رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فاطمة سعود الكحيلي 22 يناير، 2020 0 تعليق

أين مكاني من الله؟


     سأل أحد الصحابة الفضلاء - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سؤالاً يدل على مكنونات قلب ذلك الصحابي، فقال: يا رسول الله أين مكاني من الله؟ سؤال من أعظم الأسئلة علمًا وفقهًا، إيمانًا وحبًا، فما الذي يشغل بال ذلك الصحابي؟ وما الذي يجول في خاطره؟ وما الهم الذي وخز صدره؟ وما الغاية التي يرنو للوصول إليها؟
 
     إنها حرصه على أن يعرف منزلته ومكانته عند ربه خالقِهِ ورازقِهِ، من يدبر أموره، ويُصِّرف أحواله، من يعلم سرهُ وعلانيته، معرفةُ تكون في الدنيا قبل الآخرة، حتى يطمئن قلبه، وتهدأ نفسه، وتكون الصلة بينه وبين ربه قائمة لا يقطعها قاطع من قُطَّاع الطرق الواقفين على أطرافها يحولون بين الناس وبين ربهم، فيزينون الطرق بالمعاصي من الشهوات والشبهات، والخطرات والخطوات، فلا يدعون صارفًا إلا وضعوه في الطريق إلى الله -تعالى.
 
     فتأتي الإجابة النبوية التي تضع منهجاً للبناء الإيماني، وتؤسس قاعدة يثبت عليها البناء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «مِنَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَالُهُ عِنْدَ الْلَّهِ فَلْيُنْظَرْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ»، قال الشيخ الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 6006 في صحيح الجامع، وهو مروي عند الدار قطني عن الصحابة أنس وأبو هريرة وسمرة بن جندب رضي الله عنهم أجمعين. وعن سمرة بن جندب قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ مَا لَهُ عِنْدَ الْلَّهِ فَلْيُنْظَرْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ،وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ مَكَانٍ الْشَّيْطَانَ مِنْهُ فَلْيَنَظَرِهُ عِنْدَ عَمَلٍ الْسِّرِّ» الزهد لابن المبارك باب: التواضع 1/291، وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَا لَهُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَعْلَمْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ؛ فَإِنَّهُ قَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ لا مَحَالَةَ».
 
     إن العلاقة بين العبد وربه مبنية على التواصل لا الانقطاع، وعلى الاستمرار لا التوقف، وعلى العطاء لا المنع؛ فلا يستقيم أن يكون المسلم والمسلمة للمعاصي فاعلين ويظنون أن صلتهم بربهم حسنة، ويمنعون أنفسهم من فعل الخيرات والمبادرة بالصالحات، ويظنون أن الله يعطيهم وهم يمنعون، والعبد هو أول من يعرف مكانته عند ربه، فلا يحتاج إلى من يرشده ويدله.
 
     وجاء الهدي النبوي ليعلمنا أن من أراد القربى فليتقرب، ومن أراد المحبة فليحب، قال -تعالى- يصف حال أناس لا يريدون القربى فضلا عن معرفة مكانهم عند ربهم قال -تعالى-: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} الزمر:45، وقوله -تعالى-: {قَالَ يَقَوْمِ أَرَهْطِيَ أَعَزّ عَلَيْكُم مّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} هود:92. عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى- قَالَ: «لَمْ تُرَاقِبُوهُ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا تُرَاقِبُونَ قَوْمِي, وَاتَّخَذْتُمُ اللَّهَ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا لا تَخَافُونَهُ».
 
     أيها الإنسان عموماً والمسلم خصوصاً أنت من تختار، وأنت من تحدد معالم حياتك، وأنت ترسم خطوط حظك على صفحات الحياة الدنيا، فأيهما تختار: القرب أم البعد، الصلة أم الانقطاع؟ العطاء أم المنع؟ قال -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الحشر:19.
 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك