إصلاح القلوب في رمضان
الكلُّ يطمح في رمضان لمغفرة الرحمن، وصاحبُ القلبِ السليمِ أقربُ من غَيرِه وأولى بالرحمةِ والغفران؛ فالله -جل جلاله- لا ينظر إلى الصورِ والأشكال، وإنما ينظرُ إلى مستودعِ القلوب، ومكنوناتِ الصدور، شهرُ رمضانَ الذي أنزل فيه القرآنُ يحتاجُ إلى قلوب سليمة؛ لتعيش مع هذا القرآن، يحتاج إلى قلوب نقية، تقلِّبها آيات الوعيد؛ فينبضُ لها القلب خاشعاً، وترتدُّ لها الجلود مُقشعرَّة؛ تعظيماً وإجلالاً لله الواحد القهار, يحتاج إلى صدور تهفو لآيات الوعد، فتطير القلوب شوقاً لما عند الله؛ {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ}(آل عمران: 198).
قلوب تَتَدَبَّر معانيَ القرآن
شهر القرآن يحتاج إلى قلوب تَتَدَبَّر معانيَ القرآن وتتعقَّله، تدبُّرٌ يُنتجُ عملاً، وأولُّ عمل يورثه تدبُّر القرآن هو عمل القلب، بتعظيمه لمقام ربه، وخوفه ورجائه، وهذا هو حقُّ كلام الله، أن نعمل به في بواطننا لتعظيم ربنا، وأن نعمل به في ظواهرنا للاستجابة لأمر خالقنا.
صاحبُ القلبِ السليمِ
صاحبُ القلبِ السليمِ أهنأُ الناسِ عيشاً وأجراً في رمضان؛ فهذه المضغة البيضاء قد انعكس أثرُها على الجوارح، فلا لَغْوَ يلفظه الفَمُ، ولا خيانةَ يرسلها الطرف، ولا فُحْشَ تُصغي له الآذان، ولا شُحَّ تقبضه اليد، ولا خَنا تمشي له القدم، فهذه جوارح قد استقامتْ باستقامة القلب، وصدق من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فَسدتْ فَسَدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب».
الإخلاص والتوكل والخوف والمراقبة
إصلاح الباطن يعني أن يتقلَّبَ القلبُ في أعمالٍ خَفيَّات من الإخلاص والتوكل والخوف والمراقبة، إلى غير ذلك من الأعمال السِّرية التي لا يراها الناس، التي يجزي عليها ربُّ الناسِ الجزاءَ الأخيرَ والأوفى.
إصلاح الباطن يعني أن يُنفضَ من القلب نبضات الكِبْر، وعقارب الحسد، وخطرات الغرور والاستعلاء، وأفران الغلِّ والشحناء.
إحساسٌ مُرْهَف
إصلاح الباطن يعني أن يكون لدى العبدُ إحساسٌ مُرْهَف، على تفريطه في طاعة الله، فشبح التقصير لا يغادر خواطره، وباطنه يلومه ويناديه أن يسعى للآخرة حق سعيها؛ فهذه الملاومة والمحاسبة سبب رئيسي للإقلاع عن المعاصي، وتجفيف منابعها؛ إذ لا أفسدَ على صلاحِ القلبِ من المعاصي الظاهرة، فهي تمُرِضُ القلوبَ وتزرعُ فيها النُّكَتَ السوداء.
وأهل القلوب السليمة أهلٌ لتوفيق الله -تعالى-؛ ولذا جعل -سبحانه- أهلَ جنتِه سرائرَهم بيضاء، لا غل فيها ولا بغض ولا شحناء؛ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}(الأعراف:43).
فيا أهل الإيمان، لنفتحْ صفحةَ مصارحةٍ، وليسائل كل واحد منَّا نفسه: ما حالُنا مع خبايا القلب وما يُكنُّه الضمير؟ هل تفقَّد كلُّ واحدٍ منَّا باطنَه، فرأى بمنظار بصيرتِه أدواءً جاثمة في قيعان قلْبه؟ ومَن منَّا وقف مع نفسه مذعورًا؛ لأنه استشعر داء العُجْب والكبر يدبُّ في قلبه؟، مَنْ منَّا مَنْ صارح نفسه في لحظة مُحاسَبة وخلوة عن دبيب الحسَد الذي يتحرك بين جوانحه؟، هل تفقَّدنا القُلُوب من شهوة الرياء وحب الظهور؟, وهل تفقدنا الصدور من خَطَراتِ الاستعلاء ونبضات الغرور؟.
وأخيراً، يا من أدركتم رمضان: جدِّدوا القلوب مع رمضان، وعلِّقوها بالملك الرحمن، املؤوا جوانحكم بحب الله وخشيته والتوكل عليه ورجائه؛ فما عولج فساد البواطن بمثل الإخلاص والصيام والقرآن، وتلك هي أعمال رمضان.
لاتوجد تعليقات