إزالـة العناويـن
لكل شيء في الحياة عنوان فهل قرأت يوما كتابا بلا عنوان؟! هل حفظت قصيدة شعرية بلا عنوان؟! هل تعلمت درسا بلا عنوان؟! هل ذهبت يوما إلى زيارة أحد بلا عنوان؟!
فالعناوين هي دليلنا في الحياة وحتى أسماؤنا هي بمثابة دليل لنا، فعنوانك الذي تحمله هو اسمك، وعنوانك الذي تسكن فيه مكان سكنك... تعالوا أعزاءنا القراء نتخيل الحياة بلا عناوين، فدعوتي لكم هي إزالة العناوين، ولو تساءلتم: لماذا نزيل العناوين وما الغاية من ذلك؟ فالجواب: لعلنا نتجاوز بعض ما في نفوسنا بسبب هذه العناوين، مهلاً بإزالة العنوان كيف نستدل على الطريق؟ كيف نهتدي للسير إلى صديق؟ كيف سيرسل ساعي البريد رسائله وكيف سيوصل موصل الوجبات والأغراض حاجاتنا إلى مساكننا ومكاتبنا؟ كيف أعْرفك وكيف تعرفينني إن كنت بلا عنوان؟ كيف تكون القصيدة إن لم يتصدرها عنوان يعبّر عنها؟ أيعقل أن يكتب الصحافي مقالا بلا عنوان كيف أبحث عن كتاب إن لم يكن له عنوان؟، وسيتساءل الطلاب ما عنوان الدرس؟ سأرد: ليس له عنوان! لكم أن تتخيلوا هذا فما أتعسها من حياة سنضيع ونتوه في كل شيء، أحقا هذا؟ نعم.
إذا لماذا تنزعجون من العناوين؟ لماذا تصنفون الناس على عناوينهم؟ ولماذا يتضايق الإنسان من عنوانه على الرغم أن العنوان دليله في الحياة؟ وهل يتضايق الإنسان من مقره ومكان سكنه؟ قد يكون. وما الأسباب يا ترى؟
كُنتُ مُعلمة ثانوي فى المعهد الديني بقرطبة - بنات، وهو المعهد الوحيد في الكويت للبنات، فالطالبات اللاتي يدرسن فيه من جميع مناطق الكويت، بل إننا في المعهد نُدرس من جميع بلدان العالم، فعندنا طالبات بعوث من روسيا وألبانيا وجنوب أفريقيا والهند والفلبين وتايلاند ونيجيريا وغانا والسنغال، وذات يوم وبعدما انتهيت من ساعتي الدراسية اتصلت بي الإخصائية الاجتماعية تخبرني أن أحضر إلى غرفتها فهناك ولية الأمر جاءت شاكية عليّ، استغربت الأمر في البداية: شاكية لماذا؟ هل أنا فعلاً من تعنيه أم هي مخطئة؟ لم أفعل شيئاً يستحق الشكوى عليّ، وقد اعتدت - ولله الحمد - على الشكر لا الشكوى، لكن هذا حال المعلم فعلاً من أصعب المهن؛ لأنك تتعامل مع نفوس وليس مع أوراق ولا آلات فتحتاج أدوات كثيرة كي تُحسن الصنعة، على العموم ما أطول المسافة من غرفة المعلمات حتى أصل إلى غرفة الإخصائية الاجتماعية، ولا أعلم ما الحقيقة ولكن الشكوى علي وصلت، وهاهي ذي ولية الأمر جالسة بالانتظار، بدأت بالسلام، ردت وقالت: أبلة إيمان؟ قلت: نعم أبلة مادة الحديث نعم، بدأت ولية الأمر كلامها: " ابنتي أتت من المعهد بالأمس من الظهر إلى المغرب تبكي"
قلت: لماذا ما الذي حصل؟
لأنك استهزأت بها وأحرجتها أمام الطالبات وانجرحت ووو.. لماذا؟ أنا متأكدة لم اقل أي شيء يستحق كل ما تقولينه لم أعتد، والحمد لله على التجريح ولا مضايقة أحد، فقالت لي: قلت لها لما أرادت أن تجاوب: «يلا يا بنت الجهراء..»
قلت لها: هل في ذلك من إحراج؟ ألا تسكنون في الجهراء؟
قالت: نعم.
قلت إذا ما المشكلة؟
قالت: أنت تقللين من شأن الجهراء، وأخذت تعطيني درسا في التاريخ استفدت منه كثيرا عن تاريخ الجهراء، فهناك معلومات أعرفها فكنت أرد: نعم أكيد، وهناك معلومات جديدة عليّ فأرد قائلة: ما شاء الله شيء رائع، وتحدثت عن رجالات الجهراء ومن هم، وأنا أحسن الإنصات إلا بقول: نعم. أكيد. ما شاء الله. هذا شيء رائع... حتى انتهت من كلامها، والآن جاء دوري فقلت لها: هذه الجهراء بكل ما تحمله من تاريخ وإنجازات إذاً لِمَ تبكي ساعات طوالا على أنها ابنة الجهراء؟، لماذا لم تغرسي فيها الفخر بالجهراء والانتماء لها؟، أنا لم أقصد أي شيء مما تقولينه إذاً المشكلة ليست فيّ بل فيكم... يجب أن نكون على قناعة تامة بما نحمله من عناوين ولا نسقط عدم قناعتنا بأنفسنا على الآخرين وهذه هي الحقيقة.
نأتي الآن لفريق الإزالة: الغرض من هذا الفريق إزالة التعديات على أملاك الدولة في كل مكان، فأرجو أن تزيلوا العناوين من الحسبان، فالقانون على الجميع وهذا الذي يجب أن يسود وسيسود بإذن الله، أما ما نعيشه اليوم من أجواء الانتخابات، فأرجو أن نزيل العناوين ونجعل الكويت هي عنواننا الوحيد، فلا ندندن على مناطق داخلية ومناطق خارجية، وهنا من يشعر بالظلم، وهنا من يتعالى، وهكذا لن تستقيم الأمور بهذه الطريقة أبدا؛ فالأولى أن نجتمع ولا نفترق فالكويت تجمعنا، فما أجمله من عنوان، فلنجعله عنوانا لأول صفحات حياتنا كي ننعم بالأمن والأمان.
لاتوجد تعليقات