريخ؛ مما ينذر بخطر اجتماعي داهم وفتنة لا تبقي ولا تذر.

مظاهر إيجابية

     على جانب آخر فمن المظاهر الإيجابية في مجمل ما حدث موقف الأزهر القوي والسريع الذي أصدر بيانًا يحذر فيه من خطورة هذه المجازفات، ويؤكد فيه على صون مقام النبوة؛ حيث جاء في البيان أن الأزهر: «يهيب بكل من يتصدى للحديث العام في وسائل الإعلام أن يحذر من التعريض بمقام النبوة الكريم في الأحاديث الإعلامية العامة، صونا للمقام النبوي الشريف صلى الله عليه وسلم من أن تلحق به إساءة حتى لو كانت غير مقصودة».

وأضاف البيان أن «المسلم الحق هو الذي يمتلئ قلبه بحب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وباحترامه وإجلاله، وهذا الحب يعصمه من الزلل في جنابه الكريم صلى الله عليه وسلم ».

وأضاف الأزهر أن «على الجميع أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو شرف هذه الأمة وعنوان فخرها ومجدها، وعلى هذه الأمة، أن تقف دون مقامه الكريم بكل أدب وخشوع وعرفان بالفضل والجميل».

     البيان أعاد الأزهر إلى المشهد في الوقت الذي تدار فيه حملات شعواء ضده من بعض الجهات الإعلامية والسياسية التي تستهدف كسر رمزيته ومرجعيته الدينية في البلاد وهو الأمر الذي حذر منه الكثير من المراقبين ممن يدرك خطورة تفريغ دور الأزهر وتهميشه بما يترك المجتمع نهبة لصور التطرف المختلفة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك