رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وليد دويدار 25 نوفمبر، 2013 0 تعليق

إضاءات سلفية (4)علـــــو الهـــمــــة

 

علوّ الهمّة: هو استصغار ما دون النّهاية من معالي الأمور.

قال الراغب: والكبير الهمّة على الإطلاق من يتحرّى الفضائل لا لجاه ولا لثروة ولا للذّة، ولا لاستشعار نخوة واستعلاء على البريّة، بل يتحرّى مصالح العباد شاكرا بذلك نعمة الله ومتوخّيا به مرضاته غير مكترث بقلّة مصاحبيه.

قال الشّاعر:

وإذا كانت النّفوس كبارا               تعبت في مرادها الأجسام

عن الحسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله تعالى يحبّ معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها – أي: الحقير الرديء منها-» صححه الألباني.

 

     وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: والّذي لا إله غيره لقد أخذت مِنْ فِيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منّي تبلّغني الإبل إليه لأتيته.

     وكان الإمام البخاريّ يقوم في اللّيلة الواحدة ما يقرب من عشرين مرّة لتدوين حديث أو فكرة طرأت عليه، كما أنّه من أعظم الرّماة، ما كان سهمه يخطئ الهدف إلّا نادرا.

     وفي ترجمة الإمام الطّبرانيّ: هو الحافظ العلّامة أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخميّ الشّاميّ الطّبرانيّ مسند الدّنيا، زادت مؤلّفاته عن خمسة وسبعين مؤلّفا. سئل الطّبرانيّ عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة.

وفي ترجمة أيوب السختياني أنه حج أربعين حجة.

وعن حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يُطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعاً، وكنا نرى أنه لا يُحسن يعصي الله.

 وعلو الهمة دليل على كمال المروءة، وهو يوصل صاحبه إلى محبة الله ومحبة الناس، ويحقق له الرفاهيّة وسعادة الدنيا والآخرة.

(12) تلاوة القرآن وترتيله

يراد بترتيل القرآن: تلاوته تلاوة تبيّن حروفها، ويتأنّى في أدائها ليكون أدنى إلى فهم المعاني. والتّلاوة عند القرّاء: قراءة القرآن الكريم متتابعا.

     قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 121) قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: «والّذي نفسي بيده إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ويقرؤه كما أنزله الله، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله».

     وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل».

وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما يمنع أحدكم إذا رجع من سوقه، أو من حاجته، فاتّكأ على فراشه، أن يقرأ ثلاث آيات من القرآن؟».

وعن كعب- رضي الله عنه- قال: «عليكم بالقرآن، فإنّه فهم العقل، ونور الحكمة وينابيع العلم، وأحدث الكتب بالرّحمن عهدا»

     عن قتادة- رضي الله عنه- في قول الله- عزّ وجلّ-: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه}(الأعراف: 58) قال: البلد الطّيّب: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه فأخذ به فانتفع به، كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت، وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً عسرا مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يعقله ولم يأخذ به ولم ينتفع به، كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولا تمرع شيئا».

(13) قيام الليل

     قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ-تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ-فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة: 15 - 17).

     قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد» رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. رواه البخاري

     وقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُوسَى: لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَذَرُهُ، وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ صَلَّى قَاعِدًا. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

     وقال صلى الله عليه وسلم : «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» قال سالم بن عبد الله بن عمر: «فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا» متفق عليه.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه.

     قال الحافظ ابن كثير عن ليل عمر رضي الله عنه: «كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر»، وقال لمعاوية بن خديج: «لئن نمت بالنهار لأضعينَّ الرعية، ولئن نمت بالليل لأضيعنَّ نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟».

وقال علي بن بكار: منذ أربعين ما أحزنني إلا طلوع الفجر.

بكى الباكون للرحمن ليـــــــــــــــــلاً

                                      وباتوا دمعهم لا يسأمونا

بقاع الأرض من شوق إليهم

                                      تحن متى عليها يسجدونا

(14) الخشوع

الخشوع هو قيام القلب بين يدي الرّبّ بالخضوع والذّلّ وقيل: هو الانقياد للحقّ.

وقال ابن القيم: والحقّ أنّ الخشوع معنى يلتئم من التّعظيم والمحبّة والذّلّ والانكسار.

قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر: 21).

     عن سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «يَقُولُ مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» رواه مسلم.

وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: «من تواضع لله تخشّعا، رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظّما، وضعه الله يوم القيامة».

     و عن ابن عمر- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}(المؤمنون: 2) قال: «كانوا إذا قاموا في الصّلاة، أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. وعلموا أنّ الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يمينا ولا شمالا».

وعن الحسن البصريّ في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90). قال: «الخوف الدّائم في القلب».

     قال ابن القيم: وممّا يورث الخشوع: ترقّب آفات النّفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذي فضل عليك، وهذا المعنى أي انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبها لك يجعل القلب خاشعا لا محالة، لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما من: الكبر، والعجب، والرّياء، وضعف الصّدق، وقلّة اليقين، وتشتّت النّيّة وعدم إيقاع العمل على وجه يرضاه الله تعالى وغير ذلك من عيوب النّفس.

     و عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (الحديد/ 16). قال: «بلى يا ربّ، بلى يا ربّ».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك