إصدارت لتصحيح المسار (7) منهج الجمعية للدعوة والتوجيه
الموقف من قضية (طاعة ولي الأمر) بالنسبة لجمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت فضلا عن اتباع المنهج السلفي في العالم أجمع هو أمر محسوم، وقد أثبتت الجمعية هذا الموقف في منهجها الذي أصدرته في بداية التسعينات، وقررت فيه موقفها من العديد من القضايا المهمة؛ حيث جاء في كتابها: (منهج الجمعية للدعوة والتوجيه)، وتحت عنوان: (منهج السلف فى تقويم أخطاء الحكام): «من أوائل الأمور التى وقع الخلاف فيها بين المسلمين أسلوب تغيير المنكر.
وسائل التغيير
فبالرغم من أن هناك اتفاقا عاما، أو إجماعا بين المسلمين جميعا على أن المنكر يجب تغييره بوسيلة من الوسائل الثلاث، اليد، واللسان، والقلب، فإن المسلمين اختلفوا قديما فى الأسلوب الذى يجب أن يصحب تغيير المنكر بواسطته، وكذلك اختلفوا أيضا فى المواضع التى يجوز استعمال اليد، أى: القوة فيها، ومتى يجوز استخدام اللسان؟ وما الأوقات التى يُعذَرُ المسلم فيها إن أنكر بقلبه فقط؟ وبالرغم من أن المسلمين - أيضا - متفقون على وجوب اتباع الحكمة في كل ذلك إلا أن تفسير الحكمة يختلف من طائفة إلى أخرى، ومن فرد إلى فرد. ويظهر هذا الاختلاف واضحا جليا في إنكار مُنكَرِ الإمام المُعلِنِ للإسلامِ، فبينما رأى الخوارج والمعتزلة وجوب إنكار منكرِ الإمامِ بكل صورة من صور الإنكار: اليد، واللسان، والقلب، نجد أن أهل السنة، وعلماء السلف قديما، وحديثا، قالوا بتحريم إنكار منكرِ الإمامِ المُعلِنِ للإسلام باليد، وأنه لا يجوز إنكار منكرِه إلا باللسانِ، والقلبِ فقط.
الرد على الخوارج
وقد رد علماء السنة، والسلف على ما قاله الخوارج والمعتزلة فى ذلك بقولهم: إِن الرسول صلى الله عليه وسلم استثنى الإمام من تغيير منكره بالقوة، بل لم يُجِز أصلا إنكارَ منكرِه إلا باللسان فقط، وقد جاء هذا فى أحاديث كثيرة منها حديث الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبيصلى الله عليه وسلم : «من كَرِهَ من أميره شيئا فليصبر، فإنه مَن خرج من السلطان شِبرا مات ميتة جاهلية»، قال ابن بطال: «في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار ، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما فى ذلك مِن حَقنٍ للدماء، وَتَسكِينِ الدَّهمَاء».
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ الصَّادِق المصدوق يقول: «هَلَكَةُ أمتي على يدي غلمة من قريش «فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة : لو شئتُ أن أقولَ بني فلان: بني فلان لفعلتُ» (3). قال ابن بطال (4): «وفى الحديث أيضا حجة لِما تَقَدَّمَ مِن تَرك القيام على السلطان ولو جار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ، أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء، وأسماء آبائهم، ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره بأن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد فى الهلاك، وأقرب فى الاستئصال من طاعتهم، فاختار أَخَفَّ المَفسَدَتَينِ، وأيسر الأمرين؛ «وهذه قاعدة فقهية مهمة؛ ومما استدل به السلف - أيضا - على عدم جواز إنكار منكر الإمام باليد، أو بالسيف ما رواه الإمام البخاري فى صحيحه عن عبدالله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنكم سَتَرَونَ بعدي أَثَـرَةً وأمورا تُنكِرونها»، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: « أَدُّوا إليهم حقهم، وسَلُوا الله حقكم» قال الحافظ فى الفتح، أى : «أدوا إليهم حقهم الذي وجب لهم المطالبة به، وقبضه سواء كان يختص بهم، أو يعم..» وسلوا الله حقكم أي: بأن يلهمهم إنصافكم، أو يبدلكم خيرا منهم .
لا يجوز الخروج
وكذلك حديث أم سلمة فى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه يُستَعمَلُ عليكم أمراء، فَتعرفون، وَتُنكِرُون ، فَمَن كره فقد بَرِئَ، ومن أَنكَرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَن رضي، وتاَبَع» قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال صلى الله عليه وسلم : «لا، ما صَلُّوا» وهذا نص في أن الإنكار على الإمام الذى يخلط في عمله، وحُكمِهِ بين الحلال والحرام، لا يجوز الخروج عليه بالسيف، بل إذا كره بقلبه فقد برئ، وإذا أنكر بلسانه فقد سَلِمَ، ولكن مَن رضي، وتابَعَ، كان مُشاركا فى الإثم، والمعصية، وقد استفسر المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جواز الخروج عليهم بالسيف، حينئذ، فأَبَى، وقال: «لا، ما صلوا» أي: ما داموا ملتزمين بالصلاة، ويؤيد حديث أم سلمة هذا حديث عوف بن مالك في مسلم - أيضا - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، ويُصَلّون عليكم، وتُصَلُّونَ عليهم، وشِرارأئمتكم الذين تُبغضونهم، ويُبغضونكم، وتَلعنونهم، ويَلعنونكم»، قيل: يارسول الله: أفلا ننابذهم بالسيوف؟ فقال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من وُلاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عَمَلَهُ، ولا تنزعوا يدًا من طاعة».
كفراً بواحاً
وهذا نص ظاهر واضح في أن الإمامَ وإن استحق اللعن من المسلمين، وكان بغيضا إليهم، مبغضا لهم، لا يجوز الخروج عليه بالسيف ما دام أنه من جملة المصلين، وقال أهل السنة والجماعة أيضا، والسلف قاطبة: إنه لا يجوز الخروج على الإمام الذى ما زال يُصَلِّي إلا أن يَكفُرَ كفرا بَوَاحًا، والبَوَاحُ هو العَلانِية الشائع أي أن يُعلِنَ ذلك، ولا يكون مُسِرَّا به لأهل خاصته مثلا. واستندوا فى ذلك - أيضا - إلى حديث جنادة بن أبي أمية، قال: دخلنا على عُبادة بن الصامت، وهو مريض، فقلنا: حدثنا أصلحك الله - بحديث ينفع الله به، سَمِعتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعناه على السمع والطاعة في مَنشَطِنا، وَمَكرهِنا، وعُسرِنا، وَيُسرِنَا، وَأَثَرَةٍ علينا، وأن لا نُنَازِعَ الأمرَ أهلَه، قال: «إلاَّ أَن تَرَوا كُفرًا بَوَاحًا عندَكم من اللهِ فيهِ برهان» وهذا نص ظاهر فى عدم جواز منازعة الإمام الأمر إلا أن يعلن الكفر علانية (2) «ومعنى قوله بواحًا، يريد ظاهرا باديا، وقوله: «عندكم من الله فيه برهان»، أى نص آية، أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه: لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال أبو جعفر الطحاوى: «ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا مَن وجب عليه السيف»، وقال رحمه الله: «ولا نرى الخروج على أئمتنا ، وولاة أمورنا ، وإن جاروا، ولاندعو عليهم ، ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى أن طاعتهم مـن طاعة الله - عز وجل - فريضة ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح، والمعافاة» قال الإمام النووى - رحمه الله : «أجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وسبب عدم انعزاله، وتحريم الخروج عليه، ما يترتب على ذلك من الفتن، وإراقة الدماء، وفساد ذات البَينِ؛ فتكون المفسدة فى عزله أكثر منها فى بقائه».
تطاول لايجوز
وأما استدلال الخوارج والمعتزلة بقول عمر – رضي الله عنه -: «وإذا أسأتُ فقوموني»، فقال له رجل: «لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا»، في وجوب الخروج على الإمام المسلم بالسيف إذا انحرف أو ظلم في نظرهم عما يعتقدونه ، ففيه نظر؛ وذلك لأن عمر – رضي الله عنه - قال : قوموني، ولم يقل قوموني بالسيف، كما أنَّ قولَ الرجل فى رَدِّه على عمر – رضي الله عنه - تَطَاوُلٌ منه على أمير المؤمنين، ولم يَشَأ عمر– رضي الله عنه - أن يَرُدَّ عليه ، وهو فى مقام الإمام ، وفى خطبته الأُولى حتى لا يُتَّهَمَ بالدفاع عن نفسه ، وإلا فهذا الأمر أشبه بين السلف مما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهذا إن صحت الرواية .
نصح الحاكم سرًّا
نصح الحاكم سرًّا: ونرى بأن نصيحة الحاكم المسلم تكون سِرًّا من غير تشهير، ولا تعيير لحديث عياض بن غنم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبدِهِ علانية، وَليأخُذ بيده، فإن سمع منه فذاك، وإلا كان أَدَّى الذى عليه». ولحديثِ عبيد الله بن الخيار قال: أتيت أسامة بن زيد، فقلتُ، ألا تنصح عثمان بن عفان ليقيم الحد على الوليد؟ فقال أسامة: هل تظن أني لا أُناصِحُه إلاَّ أَمَامَكُم؟ والله لقد نصحتُه فيما بيني وبينه، ولم أكن لأفتحَ باباً للشر أكونُ أنا أولَ مَن فتحه .
لايظهر الشناعة
قال الإمام الشوكانى - رحمه الله : ولكن ينبغي لمن ظهر له غَلَطُ الإمام في بعض المسائل أن يُناصِحَه، ولا يُظهِرَ الشناعةَ عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد فى الحديث أنه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله، وأنه لا يجوز الخروج على الأئمة - وإن بَلَغُوا فى الظلم أي مبلغ - ما أقاموا الصلاة ، ولم يظهر منهم الكفر البَواح. والأحاديث فى هذا المعنى متواترة ، ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله، ويعصيه في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
مفاسد كثيرة
وأخيرا نقول : «إنه لايجوز بحال إنكار منكر الإمام المسلم بالسيف، وإنما يُكتَفَى بإنكار منكره بالقلب، واللسان؛ وذلك أنَّ الضرر الواقع على جمهور المسلمين من الخروج عليه أشد من انحراف الحاكم وظلمه، فإن السيف إذا وقع بين الأمة وقعت بسببه مفاسد كثيرة ، فالإمام لا بد وأن ينحاز له كثيرون معه ولاسيما إذا كانت الشوكة بيده، كالسلاح، والجيوش، وهؤلاء حتما سيتعصبون له؛ ومن ذا يستطيع أن يصل إلى الإمام دون أن يقع القتل فى مسلمين كثيرين يتترس بهم الإمام؟ وكذا لا يجوز إقامة المظاهرات، والاعتصامات، والإضرابات، وأعمال الشغب، وما شابهها، التي لم يَجرِ عليها عمل السلف الصالح، ويترتب عليها ضياع الأمن، وإثارة الفتن .
كلمة الحق
«ولنعلم أن كلمة الحق أقوى من ظلم أي سلطان مهما كان، وصبر أهل الحق على حقهم، وتعرضهم للأذي في سبيله، وانتظارهم لفرج الله، ورحمته عوامل رئيسة لانكسار الباطل، واندحاره مهما كان، كما أن افتراض الشر دائما بالسلاطين من اتباع الظن، ومن الحكم على القلوب التى لا يَطَّلِعُ عليها إلا الله تعالى، ونحن نعتقد أن القلوب بيد الله يُصَرِّفُهَا كيف يشاء» انتهى .
وأخيرا قضية محسومة فإن قضية طاعة ولي الأمر محسومة كما في الكتاب والسنة وأقوال السلف وعلماء الأمة المتقدمين والمتأخرين، وهناك الكثير والكثير من الإصدارات السمعية والمرئية، فضلا عن الكتب والنشرات واللقاءات حول هذا الأمر، بقطع الطريق على من يريد أن يشكك بموقف أهل السنة والجماعة من هذه القضية ولاسيما علماء ومشايخ السلف مستفيدا مما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات، والأجدر بمن يناقش هذا الأمر أن ينظر له أولا من منظار الشريعة، ثم من منظار مصلحة الوطن والمواطن وأجزم أن النتيجة ستكون أن طاعة ولي الأمر هي ضرورة ومطلب شرعي ثم وطني.
لاتوجد تعليقات