إضاءات سلفية- الكـــــــذب
قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ} (الشعراء: 221 - 223).
قال ابن حجر: الكذب: هو الإخبار بالشّيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ
ذكر الإمامان ابن حجر والذّهبيّ الكذب (الّذي لا رخصة فيه) من الكبائر، وأفحش الكذب ما كان كذبا على الله عزّ وجلّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد صرّح العلماء بعدّ هذين النّوعين (الكذب على الله والكذب على الرّسول) من الكبائر، وذهب بعضهم إلى أنّ الكذب على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كفر، قال ابن حجر: ولا ريب أنّ تعمّد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنّما الكلام في الكذب عليهما فيما سوى ذلك.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» متفق عليه.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد. من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» متفق عليه.
قال أبو عبد الله الإمام أحمد: الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل»
قال صالح بن عبد القدّوس:
واختر صديقك واصطفيه تفاخرا ... إنّ القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا ... إنّ الكذوب لبئس خلّا يصحب
(52) ترك الصلاة
قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}(المدثر: 38 - 47).
قال الإمام أبو عبد الله المروزيّ رحمه الله-: «لقد شدّد تبارك وتعالى الوعيد في تركها، ووكّده على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم بأنّ تاركها يخرج من الإيمان بتركها، ولم تجعل فريضة من أعمال العباد علامة بين الكفر والإيمان إلّا الصّلاة، فقال: ليس بين العبد وبين الكفر من الإيمان إلّا ترك الصّلاة» فأخبر أنّها نظام للتّوحيد، ويكفر بتركها، كما يكفر بترك التّوحيد».
المقصود هنا بترك الصلاة: أن يدع الإنسان إقامة الصّلاة المفروضة عمداً حتى يخرج وقتها بغير عذر. عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة»
وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة- رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، على أعواد منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثمّ ليكوننّ من الغافلين» رواه مسلم.
عن عمر- رضي الله عنه- قال: «لا إسلام لمن لم يصلّ». وقال عليّ- رضي الله عنه-: «من ترك صلاة واحدة متعمّدا، فقد برئ من الله وبرىء الله منه»
عن عبد الله بن شقيق العقيلي- رضي الله عنه- قال: «كان أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصّلاة»
(53) الجبن
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب: 9 - 11).
قال الفيروز آباديّ: الجبن: ضعف القلب عمّا يحقّ أن يقوى عليه.
وقال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى-: الجبن خلق مذموم قد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نعوذ بالله ممّا استعاذ منه سيّد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « شَرَّ ما في رَجُل: شُح هَالِعٌ، وجُبْنٌ خَالعٌ». رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر» متفق عليه.
قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى.: «إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم حتّى إنّ ذلك عامّة ما يمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن»
قال أبو الزّناد- رحمه الله تعالى-: «لمّا حضرت خالد بن الوليد الوفاة بكى، ثمّ قال: لقد حضرت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر إلّا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء»
(54) السحر
قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة:102)، قال ابن قدامة- رحمه الله- عن السحر: هو عقد ورقى يتكلّم به أو يكتبه السّاحر أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له.
قال النّوويّ: «عمل السّحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عدّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من السّبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كافر، وإلّا فلا، وأمّا تعلّمه وتعليمه فحرام»
الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة
(1) الاستعاذة بالله، وقد أرشدنا القرآن إلى الاستعاذة في غير موضع من كتابه.
(2) تقوى الله وحفظه عند أمر الله ونهيه، فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه ولم يكله إلى غيره.
(3) التّوكّل على الله والاعتماد عليه، فمن توكّل على الله فهو حسبه.
(4) تجريد التّوبة إلى الله من الذّنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه.
(5) الصّدقة والإحسان؛ فإنّ لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء والسّحر والحسد.
(6) الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة.
(7) استخراج السّحر وإبطاله، وهذه من طرق علاج السّحر بعد وقوعه.
(8) استعمال الأدوية المباحة شرعا الّتي يعرفها الأطبّاء وأهل العلم.
(55) الطموح
الطموح هو أن ينزع الإنسان إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أسمى وأنفع، وكلّما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها، ولا يكون ذلك محمودا إلّا إذا وافق الشّرع الحنيف.
قال الشّيخ الخضر حسين- رحمه الله-: «وممّا جبل عليه الحرّ الكريم، ألا يقنع من شرف الدّنيا والآخرة بشيء ممّا انبسط له، أملا فيما هو أسنى منه درجة وأرفع منزلة».
وعن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله- تعالى- يحبّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها»
قال الشاعر
والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة
حتّى يروم الّتي من دونها العطب
يسعى به أمل من دونه أجل
إن كفّه رهب يستدعه رغب
لذاك ما سال موسى ربّه أرني
أنظر إليك وفي تساله عجب
يبغي التّزيّد فيما نال من كرم
وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب
وقال آخر:
لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا
ولا ينال العلا من قدّم الحذرا
ومن أراد العلا صفوا بلا كدر
قضى ولم يقض من إدراكه وطرا
وأحزم النّاس من لو مات من ظمأ
لا يقرب الورد حتّى يعرف الصّدرا
لاتوجد تعليقات