رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 2 يوليو، 2023 0 تعليق

أيهما خير: العفو أم استمرار الصراع؟

 

-  (العفو عند المقدرة)، ليس حديثا شريفا ولا آية كريمة، إنما هو مثل من الأمثال، يجري على ألسنة الناس، يقال في حال طلب العفو من إنسان لحق به أذى من آخر، فيتوسم الناس خيرا في المظلوم أن يعفو عن الظالم، ولا سيما إن مكن الله له، وأصبح قادرا لأخذ حقه والبطش بالظالم؛ فيقال له: «العفو عند المقدرة»، هنا ينتبه المظلوم! ويرى أن حال العفو حال عظيمة، وأن أجرها مدخر عند الله، قال -تعالى-: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (الشورى: 40).

- ولكن هناك فئة من الناس فوتت على نفسها أجرا عظيما، وموقفا نبيلا، بالاستمرار في الخلاف والصراع، والبحث عن أي طريقة لإيذاء الخصم، والتضييق عليه، وكأن الدنيا توقفت عنده، ولو فكر هؤلاء بالإنجاز والتجاوز لكان خيرا لهم.

- ومن أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، (العفو) قال -سبحانه-: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (النساء: 149). أي: يعفو عن زلاّتِ عباده، -مع قدرته على تعذيبهم- وعن ذنوبهم العظيمة، فيسدلُ عليهم ستره، ثم يعاملهم بعفوه التامِّ الصادر عن قدرته -سبحانه.

- ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة؛ فقد صفح عن أهل قريش في فتح مكة عندما مكنه الله منهم وأصبحوا أذلاء تحت يديه، بعد ما لقي منهم من أذى ومحاربة لكنه أسماهم: الطلقاء، ولم تتحول مكة إلى ساحة دماء وأخذ الثأر، بل عم التسامح والصفح لبداية عهد جديد من الإنجاز.

- والعفو عند المقدرة من شيم الكرام، فنبيُّ الله يوسفُ الصديقُ -عليه السلام-، عفا عن إخوته الذين حاولوا قتله بإلقائه في البئر، ولما مكن الله له، وأصبح عزيز مصر عفا عنهم وهو قادر على الانتقام منهم، قَالَ -تَعَالَى عن يوسف عليه السلام-: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف: 92).

- فالعفو والتسامح من الأخلاق الحميدة، قال -سبحانه وتعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت: 34، 35) ؛ فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، يتحول هذا الشخص المسيء وكأنه قريبٌ رحيم بك، ومتعاون معك، ولا يوفَّق لخصلةِ العفو {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا}؛ فالنفوسَ مجبولةٌ على مقابلةِ المسيء بإساءته، كما أن الاستمرار في العداوة لا يفيده، ومن تواضع لله رفعه.{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

- وأيضا، «لأن الجزاء من جنس العمل، فمن عفا، عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفرَ غفر الله له، ومن عامل الله فيما يحبّ، وعامل عبادَه كما يحبُّون وينفعهم، نالَ محبّةَ الله ومحبَّةَ عباده، واستوثق له أمره» تفسير السعدي.قال -تعالى-: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التغابن: 14).

٢٦/٦/٢٠٢٣م

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك