أين موقع الوطن في خلجاتك؟
حب الوطن والانتماء للأمة أمر غريزي وطبيعة طبعها الله في النفوس، وحين يولد الإنسان في الأرض وينشأ فيها ويترعرع عليها، فيشرب ماءها ويتنفس هواءها، ويحيا بين أهلها، فإن فطرته تربطه بها؛ فيحبها ويواليها، وإذا سافر عنها يشعر بحنين كبير وتشوق عال تجاهها.
بل اقترن حب الأرض بحب النفس؛ ففي القرآن العظيم يقول -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} (النساء:66).
بل ارتبط في موضع آخر بالدين، قال -تعالى-: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة:8).
ولما كان الخروج من الوطن قاسيا على النفس البشرية فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم هجرة في سبيل الله، ولما وقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الحَزْوَرة فقال عن مكة: «إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» رواه الترمذي.
فالبشر الصادقون الأمناء الأتقياء الأنقياء يألفون أرضهم على ما بها، وحب الوطن غريزة متأصلة تجعل الإنسان يستريح للبقاء فيه ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم ويغضب له إذا انتُقص؛ فالإسلام لا يغير انتماء الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم؛ فقد بقي بلال حبشيا، وصهيب روميا، وسلمان فارسيا ولم يتضارب ذلك مع انتمائهم العظيم للإسلام وللأمة المسلمة باتساعها وتلون أعراقها ولسانها.
قال -تعالى-: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون:52).
ومن مقتضيات الانتماء للوطن: محبته والافتخار به، وصيانته والدفاع عنه، والنصيحة له والحرص على سلامته، واحترام أفراده وتقدير علمائه، وطاعة ولاة أمره، والقيام بالواجبات والمسؤوليات كل في موقعه مع الأمانة والصدق، واحترام نظمه وثقافته والمحافظة على مرافقه وموارده الاقتصادية، والحرص على مكتسباته وعوامل بنائه ورخائه، والحذر من كل ما يؤدي إلى نقصه. إن الدفاع عن الوطن واجب شرعي؛ وإن الموت في سبيل ذلك شهامة وشهادة، وفي قصة الملأ من بني إسرائيل، قال -تعالى-: {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} (البقرة:246).
فلا نسمح لا لداعش ولا إلى الموالين للشعوبية أن يحدثوا فوضى أو إيذاء أو العبث بأمن بلادنا العظيمة واستقرارها ووحدتها ولا بمدخراتها أو يكون هناك طرح طائفي مقيت يفرق ولا يجمع، ويفرح العدو المتربص بنا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} بل نكون خلف قيادتنا الحكيمة صفا واحدا؛ لنفوت على العدو الحاسد الفاسد البغيض كل محاولته لبث روح العداوة والبغضاء، وليس للخائن مكان بيننا ولا المتلون الحرباء، وأمننا محفوظ -بإذن الله- لا يزعزعه أحد، ثابت لا يحركه أصحاب الأهواء والفتن والضلال، ومن تلبس بجرم الجناية كائنا من كان، لا بد من التعاون على فضحه وتسليمه ليأخذ جزاءه ولا يجوز التسويغ له؛ فإثم من يدافع عنه لا يقل عن إثم المتورط؛ فيجب مقتهم واستحقاق العقوبة الشديدة عليهم، حسبنا الله ونعم الوكيل.
لاتوجد تعليقات