رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عصر محمد الناصر 8 يوليو، 2018 0 تعليق

إشكالية البحث في العلوم الإسلامية

تمثل إشكالية البحث في العلوم الشرعية مدخلاً مهما للخلاف؛ حيث يفترق الناس في تحقيقها، وعلى هذا الخلاف بني الخلاف في تحقيق المطالب الشرعية, وأصل ذلك أن منهج البحث في العلوم الشرعية هو جزء من تلك العلوم؛ له خصائصها وصفاتها, ويعد فيها من التحقيق والحفظ ما يعد في العلوم الشرعية, كما يعد في منهج البحث وأدواته ذلك القدر من التناسب مع المسائل الشرعية, وأي قدر من الخلل فيه، يؤدي إلى خلل في نتائج البحث, وهذا بدوره يذهب بالقدرة على بلوغ الحق, ومن هنا سنعرض لهذه الإشكالية, وفهم سياقاتها وحدودها وكيفية التعامل معها.

 

اعتبار بواعث النظر في المسائل

     من سياقات النظر في منهج البحث في العلوم الإسلامية, اعتبار بواعث النظر في المسائل، وهي مسألة عزيزة قلّ من يتفطن لها؛ فإن باعث البحث في العلوم الشرعية ينطلق من قاعدة عظيمة وهي التعبد لله -سبحانه- والقيام بحقه, ومعرفة مراده في أنواع المسائل, وهذا بدوره ينعكس على طريقة البحث؛ فيكون منطلق البحث طروء الإشكال أو وجود نازلة, وفي هذه الحالة يكون المقصد الأول هو تحقيق الحق والتجرد فيه، وهذا يستدعي صحة النية, كما أن من مظاهر هذا المنطلق التعالي عن العبث, ومن جانب آخر إحاطة البحث بالجدية وبذل الوسع.

غياب السلطان الثقافي

     ومما يحسن النظر فيه عند الكلام على إشكالية البحث في العلوم الإسلامية غياب السلطان الثقافي؛ حيث زامن دخول ثقافة جديدة؛ مما أوجب حالة من الاختلاف, وهنا أنبه على أن الخلاف في ذاته ليس معيارًا للحق، وإنما هو نافذة يدخل الباحث منها إلى طلب الحق, وبالعودة إلى غياب السلطان؛ فقد تقرر أن ثمة ارتباطًا بين سلطان السياسة، والبعد الاجتماعي، والنفسي، والعلمي؛ حيث يمثل غيابه سببا في انحلال العقد الاجتماعي، والعلمي، والنفسي, كما ينعكس عليها انعكاسا واضحا, وهذا ما حصل بعد سقوط الدولة العثمانية الممثلة للسلطان فيما مضى, وقد تكلمت عن آثار هذا في مواضع، إلا أن محل الإشارة هنا أثر غياب السلطان في نشوء الخلاف.

غياب البعد الحضاري

     وأهم من ذلك أثر غياب السلطان في غياب البعد الحضاري والجانب التطبيقي للإسلام، بوصفه نظاما مهيمنا وحاكما على الواقع؛ بحيث يستوعب الحركة العلمية, وهذا بدوره ذهب بالقدرة على الإجابة عن الأسئلة الحضارية، حتى آل أمر الإجابة إلى نوع استثناء وتكييف لما يرد من المسائل فحسب, دون الإبداع وفق أصول الإسلام بجانبيها الدين والدنيا, وفي السياق ذاته –أعني أثر السلطان السياسي- فإن له أثرًا لا يخفى في جميع المستويات.

اشتباك بين الديني والسياسي

     وفي واقعنا اليوم ظهرت في البحث العلمي نوع اشتباك بين الديني والسياسي؛ حيث تنتشر كثير من المفاهيم، وتعمم في ساحة البحث العلمي الشرعي تحت سلطان السياسة, ومن نظر في انتشار مفاهيم اللبرالية، أدرك مقدار هيمنة السياسة وأثرها في البحث العلمي.

استثنائية المرحلة

     ومن المواضع المهمة التي تحتاج إلى تنبه في ساحة البحث العلمي، هي استثنائية المرحلة التي نعيشها؛ حيث يغيب السلطان السياسي للأمة, والأصل أن تراعي منطلقات البحث في العلوم الشرعية هذا المقدار الواقعي المؤثر, حتى لا يضفي طابع الدوام عند البحث؛ مما يجعل الأمة تابعة لغيرها, وعليه فإن جرأة الطرح التي تتجاوز هذا المقدار، قد يكون لها أثر سلبي على الصعيدين العلمي والواقعي.

المهابة والعظمة

     كما أن البحث والنظر في المسائل الشرعية له باب تعلوه مهابة وفيه عظمة؛ فلا ينبغي الولوج إليه بمجرد توقد الذهن, وزهو النفس ولو بلغت ما بلغت؛ فمن المسائل مسائل كبيرة وقف على حدودها عظماء, وفنيت في بحثها أعمار, والأصل أن يستحضر الباحث هذه المهابة والعظمة عند الولوج إلى النظر في العلوم الشرعية, وقد يذهب بهذه المهابة كثرة الجدل؛ فيوهن حدود المسائل ويورث الجرأة ولاسيما مع ضعف الدافع للبحث، أو حصول الخطأ فيه, كما يذهب الجدل ومثله زهو النفس بحدود البحث في العلوم عموما، والشرعية على وجه الخصوص؛ حيث يُظن أن كل مسألة ممكن أن يصل الناظر فيها إلى منتهاها واليقين فيها, وهذا إن حصل في مسائل فقد لا يحصل في غيرها, وإن كان لبعض الباحثين لم يكن لغيرهم, والمعتبر في كل ذلك بذل الجهد والوسع في البحث, وهو محل التكليف الذي يتعلق به الحكم.

التسليم لله -سبحانه

     وهنا ترد مسألة مهمة، وهي التسليم لله -سبحانه-؛ فما لا يُنتهى إليه ولا يدرك منتهاه من المسائل فهو مراد للشرع؛ فلا يبقى بعد بذل الوسع والجهد في البحث، إلا التسليم لله -سبحانه- والعمل بمقتضى العلم, ومن موارد التسليم اعتبار ما توارد عليه أهل العلم من المسائل والدلائل؛ فهي معتبرة في الشرع, والخروج عنها مخالف لهذا الاعتبار, وهو إقرار أن الأمة أجمعت على ضلالة -والعياذ بالله- ومثل هذا لا يجوز القول به بإطلاق.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك