إصدارات مبرة الآل والأصحاب شذى الياسمين.. في فضائل أمهات المؤمنين
نال آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم منزلة عظيمة ودرجة رفيعة من التقدير والاحترام عند أهل السنة وفق الحقوق التي شرعها الله لهم من المحبة والتولي؛ وذلك حفظا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أذكركم الله في أهل بيتي» (رواه مسلم)، وهم بذلك يتبرؤون من الغلاة الذين أفرطوا في حب بعض آل البيت، ومن النواصب الذين يؤذونهم ويبغضونهم.
فالمسلمون عموماً وأهل السنة خصوصاً يحبون آل البيت الأطهار ويحرّمون إيذاءهم أو الإساءة إليهم بشكل عام وأمهات المؤمنين بشكل خاص.
ويسر مبرة الآل والأصحاب أن تقدم من ضمن أوائل إصداراتها هذا البحث لتحقق به أهداف المبرة المتمحورة حول نشر تراث آل البيت الأطهار والصحابة الأخيار، وغرس محبتهم في نفوس المسلمين، وتصحيح بعض المفاهيم غير الصحيحة بشأنهم في نفوس بعض المسلمين.
حيث تناولت هذه الورقات وقفات في عظم شأن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ثم فضائلهن رضي الله عنهن من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فقد وردت الآيات والأحاديث في مدح أمهات المؤمنين والثناء عليهن مما يدل على علو مرتبتهن، وسمو منزلتهن وتوضيح فضائلهن عامة ضمن آل البيت رضي الله عنهم وتناولت كذلك مناقب خاصة لكل منهن.
وقفة مهمة:
قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب: 6).
فالمؤمن: أمهاته زوجات النبي [، وأبوه رسول الله [ وإخوانه المهاجرون والأنصار، المعنيون بدعائه: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (الحشر: 10).
وهذا هو بيت النبي [، فمن طعن في زوجة من زوجات النبي فهو مطرود من نسب الإيمان؛ فإنه لو كان مؤمنا لما طعن في أمهات المؤمنين؛ لأن الابن لا يطعن في أمه.
وهذه الأمومة كالأمومة الحقيقية، فيما يترتب عليها من حقوق الاحترام والإجلال والفخر بالانتساب.
فهل هناك أمهات أشرف من نساء اختارهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ بل اختارهن الله عز وجل، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا} (الأحزاب: 52)، وقال عن زينب بنت جحش رضي الله عنها: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا} (الأحزاب: 37).
وقال في أفضليتهن على نساء العالمين: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن} (الأحزاب: 32). حتى إنه تعالى حرّم على المؤمنين الزواج منهن، كما يحرم على الولد الزواج بأمه، مع أن ذلك حلال مع غيرهن. فقال: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب: 53).
والرسول صلى الله عليه وسلم يؤذيه كل ما يمكن أن يسيء إلى أزواجه من قول أو عمل إلى الحد الذي أمر الله عز وجل به المؤمنين ألا يخاطبوهن إلا من وراء حجاب، فقال: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وماكان لكم أن تؤذوا رسول الله} (الأحزاب: 53).
فكيف بالطعن بهن أو سبهن أو وصفهن بما لا يليق؟! والله سبحانه وتعالى يقول بعد تلك الآية بقليل: {يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} (الأحزاب: 59).
ثم قال تعالى بعدها مباشرة: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا} (الأحزاب: 60)، إشارة إلى ما كانت يشيعه أولئك عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها، وقد كان زوجة لمتبناه زيد، وقد مر ذكر ذلك في السورة نفسها في الآية (37)، فجعل الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم في أزواجه من شيمة المنافقين وأمثالهم، وأوصى المؤمنين ألا يكونوا أمثالهم.
وبيّن الله عز وجل في السورة نفسها أنه لن يُقبل عذر من طعن في أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم ، تاركا القرآن والسنة، ومتبعا قول السادة والكبراء - إذا لم يتب ومات على ذلك - كما قال: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} (الأحزاب: 66-67)، وهل الطعن في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والقول فيهن بما لا يليق من القول السديد؟! أم من المنكر الشديد؟!
تخيل نفسك وأنت تسب عائشة أو حفصة رضي الله عنهما، التفت فإذا أنت برسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليك ويسمع كلامك.. ما موقفك في تلك اللحظة؟ وما موقفه صلى الله عليه وسلم منك؟!
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء العالمين
يقول تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن} (الأحزاب: 32).
أي: ليس هناك من جماعة من النساء مطلقا أفضل منكن؛ بشرط التقوى؛ فإذا ثبتت التقوى في حقهن ثبتت أفضليتهن على نساء العالمين عبر العصور والدهور دون استثناء، وليس ذلك بكثير على نساء أفضل الأنبياء والمرسلين، والخلق أجمعين، على نساء اختارهن الله سبحانه وتعالى ورسوله [، واخترن الله عز وجل ورسوله [!
أما التقوى فثابتة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب العظيم؛ ذلك أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها بعد نزول آيات التخيير، وهي: {يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} (الأحزاب: 28-29).
فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وتركن الحياة الدنيا وزينتها ومتاعها، وكان هذا الاختيار صادقا؛ بدليل أنه لم يكن ثمة ما يرغبهن في البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ويصبرهن على معاناة شظف العيش معه، سوى صدق الإيمان، وحقيقة التقوى، ولأن هذا الاختيار قائم على التقوى، استحق قبول الله عز وجل له فكرمهن بسببه، وذلك بقوله: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} (الأحزاب: 52).
وهذا التكريم من جهتين:
1. منعه صلى الله عليه وسلم من الزواج عليهن.
2. منعه صلى الله عليه وسلم من تطليق واحدة منهن ليتزوج أخرى بدلا منها؛ وذلك من أجل أن يبقين له زوجات دائمات، ليس في الدنيا فحسب وإنما في الآخرة أيضا؛ ولذلك منع المؤمنين من التزوج بهن من بعده فقال: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب: 53)، وجعلهن بمقام الأمهات لكل مؤمن بقوله: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب: 6).
فحري بكل عاقل أن يتدبر هذه الوقفات جيدا في عظم شأن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
الفضائل العامة
1. تطهير آل البيت من الرجس (الشرك والشيطان والأفعال الخبيثة والأخلاق الذميمة)، وأمهات المؤمنين من آل البيت؛ قال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} (الأحزاب: 32-34)، يوضح سياق الآيات أن آية التطهير تشمل نساءه صلى الله عليه وسلم ، كيف لا وهي قد نزلت فيهن؟!
2. منزلة الأمومة للمؤمنين؛ حيث جعلهن أمهات في التحريم والاحترام، فضلا عن صحبته صلى الله عليه وسلم : {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب: 6).
3. اختيار الله ورسوله والدار الآخرة إيثارا على الدنيا وزينتها فكان جزاؤهن أن أعدّ الله لهن أجرا عظيما: {يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} (الأحزاب: 28-29). ومعلوم أنهن اخترن الله ورسوله؛ ولذا لم يفارقهن صلى الله عليه وسلم .
4. مضاعفة الأجر لهن على الطاعات والعمل الصالح: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما} (الأحزاب: 31).
5. ليست أمهات المؤمنين كأحد من النساء في الشرف والفضل وعلو المقام: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا} (الأحزاب: 32).
6. لقد شرفهن الله بتلاوة القرآن والحكمة في بيوتهن؛ مما يدل على جلالة قدرهن ورفعتهن: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} (الأحزاب: 34).
7. هن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
الفضائل الخاصة بكل واحدة منهن
فضائل أم المؤمنين خديجة-رضي الله عنها
1. خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قُصي، وقُصي جد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي ثاني أقرب أمهات المؤمنين إليه نسبا من جهة الأب، ولم يتزوج غيرها من ذرية قُصي إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان.
وتُعتبر خديجة أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة بعد أبي هالة بن النباش بن زرارة التميمي حليف بني عبد الدار.
آمنت به صلى الله عليه وسلم ونصرته، فكان يفضلها على جميع النساء وأنجبت له أولاده إلا إبراهيم فإنه من السيدة مارية رضي الله عنها، ولم يتزوج عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين.
ولها فضائل جليلة ومناقب عظيمة منها:
1. أنها من السابقين الأولين إلى الإسلام، فهي أول الناس إيمانا بما أنزل الله؛ فكان لها أجرها وأجر من آمن بعدها.
2. لم يتزوج عليها صلى الله عليه وسلم حتى فارقت الحياة الدنيا، فانفردت بخمس وعشرين سنة من ثمانية وثلاثين سنة هي حياته الزوجية صلى الله عليه وسلم (حوالي الثلثين).
3. كان حب الرسول صلى الله عليه وسلم لها رزقا من الله رزقه إياه؛ فحبها فضيلة. (رواه مسلم).
4. كان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها والثناء عليها والمدح لها وصلة ودها.
قالت عائشة رضي الله عنها: «ما غرت للنبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة؛ لكثرة ذكره إياها وما رأيتها قط». (رواه مسلم).
5. كانت خير نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، روى البخاري بإسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة».
6. سلام الله عليها وبشارتها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، روى الشيخان بإسناديهما إلى أبي هريرة ] قال: «أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب» (رواه البخاري).
7. رزقه الله تعالى منها من الولد ولم يرزقه من غيرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ورزقني الله منها الولد ولم يرزقني من غيرها» رواه الطبراني.
لاتوجد تعليقات