إدارة الكلمة الطيبة بإحياء التراث تقيم ندوة الأمن الفكري
أقامت إدارة الكلمة الطيبة بجمعية إحياء التراث الإسلامي الأسبوع الماضي ندوة بعنوان: (الأمن الفكري)؛ حيث استضافت الندوة المتخصص في القضايا التربوية وقضايا الأمن الفكري والخبير في المكتب العربي لمكافحة التطرف والإرهاب، د. صالح بن عبد الرحيم السعيد، الذي أكد في بداية الندوة أن مفهوم الأمن الفكري أصبح الشغل الشاغل للمؤسسات الاجتماعية والمؤسسات التربوية، حتى على مستوى الحكومات وعلى مستوى المجالس السياسية الكبيرة والمجالس العلمية والجامعات.
على رأس الأولويات
وأضاف السعيد، في هذا الشأن قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافا في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا»، النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الذي أخرجه الترميذي وحسنه الألباني، يضع لنا الاحتياجات الرئيسة لأي إنسان في هذه الأرض وأي أسرة وأي مجتمع، إنه الأمن الذي هو على رأس الأولويات.
أنواع الأمن
لا نريد أن نحصي أنواع الأمن وهي تتعدى الثلاثين والنوع الأهم منها الأمن الفكري؛ لأنه إذا فُقد لا يستطيع المجتمع العيش، والظروف المحيطة بنا خير دليل على ذلك، فالناس يبيتون في خير ورغد ويصبحون وقد فقدوا الأمن، وإذا فقد الأمن فُقد معه كل شيء، حتى ضروريات الدين التي يكفلها الإسلام تنتهي مع انتهاء الأمن، وهذا الحديث الذي ذكرته في المقدمة يعد مرجعًا لتفعيل برامج الحفاظ على الأمن الفكري.
تعريف الأمن الفكري
قبل أن نتعرض لتعريف الأمن الفكري يجب علينا أن نعرف ما الفكر؟ أو أين ينبع الفكر؟ وفي القرآن والسنة دلائل كثيرة على أهمية الفكر وعلى أهمية الذين يتفكرون، وأهمية أن الأنسان يكون واعياً لما يدور حوله، فالإنسان غير الواعي، يمكن أن يركب أي موجة ولا يدري إلى أين يتجه ولا أين يذهب.
منبع الفكر
الفكر منبعه العقل ومخ الإنسان، فمخ الإنسان يقوم بعمل معالجات ومدخلات ليتخذ قرارات، وهذا هو تعريف التفكير وكل ما كانت المدخلات واضحة والمعالجات داخل الدماغ واضحة ومدربة وخضعت لبرامج تقطير عقدي صحيح سوف تصدر نتائج وقرارات -بإذن الله عز وجل- مقاربة للواقع بصورة صحيحة؛ لذلك جميع الناس يخضعون للتأثير نفسه أي تأثير يعرض علينا سوف يكون تأثيره واحد علينا جميعًا، ولكن استجابتنا نحو هذا التأثير تختلف باختلاف خبرتنا واختلاف إيماننا وعقيدتنا؛ لأن الإيمان يزيد وينقص ورؤيتنا لهذه الحياة أو ما يسمى ببنيتنا المعرفية؛ لذلك هذا الأمر مهم جدًا أن نعرف الأمن حتى نشتغل عليه بصورة رئيسة وبصورة واضحة ونضع البرامج التي تحمينا من الانحراف الفكري.
حادث نيوزيلندا الإرهابي
إذا أردنا أن ننطلق أكثر في تعريف الأمن الفكري وأبعاده ننظر إلى ما حدث في نيوزيلندا، ماذا حدث؟ وكيف دخل الإرهابي؟ ومن الذي استقبله؟ استقبله حارس المسجد وأول كلمة نطق بها هذا الحارس hello my friend، ورد عليه هذا الإرهابي بلغة الرصاص، فما الذي جعل هذا يتطرف كل هذا التطرف، وجعل الآخر مقبلاً عليه ويستقبله بهذه الحفاوة؟ أنه لديه درجة عالية من الأمن الفكري ومعرفة حقوق الآخرين كونه مسلماً ينتمي إلى هذا الدين العظيم.
المتطرف وغير المتطرف
هناك فارق بين المتطرف وبين غير المتطرف، فهذه الكلمة التي رحب بها hello my friend هي الكلمة التي جعلت الفكر يتجه اتجاهاً صحيحاً وهي أيقونة الصراحة، فهناك تقصير ولاسيما في المنظمات الإسلامية الغربية لاستغلال هذه الأيقونة في عرض الإسلام بصورته الصحيحة والدعوة للإسلام في المناطق والدول غير الإسلامية.
مفهوم الأمن الفكري
مفهوم الأمن الفكري هو أن يعيش الناس مستأمنين على مكونات عقيدتهم أولا وثقافتهم وعادتهم وتقاليدهم المنبثقة من الكتاب والسنة على فهم الصحابة وفهم سلف هذه الأمة، وهذا هو المعيار الصحيح لأي مشروع إسلامي، فالإسلام منهج حياة يشمل شؤونها جميعها، فهو دين وشريعة وسياسة واقتصاد قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:162)، وقال -تعالى-: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}؛ فهو منهج إسلامي وشريعة كاملة؛ لذلك أي أمر يخضع لمفهوم الأمن الفكري لابد أن يكون منبثقاً من الكتاب والسنة.
أمران رئيسيان
ويندرج تحت هذا المفهوم أمرين رئيسين حتى نعرف كيف نصمم البرامج التي نحمي بها شبابنا والكلام يحمل أكثر من محمل ويأخذنا إلى أكثر من زاوية في الأمن الفكري، وعندما نتحدث عن الأمن الفكري لا نعني به فقط الحدثي عن الإرهاب والتطرف، ولكن هناك أيضًا الانسلاخ التام من الدين وهو أمر غير محمود مثل الإلحاد وغيره من الانحرافات العقدية، فأي مظهر سلبي يساري يبتعد عن الدين هو اختراق أيضا لمفهوم الأمن الفكري؛ لذلك علينا أن نقوم ببرامج تربوية اجتماعية شرعية تحفظ الدين من هذا الانحراف بقدر ما نقوم به من التحذير من المنظمات والتيارات التكفيرية مع ضرورة تحديد المفهوم الصحيح للإرهاب والتطرف.
الحصانة والمناعة الفكرية
يبرز هنا عنصران تحت هذا المفهوم وهما: عنصر الحصانة، وعنصر المناعة الفكرية، فحتى نحفظ الأمن الفكري في أي مجتمع من اليسارية التامة ومن التطرف التام، يجب علينا أن نتحصن.
توجيه أبنائنا
ونعني بالتحصن أن نكفل توجيه أبنائنا وتلبية احتياجاتهم وتطوير مهاراتهم وحقنهم بالحقيقة الصحيحة حتى يواجهوا أي تغير سلبي في الحياة وهذا بنسبة50%، والخمسين في المائة الأخرى المهمة جدًا تتجسد في مفهوم الحصانة الفكرية، ونحن بوصفنا مؤسسات وحكومات وأي إنسان بيده صوت قادر على حماية المجتمع علينا أن نوفر هذه الحصانة، فمن يأتي ويقول احقن أبناءك بالأفكار السليمة وطور مهاراتهم واتركهم في الميدان يصارعون فيه، وهذا خطأ، فأنت بذلك حققت 50% من عناصر الأمن الفكري، وكثير من الناس لا يقبلون هذا العنصر الثاني (الحصانة الفكرية)؛ بل منهم من يصل به الأمر إلى الاعتراض على أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والاعتراض على مبادئ الدين, فإذا لم تكن هناك حصانه سوف نفقد 50% من مفهوم الأمن الفكري.
ديننا الإسلامي
وديننا الإسلامي أسَّس لهذا المبدأ في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليزع بالسلطان مالم يزع بالقرآن»، كثير من الناس تقرأ آيات القرآن كاملة ولا يرتدعون ولا يتأثرون، فيجب أن يكون هناك حصانة وقانون يردع هذا المنحرف حتى لا يؤثر على الآخرين، فمن الآن من يأتينا ويقول ربِّ ابنك واتركه للميدان هذا أمر خطأ بل لابد أن يكون هناك حصانة ووقاية لكل من يستطيع القيام بهذا الأمر، وهذا هو بكل اختصار مفهوم الأمن الفكري.
جولة في عقل إرهابي
هناك سؤال مهم جدًا في مسألة الأمن الفكري وهو كيف تجيش التيارات المنحرفة أبناءنا وتستقطبهم؟ وللإجابة عن هذا السؤال سوف نتجول في عقل إرهابي لنعرف ما العوامل التي ساعدت على انحرافه؟
ومن خلال ذلك سوف يظهر لنا أمر مهم جدًا وهو أن هذا الإنسان يتعرض لمظالم، وهذه المظالم إما شخصية أو اجتماعية أو سياسية، فما المظالم الشخصية؟ إنها تظهر في نقمته على ذاته وشعوره بالنقص، أو شعوره بنقص حاجات لم تلب له من الصغر، والحاجات مهمة جدًا في مفهوم الأمن الفكري، أو تكون عنده مشكلة داخلية وهي ما يدعى بالمظالم الشخصية أو أن المجتمع ليس متقبل هذا الشخص بسبب شخصيته، وهناك مظالم اجتماعية: مثل الفقر على سبيل المثال، وهناك مظالم سياسية، كظلم التيارات السياسية للناس.
الصدى الأيديولوجي
فإذا خضع الإنسان لهذه المظالم أو واحدة منها سيشعر بالنقص بداخله, وهذا النقص سيكون بداية ما يسمى بنقطة استقبال الصدى الأيديولوجي، فهذا الإنسان وهذا الشاب يرى ويشعر أن الإسلام في خطر؛ لذلك يركز أصحاب هذه التيارات على طرح هذا السؤال: ما دورك تجاه الإسلام؟ إنه أول سؤال يسألونه له، فيُحمّلون هذا الشاب ما لا يحتمل، وهذا يسمى بالصدى الأيديولوجي، ويدخل على الانترنت ليتابع أفلاما منها صحيح ومنها مفبرك من المظالم التي تحدث لإخوانه في العالم، ومنها ما هو حقيقي ومنها ما هو مشوه، لذلك يؤيّد خارجيًا بالأفكار التي يوجد بعضها في داخله وهو إحساسه بالظلم.
بيئة خصبة
نقطة الصدى الأيديولوجي مهمة جدًا وهي التي يلعب عليها أصحاب التيارات المنحرفة، وهي رأس الهرم في مواقع التواصل الاجتماعي؛ لذلك نجد أنها بيئة خصبة جدًا لاستقطاب الشباب، وهذه التيارات المنحرفة تعرف ماذا تعمل.
برامجنا ثرية
ومن خلال قراءة التحقيقات التي صدرت مع من انحرف يتبين لنا كيف أن برامجنا ثرية في السيطرة على مثل هذه الانحرافات, فنقطة الصدى هذه مهمة جدًا في مواقع التواصل الاجتمــاعي؛ ميديا لذلك علينا أن نوجه ونعلم الشباب ونضع في برامجنا آليات ومهارات يتعاملون فيها هذه المواقع، وهو ما يسمى بـ(المواطنة الرقمية) بصورة تكفل لهم العقل السليم وردة الفعل والسلوك السليم، وأبسط هذا الضوابط والمعرفة أنه لا يضع بياناته السرية على الانترنت، وهذا أبسط شيء للمواطنة الرقمية، وألا يشارك في حملات نشر لا يعرف مصدرها، ولا يدخل إلى مواقع لا يعرفها ولا يعرف الأهداف منها، بل يتوجه إلى أهل العلم المعتبرين، إلى المواقع الرسمية ولا يشارك في إنشائها.
أزمة شبابنا
نحن في دولتنا مررنا في مرحلة من المراحل بالكثير من هذه الأزمات، وكان الشباب يوجهون من أماكن في الانترنت غير معروفة الآن وبعد مرور سنوات عدة تجاوزنا هذه الأزمة -بفضل الله عز وجل-، إذا سألت أحدهم من الذي كان يوجهك؟ يقول فلو كان هؤلاء الشباب في وقتها يمتلكون آليات المواطنة الرقمية ما خضعوا لهذا التوجيه الخطأ.
الغضب الأخلاقي
بعد أن يتعرض الشاب لنقطة الصدى الإيديولوجي يحدث عنده ما يسمى بالغضب الأخلاقي، ويتحقق ذلك بأن يغضب على المجتمع فلا يصلي بمساجد المسلمين، ولا يذهب إلى الدوام الحكومي... ويبدأ يتحرك بداخله السؤال الذي ذكرناه من قبل وهو: ما دورك تجاه الدين وتجاه الإسلام العالمي؟ إنهم يضخمون هذا الأمر عنده حتى يتمكنوا من توجيهه, بعدها يصبح هذا الشخص أو هذا الشاب في مرحلة قدح الزناد، ويكون جاهز لتنفيذ الأوامر، وهو ما نطلق عليه مفهوم (الذئاب المفردة)، ويصبح هذا الشاب ذئبًا منفردًا يقوم بتنفيذ ما يملى عليه.
كيف تكون ذئبا منفردًا؟
إذا وصل الشاب إلى مرحلة قدح الزناد يبدأ في تنفيذ أهدافهم بالصورة التي يريدونها, لذلك يصل في مرحلة من المراحل إلى قتل أقرب الناس له، ومن هذه الحوادث حادثة سعد الذي قتل ابن عمه واعترف أنه جند عن طريق (الفيس بوك) ولم ير أحدا ولم يصافح أحدا، وقد بايع عن طريق (الفيس بوك) وأدى المهام وكل ذلك حصل لأنه وقع تحت مظالم شخصية، وعنده نقص حاجات لم تكتمل.
الحاجة إلى القوة
ومن الحاجات الشخصية، الحاجة إلى القوة، فالشباب يحتاجون أن يشعروا بهذه الحاجة ولاسيما الشباب في سن المراهقة وما بعدها بقليل؛ لذلك أصحاب الحق الموجودون في المساجد يجب عليهم أن يخاطبوا؛ من خلال هذا المبدأ، نسبة الفتية عندنا في الكويت 60% شباب لذلك لابد أن تشبع هذا المفهوم وهذه الرغبة عندهم من خلال القنوات الشرعية، حتى لا يبحثوا عن القوة في مكان آخر؛ لأنه إذا لم يجدها عندنا وجدها في تلك المواقع التي تضخم عنده الذات فيلقبونه بأبي فلان أو بكنية صحابي، ويشبهونه بالأبطال العظام فيضخموا عنده الاستعدادات الموجودة عنده أصلاً.
مرحلة قدح زناد
هذه المرحلة تنقسم إلى قسمين: الأول ما يسمى بالتطرف الأيديولوجي ويكون في الأفكار والقناعات الداخلية، ثم تأتي بعدها التعبئة والتخطيط، ومهمة الخطباء والمعلمين ومؤسسات المجتمع المدني أن تقف عند مرحلة التطرف الأيديولوجي وهي الوقاية كما ذكرنا، والحصانة والمناعة؛ لأنه إذا انتقل الشاب عن هذه المرحلة يكون الأمر قد خرج من أيدينا، وعندنا في التاريخ الإسلامي حادثه شهيرة جدًا تتمثل في خروج الحروريين ومناظرة ابن عباس - رضي الله عنه - لهم وكان عددهم ستة آلاف رد منهم الثلث بعد ما نفذوا الذي في رؤوسهم، وتذكر المصادر التاريخية أن البقية كلهم ماتوا في معارك خروج على الولاة.
لاتوجد تعليقات