رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 19 ديسمبر، 2018 0 تعليق

إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث

  يروي الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له»، إذا مات ابن آدم انقطع عمله, وانقطع أمله، ولكن الرحمن الرحيم- جل جلاله- أعطاك من الأعمال ما يستمر أثره يوم القيامة, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, الله يقول- عز وجل-: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}(يس: 12)، إنا نحن نحيي الموتى, يوم القيامة, ونكتب ما قدموا من أعمال, وهذه الأعمال لها آثار, وآثارهم, وكذلك أثر تلك الأعمال لك أجر بها, إن كانت حسنة, فلك حسنة، والحسنة بعشر أمثالها, وإن كانت سيئة أعاذنا الله منها, فلا تُجزى إلا بمثلها.

     وعند مسلم, قال صلى الله عليه وسلم : «من دعا إلى هدى» يدعو إلى الخير, إلى هدى: نكرة, أيا كانت هذه الدعوة، «من دعا إلى هدى, كان له من الأجر مثل أجر من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا»؛ فالذي دعوته إلى الهدى فعمل بما دعوته إليه؛ فلك الأجر مثله, وهو قد دعا غيره؛ فلك الأجر مثل هذا وذاك وهكذا, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»، وفي حديث آخر, قال- صلوات ربي وسلامه عليه-: «من سن في الإسلام سُنَّة حسنة, فله أجره, وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا» أو كما قال صلى الله عليه وسلم .

الناس قسمان

قسم: ينقطع عمله, سواء كان ذلك العمل سيئا, أم كان حسنا؛ فينقطع.

وقسم آخر:  يموت وتبقى حسناته, وتبقى سيئاته, تبقى الحسنات, وتبقى السيئات, ومصيره متوقف على رجحان أي من الكفتين.

وهذا القسم له ثلاثة أصناف: منهم من يموت وتبقى الحسنات والسيئات, ومنهم من يموت وتنقطع سيئاته وتبقى حسناته, ومنهم من يموت وتنقطع حسناته, وتبقى سيئاته.

     روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً, أو أجرى نهراً , أو حفر بئراً , أو غرس نخلاً , أو بنى مسجداً , أو ورّث مصحفاً , أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته» حسنه الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع برقم: 3596.

     علما علمه ونشره, سواء تعلق العلم النافع بالدين أم بالدنيا, يكون له صدقة جارية, وأثره وأجره يستمران حتى بعد مماته, نحن اليوم نعيش في زمن الأجهزة الذكية لنستغلها ولنستفيد منها, ومن هذه البرامج نقل الدروس والمواعظ والمحاضرات, وكل خير يأتينا منها.

التمييز بين الصحيح والسقيم

     بعض الناس يقول: قد لا أستطيع أن أميز بين الصحيح والسقيم, وبين الصحيح والضعيف, نقول له: يكفيك في البداية أن ترسل مقاطع للعلماء الكبار الذين اتفقت الأمة عليهم كأمثال الشيخ ابن باز -رحمه الله- أو ابن عثيمين -رحمه الله- أو الشيخ صالح آل فوزان -حفظه الله- وغيرهم من العلماء الأجلاء كالألباني...وغيرهم من العلماء، وبعد أن يستقر معك الأمر اتبع داعية عالما حصيفا ممن اتفقت الأمة عليه من العلماء المعاصرين.

العلماء الأكابر

     ومن قال لا أعرف أحدًا نقول له ارجع إلى العلماء الأكابر, والزم طريقهم تسلم, واحذر أن تنشر مقاطع فيها ضلال وزيغ, أو تساعد على نشر الرذيلة, والصور الفاضحة والمقاطع التي لا خير فيها أو من الشبهات والبدع والزيغ والضلال, والأحاديث الضعيفة, والموضوعة.

كيف تنشر العلم؟

 انشر كما يُقال الكتب (البي دي إف), وعذرا باللغة الأجنبية, هكذا اشتهرت, بالتواصل الاجتماعي فهذا علم يُنتفع به, ليس فقط العلم الذي تكتبه, لكن أي علم يُنتفع به, من مثل خطب الجمع وخطب الحرم.

ولد صالح يدعو له

     ثم نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجال آخر، وهو: «أو ولد صالح يدعو له»؛ فالولد من كسب الإنسان وهو سببٌ، والإنسان سببٌ في وجود هذا الولد ذكرًا كان أم أنثى؛ فإذا علمه ورباه؛ فإنه يحصل له من الأجر بدعاء هذا الولد حتى ولو بعد موته؛ ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو داود بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد يرى من الأعمال يوم القيامة مثل الجبال؛ فيقول: يا رب، من أين هذا؛ فإني لم أعمله؟ فيقال: من دعاء ولدك لك»؛ فأكثِر يا عبد الله من الدعاء لوالديك، ولاسيما إن كانا قد رحلا عن هذه الحياة الدنيا؛ فإنهما يريان أثر هذا الدعاء كما في هذا الحديث المتقدم، وكما في هذا الحديث: «أو ولد صالح يدعو له»، وهذا يحمل المؤمن على أن يجتهد في صلاح أولاده؛ فإن صلاحهم خير له؛ فكل عمل صالح يعملونه، وكل دعاء يدعونه، له مثل هذا الأجر؛ لأنه سبب في وجودهم، وسبب في تربيتهم الخيرة: «أو ولد صالح يدعو له».

     ويتكامل هذا الفضل بأمر الله -جل وعلا- يوم القيامة فيما دل عليه قول ربنا -سبحانه-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}(الطور: 21)، من فضل الله أنه يجمع الأولاد بآبائهم وأمهاتهم يوم القيامة في المنزلة الأعلى في الجنة، فلو أن أحدًا من الأولاد أو الآباء، كان في منزلة أقل؛ فإن الله -تعالى- يتبع بعضهم بعضًا إلى الدرجة الأعلى، فضلًا منه وإحسانًا!

ومصحفا ورثه

     لا يستطيع أحد أن ينكر فضل طباعة المصاحف وتوزيعها، إلا أن هذا الفضل يزيد ويعظم في البلاد الفقيرة التي يمثل اقتناء مصحف فيها تحديا، يواجه الكثير من مسلميها؛ بسبب الفقر، أو عدم وجود جهات تُعنى بطباعة المصاحف وتوزيعها، وقد عايشنا ورأينا الفرحة الغامرة التي يعبر عنها المسلمون في تلك البلدان حال تسلمهم نسخا جديدة من المصاحف، ولاسيما من الذين يحفظون القرآن الكريم في مراكز التحفيظ، أو في المساجد، والمدارس التي تضم نسبة كبيرة من الطلبة المسلمين.

     كذلك يعانيها العديد من أبناء الجاليات المسلمة حول العالم من عدم قدرتهم في الحصول على نسخة من القرآن الكريم، بل إن كثيرا من المجتمعات تعاني ندرة المصاحف، حتى أن بعض القرى الإفريقية التي يبلغ تعداد سكانها حوالي ألف نسمة، ربما لا تجد فيها سوى نسخة واحدة من القرآن الكريم.

لذلك يا أخوة من أراد أن يطبع مصحفا عليكم بالبلاد الفقيرة, إما كانت في شرق آسيا, أو أفريقيا وحتى أوروبا اطبع لهم, كن مجتهدا في نشر كتاب الله -تعالى.

أو مسجدًا بناه

     فقد وردت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، تبين فضل المساجد، وفضل بنائها، ورعايتها، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِين}(التوبة: 18)، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عثمان ابن عفان رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ».

     وروى البزار في مسنده من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ»، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ».

عمارة المساجد

     وعمارة المساجد ليست مقتصرة على بنائها فقط، بل تكون بالصلاة والذكر، والدعاء، والاستغفار، وحلق العلم، قال -تعالى-: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار}(النور: 36-37).

     وروى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ؛ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ، فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ -عز وجل- خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ».

ومكانة المسجد في الإسلام عظيمة؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى المدينة كان أول عمل عمله بناء المسجد، وهو ساحة العبادة، ومدرسة العلم، ومنطلق الجيوش لمقارعة الأعداء، ويجتمع الناس في المساجد كل يوم خمس مرات، الغني والفقير، والأمير والمأمور، والصغير والكبير، جنبًا إلى جنب؛ فيشعرون بالمواساة والمحبة والمودة، ويتفقد بعضهم بعضًا، وفي نهاية الأسبوع يكون لخطبة الجمعة الأثر البالغ في نفوسهم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك