رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 5 ديسمبر، 2016 0 تعليق

أين بددت رصيد عمرك؟

     مرحلة الشباب دقيقة ومهمة وثمينة؛ ولذلك خصص لها ربنا -سبحانه وتعالى- سؤالا يوم القيامة «وعن شبابه فيم أبلاه»؟ هذه المرحلة حفظ فيها الشباب القرآن العظيم والسنة النبوية، وأثنوا ركبهم لينهلوا العلم من العلماء، وكانوا صوامين وقوامين حتى تفطرت أقدامهم، وكانوا يحرصون على تعلم السيرة وتعليمها، وعلى علوم العقيدة؛ لذلك خرجوا أجيالا يفتخر بهم الجميع؛ فمازال الخير في شباب الأمة إلى قيام الساعة.

     ولنتكلم بكل صراحة عن تشخيص حالة بعض الشباب من الجنسين في زماننا هذا!! من الابتعاد عن العقيدة الصحيحة حتى وقع بعضهم في الإلحاد، وتركوا المصاحف والمساجد وحلقات العلم، وشبوا على تتبع الموضات في اللباس وقصات الشعر! وبات أكبر همهم تشجيع نادٍ رياضي ما، والحصول على سيارة ودراجة نارية، والسفر، وتصفح رسائل التواصل الاجتماعي حتى وصلوا إلى درجة الإدمان، بل بلغ بهم هذا الإدمان مرافقتهم جلّ نهارهم إلى وقت النوم، ووقت الخلاء، وفي السيارة، والعمل، وبدؤوا في التدخين، ثم التدرج مع المخدرات، ورفقاء السوء، والمعاكسات، وقد غرق الكثير منهم في وحل الفساد والانحراف بكل أنواعه، وما أكثر من أخذ القروض للدخول في مشاريع تجارية فاشلة! وكم آذوا الوالدين في عقوق وعصيان، وكم تزوجوا وطلقوا لأتفه الأسباب، إنهم في غفلة معرضون! وصل الحد ببعضهم إلى تشبه الرجال بالنساء، والعكس! ولا توجد عندهم أرضية علمية دينية ثابتة، فيهوي مع أول فتنة تجرفه من النساء والأموال والجاه!!

     لقد فقدوا رصيد أعمارهم، وبددوا أوقاتهم، وأضاعوا أجمل أيام العمر وأحلاها في غير مرضاة الله!! فلا يهتمون بعظائم الأمور، بل جل اهتماماتهم بسفاسفها. والاستمرار على هذا الإعراض والتخلي عن العقيدة والقيم والأخلاق، سيؤدي حتما إلى نتيجة غير مرضية؛ حيث سيكون معول هدم ما لم تتدارك الأمة تبعات هذا الانفلات وآثارها ونتائجها عندما يفسد الشباب ويضيع رصيده ومخزونه وسط إهمال تربوي واضح، ولا يملك الوالدان إلا النصح على استحياء، ومع دموع تسكب، ولسان يلهج بالدعاء، وانتظار يوم يُطوى ويوم جديد يأتي دون تغيير حقيقي يذكر!!

     فالواجب علينا استشعار حجم المسؤولية وخطورتها في الحاضر والمستقبل على البلاد والعباد، ودعوتهم وتوعيتهم لحب الفضائل وتحذيرهم من مسالك الرذائل، وبيان أنهم المقصودون في مؤامرة منظمة لإفسادهم وصدهم عن دينهم إن استطاعوا، وتعريفهم بأنفسهم أنهم مصدر قوة الأمة ورجائها وازدهار الأوطان، والثروة الحقيقية ورصيدها، وضرب أمثلة لسلف الأمة ماذا فعلوا في مرحلة شبابهم؟ فها هو ذا مالك بن الحويرث رضي الله عنه يقيم عند النبي صلى الله عليه وسلم  عشرين يوما لينهل منه العلم ليتعلم ويتربى ويعلم بعد ذلك، وعتاب بن أسيد رضي الله عنه عيّنه صلى الله عليه وسلم واليا على مكة يدير شؤونها، ويقوم بمصالحها وهو لم يتجاوز الواحد والعشرين عاما، وكلف أبو بكر زيد بن ثابت -رضي الله عنهما- وهو شاب لجمع القرآن، وقبلهم علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- وهما شابان يكلفهما بالدعوة في اليمن، ومصعب بن عمير وهو شاب يكون سفيرا في المدينة المنورة، وأسامة بن زيد قائدا لجيش يفتح الشام رضي الله عنهم أجمعين.

     فالشباب عندما يلتزمون يحملون العقل السوي، والحزم القوي، ويحرص كل منهم على صحته من خلال الطعام والشراب الحلال، ويجتنب الحرام مهما زينوا له: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ويحرص على الوسطية في الدين، فلا تطرف ولا غلو.

الشباب يعيش في عالم ممتلئ بالتحديات، ومزدحم بالمؤثرات والأفكار والقيم والتصرفات المغايرة للإسلام.

والشباب في أمس الحاجة للقدوة الحسنة والشخصية السوية التي يتأثر بها بعيدا عن شخصيات مفروضة عليه في الإعلام والرياضة وعالم الشهرة, قال الشاعر:

إذا صحبت القوم فاصحب خيارهم

                                         ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

                                         فكل قرين بالمقارن يقتدي

والحياة ليست للهو ولا للعب بل عبادة وعمل وحقوق وواجبات: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

نسأل الله أن يصلح أحوالنا جميعا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك