رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. هنادي الشافعي 27 سبتمبر، 2016 0 تعليق

أي الأصناف أنت.. داعية أم ناشط سياسي؟

     بعد ثورات ما سمي بالربيع العربي كان هناك صراع في الرأي داخل التيار السلفي، بين من يؤيد الدخول في المعترك السياسي، أو المراقبة والضغط دون المشاركة، وبين إهمال اﻷمر بالكلية وقد كان لكل فريق ما أراد.

     فاﻷول شارك وكانت رؤيته إنشاء مظلة سياسية للعمل (الدعوي) ﻹفساح المجال للعمل والانتشار؛ مما يمكن القاعدة الصلبة من تبليغ الدين بالتعلم وتعليم الناس ونشر الحق وتربية النشئ.

     والفريق الذي رأى المراقبة والضغط دون المشاركة ساعد الفريق اﻷول سياسيًا قليلا تارة وكثيرًا تارة أخرى، ثم آل اﻷمر إلى ترك المساعدة، بل وأحيانا الخذلان والتخذيل ﻷسباب اختلفت من شخص لآخر ومن مجموعة لأخرى.

     أما الفئة التي ارتأت إهمال اﻷمر بالكلية  فقد أهملته ظاهريا لفترة وجيزة، ثم لم تسلم الفئتان اﻷولى والثانية من النقد (السياسي) الذي كان بدوافع غير منضبطة لا بأصول فكرية ولا بثوابت عقدية .

     ثم آل اﻷمر بالطوائف الثلاث -إلا قليلا منهم - إلى الانشغال بالعمل السياسي، بل والاستغراق فيه بالتحليل والتعليق؛ فلا يتركون شاردة ولا واردة إلا وحللوا وعلقوا، وآل الأمر أن تحول طالب العلم إلى محلل سياسي، وكان يكفي الفريق اﻷول وجود طائفة منهم تؤدي الدور السياسي المطلوب وعدم انشغال السواد اﻷعظم بهم ولا باﻷحداث إلا فيما يطلب منهم حتى لا يشغلهم ذلك عن طلب العلم وإصلاح النفس والآخر.

     كما كان يكفي الفريق الثاني والثالث الذي تحول جزء كبير منه إلى الضغط فقط للنقد الانتقائي غير المنضبط للفريق اﻷول، وكان يكفيه الانشغال بمهامه الدعوية في ظل الانحسار الدعوي ورغبة عامة الشباب عن طلب العلم وإهمال التزكية أو الجنوح إلى التطرف الفكري وأخيرا إلى اﻹلحاد.

      وبرغم أن جهود التيارات السلفية مجتمعة لا تكفي لتغطية المساحات الدعوية المتاحة، ولا الاحتياج الروحي لدى الشباب؛ فقد تخلى عدد غير قليل من الشباب السلفي عن دوره الدعوي والريادي لتزكية الناس وإرشادهم إلى الخير، بل أصبح الانشغال السياسي أحيانًا هروبا من الفشل الدعوي والتأخر العلمي والكسل التعبدي. 

     إن المشاركة السياسية فرض كفاية وضرورة وجودية قام بها بعضهم ليفسحوا المجال الدعوي لمن وراءهم وليكونوا حائط صد لدعوتهم، وهم يتعرضون في سبيل ذلك لأصناف من البلاء والمحن، فإذا قعد من وراءهم عن مهامهم الدعوية فقد خسروا وخسروا جميعًا، وإن استغلوا المساحات الدعوية المتاحة وانشغلوا بها واتسعت القاعدة الدعوية التي تمثل الظهير والسند لهذا الغطاء السياسي فقد نجحوا ونجحوا جميعًا.

     ومعلوم أن من أهم دعائم الفلاح، التركيز في المهام والاستغراق في الجزئيات المنوطة بكل مكلف وعدم التشتت بالانشغال بالجزئيات اﻷخرى، وترك النظرة الكلية للإدارة العليا المنوطة بإدارة المكلفين ومتابعة إنجازهم لمهامهم الجزئية.

     وقد مدح الله -عز وجل- فريقا من المصلين ولم يمدح غيرهم فقال سبحانه: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}، ولا يتم الخشوع إلا بالتركيز في الصلاة وقت الصلاة دون غيرها من أعمال البر، وبالجهاد وقت الجهاد دون غيره، وكذلك الأمر في كل عبادة وعمل؛ فيجب التركيز في عبادة الوقت دون غيرها، حتى نحقق الأهداف الكلية للعمل الجماعي؛  فالتركيز عامل أساس، بل من مقدمات النجاح الأساسية لأي عمل، والمتأمل في حياة العظماء والناجحين يجد بأنهم قد ركزوا في الغالب على أمرٍ معينٍ، وبذلوا أوقاتهم كلها لتحقيق هذا الأمر، وكانت نتيجة هذا التركيز التطوير والابتكار، وتحقيق إنجازات متتالية خدمت الأمة وربما خدمت البشرية جمعاء.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك