رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 22 مارس، 2018 0 تعليق

أيها المعلم.. إصلاح الجيل يبدأ بك فالحسن ما استحسنت والقبيح ما استقبحت

 

قال -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة: 11). قال الله -تعالى-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}(آل عمران: 18)، وقال رسول الله[: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (صحيح سنن أبي داود 3641).

أنت الأثر

     يروى أن رجلاً كان مسافرًا وفي طريقه صحراء قاحلة، والصمت هو المسيطر؛ فلا يسمع إلا صوت الرياح، والجفاف هو عنوانها، فلا يرى فيها حياة، بين متاعه حفنة من بذور غرسها عن يمينه ويساره، وسقاها بقليل ماء يحمله؛ مرَّت الليالي والأيام والأعوام، ويعود الرجل للطريق نفسه بعد سفر طويل؛ فيجد صفوفا من نخيل كثيف تحدد معالم الطريق، بينها أشجار مثمرة، تزينها أزهار جميلة، على جنباتها بيوت عديدة، ويجد خلقا كثيرا، رجال يعملون وصغار يلعبون، يتساءل: من أين أتى هذا؟ مررت من هنا سابقا، ولم أجد إلا رائحة الموت؛ فما بال الحياة قد دبت في أرجاء الصحراء؟! فقيل له: يحكى أن رجلا مسافرًا كان يحمل بين متاعه حفنة من البذور غرسها عن يمينه ويساره مر من هنا وهذا أثره.

      أيها المعلم: غرس البذور يؤتي ثماره ولو بعد حين حتى ولو في صحراء مهلكة، ما دام هناك من يغرس ويزرع ويترك أثرًا، والأمة الآن هائمة على وجهها، تعيش في صحراء التيه والغفلة، تبحث عن سبيل للنجاة؛ فهل من رجل يغرس بذور النجاة في واقع أليم مليء بالتحديات والعقبات؟ يربي، وينصح، ويساهم، ويترك أثرا كما تركه ذلك المسافر.

انتبه أنت الهدف

أيها المعلم: إنك مشروع أمل لأمة تئن حرقة وألمًا، ويتفتت كبدها شوقا لمعلم مخلص يصنع جيلا يعيد لها مجدها وعزها المسلوب.

أنت قارب نجاة، تتعلق به أمة غرقى، تتقاذفها الأمواج، وساحل نجاتها بعيد، تحتاج من يصنع لها طريقا بين تلك الأمواج العاتية. أنت شعاع نور في ليل حالك يملأ جنبات الدنيا، وحتما ستضيء لنا الطريق -بإذن الله.

رسالتي إليك

مهمة كل صادق إنقاذ المجتمع من المشكلات التي علقت به وإزالة تلك التحديات التي تقف في طريق انطلاقته نحو التغيير والإصلاح.

والأمة التي لا تهتم بصناعة الإنسان وإعداده للمستقبل، لا تستحق البقاء والصدارة؛ فكيف إذا شاهدنا انحراف أهم عناصر المجتمع، وهم النشء والشباب- بطريقة تنذر بخطر وشيك في المستقبل القريب لا البعيد؟

     بل في الحقيقة قد غابت عن المجتمعات ثقافة الاهتمام بالنشء أصلا، ولن أكون مبالغا لو قلت إن الشباب الآن صارت السهام تتناهشهم من كل مكان؛ فقد أصبحوا في مرمى نيران الفتن والمكر وكيد الأعداء وخلت الساحة ممن يقدم لهم النصيحة، أو بعبارة أدق: «هو تغييب متعمد للناصحين»، وهذا أمر في غاية الخطورة، ولا نستطيع أن نفسره إلا على أنها محاولة لتغيير تركيبة المجتمعات الإسلامية العربية، وتهيئة جديدة لعقول الشباب من أجل تقبل التبعية العمياء للغرب ليصبحوا مقلدين لهم في أحوالهم وشؤونهم جميعها.

     ولا يخفى علينا ما تشهده بلادنا في الآونة الأخيرة من تحديات غير  مسبوقة على المستوى الأخلاقي والسلوكي والفكري، وهذا الاضطراب الحادث في المجتمع كأنه أمر خطط ودبر بليل، وهي مؤامرة كما يقول شيخ الأزهر أحمد الطيب: «مؤامرة تدار من خلف البحار ومن وراء الستار».

     لذا حق لنا أن نقف وقفة جادة مع أنفسنا ونتساءل: إلى أن يسير المجتمع؟ وكيف يكون مصير شبابنا وفتياتنا وسط ذلك الزخم من المشكلات المحيطة؟ فالتحديات ضخمة وكبيرة، بل صادمة، وتحتاج إلى تكاتف الجميع لإيقاف ذلك الطوفان من الانحدار، ينبغي أن ندرك جميعا أن حجر الزاوية في روح المقاومة والتصدي لتلك المشكلات هو (المعلم). فمنذ القدم والنظرة للمعلم نظرة تقدير وتبجيل، على أنه صاحب رسالة مقدسة وشريفة على مر العصور، فهو معلم الأجيال ومربيها.

إلى حكيم المجتمع

     إن المتأمل في حياة الأمم التي سقطت يجد أنها ما سقطت بسبب قصور عمراني، أو ضعف اقتصادي فقط، ولكنها سقطت بغياب المصلحين، وإن لم تكن أنت -أيها المعلم- المنوط بهذا الدور فمن إذاً؟! فاحذر من التقصير في أداء المهمة والإهمال في القيام بالرسالة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله سائل كل راع ما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه». وأخطر من التقصير في أداء مهمتة ورسالتك هو أن تؤديها تأدية خطأ؛ لأنه بتلك الطريقة يكون المعلم هو الشخص الذي يهدم من حيث لا يدري، فإذا أدى المعلم مهمته بسلوكيات سلبية يسيطر  عليها الفتور وعدم الاكتراث بأهمية الرسالة؛ فستنتقل تلك السلوكيات لطلابه، وتنطبع لديهم المفاهيم المغلوطة، وتنقلب في أذهانهم الحقائق!

ولقد راعى الإسلام هذا الجانب المهم في حياة المجتمع؛ فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».

     فالمعلم ليس موظفا، بل هو في المقام الأول صاحب رسالة تربوية شاملة، وإذا أدرك المعلم هذا المعنى العظيم؛ فإنه سيتفانى في القيام بالدور المطلوب منه حتى لو قصر المجتمع في إعطاء ما له من حقوق. إن المعلم الصالح هو من يسأل نفسه دائماً: هل قمت بمهمتي ورسالتي في بناء القيم والأخلاق والسلوك وضبط نظام المجتمع أم لا؟

والمعلم المخلص هو من يحب رسالته ويكون أمينا عليها، ولاسيما مع مرارة الواقع، وكثرة الفتن والتحديات، وقلة المحفزات.

إن المعلم الصادق هو الذي يقف في الميدان، ويتصدى لما يشاهده في الواقع اليوم من حرب ضروس وحملات للغزو الفكري والأخلاقي التي لا مثيل لها، حاملا سيف العلم والمعرفة ودرع الحكمة والصبر، يرد بهما تلك الهجمات.

     لذلك نقول: إذا وجد المعلم الحاذق صاحب الهم والرسالة والفهم والحرص والحماس فسيوجد المجتمع الصالح- عما قريب بإذن الله-، ولن أكون مبالغا إذا قلت: «المعلم قبل المجتمع»؛ لأنه إن لم يوجد المعلم الذي يؤدي رسالته ويقوم بمهمته سقط الجميع! حتى لو كان المجتمع في أعلى درجات التقدم المادي.

أنت قدوة

     أيها المعلم أنت قدوة شئت أم أبيت، أدركت أم لم تدرك، قمت بدورك أم تخليت عنه، فاعلم أن سلوكياتك وألفاظك واهتماماتك تقلد وتحاكى من قبل طلابك، قال عقبة بن أبي سفيان ناصحا لمعلم ولده: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك؛ فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت».

     أيها المعلم أنت قدوة: طلابك يتأثرون بتصرفاتك معهم ولو بطريقة عفوية، ولأجل ذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر في حديث عبدالله بن عامر رضي الله عنه أنه قال: دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا؛ فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أردت أن تعطيه؟»، قالت أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة».

أيها المعلم أنت قدوة: النفس لديها استعداد لما يلقى إليها من الكلام، ولكنه استعداد مؤقت في الغالب؛ فالنشء يتأثرون بما يشاهدون أكثر مما يسمعون.

أيها المعلم أنت قدوة: اعلم أن رؤية الطالب لصلاتك في مسجد المدرسة، أعمق أثرا في نفسه من إلقاء المحاضرات والمواعظ لحثه عليها.

     أيها المعلم أنت قدوة: قد أسلمك أفراد المجتمع فلذات أكبادهم لتقوم بتربيتهم وتعليمهم؛ فاحرص على تصحيح عقائدهم وعبادتهم ومعاملاتهم وسلوكهم وإكسابهم الأخلاق الفاضلة، دربهم على المهارات التي تنمي تفكيرهم وتوسع مداركهم، وتهذب طباعهم، وتصقل قدراتهم، وتشبع ميولهم وحاجاتهم، وساعدهم على حل المشكلات التي تواجههم؛ فإنك إن أحسنت ذلك؛ فسيخرج الجيل الذي يعلم أبناءك ويربيهم على نحو ما فعلت، وبذلك ينصلح المجتمع جيلا بعد جيل.

فقم بدورك نحو مجتمعك على أكمل وجه؛ لأن المجتمع يصلح بصلاحك، ويستعين بك على تربية ذلك الجيل من الشباب المتحمس لخدمة دينه ووطنه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك