رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 3 يناير، 2019 0 تعليق

إذا ضُيِّعت الأمانةُ

 

- يقصد بالأمانة حقوق الله وفرائضه؛ فعلى المؤمن أن يتبع ما أحل الله وينتهي عما حرم، وكذلك يقصد بها حقوق الناس وحاجاتهم، وقد عرض الله -جل وعلا- الأمانة على السموات والأرض والجبال فخافوا أن يتحملوا هذه  الأمانة، وحملها الإنسان! قال -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب:72).

- فيجب على الإنسان أداء الأمانة مع الخالق؛ فيؤدي الفرائض كما شرع -سبحانه-، ويتجنب محارمه، تعظيماً لله وخوفاً منه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لِمَن لا عهدَ له». ويؤدي الأمانة مع الخلق فيما يستحقونه منه من حقوق وديون، وحسن تعامل بعيدا عن الغش والخداع والاحتكار؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : «أدِّ الأمانَةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ مَنْ خانَكَ».

- يَحكِي أبو ذَرٍّ - رضي الله عنه - أنَّه قال للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «ألَا تَسْتَعْمِلُنِي؟» أي: ألَا تَجْعَلُنِي عامِلًا؟ فضرَب - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِه على مَنْكِبِه، أي: ضَرْبَ لُطفٍ وشَفَقَةٍ، ثُمَّ قال: «يا أبا ذَرٍّ، إنَّك ضَعِيفٌ»، أي: عن تحمُّلِ العَمَلِ، «وإنَّها (أي: الإمارَةَ) أَمَانَةٌ»، يعني: ومُراعَاةُ الأمانةِ - لِكَوْنِها ثقيلةً صعبةً - لا يَخرُج عن عُهدَتِها إلَّا كلُّ قَوِيٍّ؛ «وإنَّها (أي: الإمارَةَ) يومَ القيامةِ خِزْيٌ ونَدَامَةٌ»، وأمَّا الخِزْيُ والنَّدامةُ فهو في حقِّ مَن لم يكن أهلًا لها، أو كان أهلًا ولم يَعدِل فيها؛ فيُخزِيه الله -تعالى- يومَ القيامةِ ويَفضَحُه، ويَندَمُ على ما فرَّط، «إلَّا مَن أخَذها بحقِّها وأدَّى الذي عليه فيها»، وأمَّا من كان أهلًا للوِلايَةِ وعَدَل فيها، فله فضلٌ عظيمٌ.

- يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله - (1330هـ - 1910/1420هـ - 1999): «فالواجب على الموظف أن يُؤدي الأمانة بصدقٍ وإخلاصٍ وعنايةٍ وحفظٍ للوقت، حتى يُبرئ ذمته، ويُرضي ربَّه، وينصح لدولته وحكومته في هذا الأمر، أو للشركة التي هو فيها، أو لمَن وظَّفه، هذا هو الواجب على الموظف: أن يتَّقي الله، وأن يُؤدي الأمانة بغاية الإتقان، وغاية النصح، يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه، ويعمل بقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء:58)».

- ويتأكد الحرص على أداء الأمانة في حق القيادات العليا؛ لما لهم من صلاحيات واسعة، وأموال كبيرة تحت تصرفهم، وقرارات مهمة لها أثار وتبعات؛ فالأمانة من أعظم خصال الإيمان، قال الله -عز وجل- واصفا المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (المؤمنون:8)، وضد الأمانة الخيانة، وهي من خصال أهل النفاق، قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال:27).  ويقول -عليه الصلاة والسلام-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمِنَ خان».

- لذا فيجب على كل أحد أن يجعل مراقبة الله  له نصب عينيه؛ فيؤدي عمله على أكمل وجه، وبأفضل سبيل؛ فإن عجز عن هذا فلا يلجأ للخيانة، بل يترك مكانه لمن هو أهل له. قال - صلى الله عليه وسلم - : «إذا ضُيِّعت الأمانةُ فانتظِرِ السَّاعةَ». قال: «كيف إضاعتُها يا رسولَ اللهِ؟» قال: «إذا أُسنِد الأمرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظِرِ السَّاعةَ».

لندن 26/12/2018

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك