رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 25 أبريل، 2011 0 تعليق

أول هـــيئـــة شــــــــــــرعيــــــة تولــــــد من رحم الثورة في مصر (1-2) الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح

 

لا شك أنَّ الدعوة السلفيَّة قد سجّلت في الآونة الأخيرة حضورًا فاعلاً وبارزًا في الساحة العربيَّة والإسلاميَّة، وهو الأمر الذي أهَّلها لتكون إحدى القوى الرئيسة والمؤثرة في ساحة تلك المجتمعات، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذا الحضور ولاسيما في صراع القيم والمفاهيم والمعتقدات الدائر بين الدول الغربيَّة بقيادة الحلف الأمريكي الصهيوني من ناحية والمجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة من ناحية أخرى في الفترة الماضية.

          وقد تعاظم الدور الإصلاحي للدعوة السلفيَّة في مصر على وجه الخصوص في السنوات العشر الأخيرة وكان لها دور كبير وواضح في أسلمة المجتمع المصري وتحول شرائح كبيرة من شرائحه نحو التدين والالتزام.

         ولا شك أنَّ ما شهدته مصر مؤخرًا من تَغيُّرات سيفرض على الدعوة السلفيَّة -شاءت أم أبت- ضرورة التفاعل مع هذه التغيرات بصورة أو بأخرى، فليس من المعقول مقاومة هذا التغيير والبقاء على الرؤى والتوجهات القديمة نفسها، وليس من المعقول كذلك تضييع فرصة استثمار المساحة الكبيرة من الحريات التي ستتاح في الفترة المقبلة، وهذا بالطبع مرهون بالحفاظ على ثوابت المنهج السلفي الأصيل وأصوله.

         ومن منطلق مسؤوليتنا وحرصنا على تفعيل دور التيار السلفي في عملية الإصلاح المجتمعي بكافة أبعاده كان لابد لنا من فتح هذا الملف واستكشاف الرؤية السلفيَّة للإصلاح وإلى أي مدى يمكن الاستفادة من هذه التغيرات في تحقيق تلك الرؤية، كذلك كان لابد من التعرف على موقف الدعوة السلفيَّة في عدد من القضايا المحوريَّة التي تمثل ملفات شائكة سواء فيما يتعلق بالسلفيين أم بغيرهم .

         ونحن اليوم مع إحدى المبادرات الفاعلة والمتميزة على طريق الإصلاح المنشود، وهي هيئة علميَّة إسلاميَّة وسطيَّة مستقلة، تتكون من مجموعة من العلماء والحكماء والخبراء، وتنطلق في وجودها من قوله تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود:88) وتتخذ من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ} (النساء:135) شعارًا لها، ألا وهي الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح أول هيئة شرعية تولد من رحم الثورة.

وقد قامت تلك الهيئة على مجموعة من القيم والمبادئ التي تمثل منظومة متكاملة من ضوابط التفكير والسلوك وعوامل التأثير في اتخاذ القرارات، ومن أبرز تلك القيم ما يلي:

1- المنهجيَّة الأخلاقيَّة في العلم والعمل.

2- الشموليَّة في الطرح والتناول لمختلف القضايا.

3- الشورى في القرارات العلميَّة والعمليَّة.

4- التخصصيَّة.

5- التواصل والتعاون.

6- تقدير الآراء والأشخاص دون تقديس.

7- رعاية الحريات الإنسانيَّة والحقوق المشروعة.

8- الجمع بين مصادر المعرفة الدينيَّة والدنيويَّة.

9- الوسطيَّة الشرعيَّة.

وتنطلق الهيئة لتحقيق عدد من الأهداف الرئيسة في المجتمع المصري، وهي:

• البحث في القضايا والمستجدات المعاصرة، بما يساعد على حماية الحريات والحقوق المشروعة وتحقيق العدالة الاجتماعيَّة.

• إيجاد مرجعيَّة راشدة تُحْيِي وظيفة العلماء والحكماء في الأمَّة، لمعاونة أهل الحل والعقد في تدعيم الحريات وتحقيق الإصلاح.

• العمل على وحدة الصف وجمع الكلمة، وتقديم الحلول للمشكلات المعاصرة وفقًا لمنهج الوسطيَّة النابع من عقيدة أهل السُنَّة والجماعة.

• حماية الحريَّات الإنسانيَّة، والحقوق الشرعيَّة.

• التنسيق مع مختلف القوى والمؤسسات الإسلاميَّة  والشعبيَّة لتحقيق الأهداف المشتركة، وترسيخ القيم الإسلاميَّة  في الحياة المعاصرة بما يعيد بناء الإنسان وتنميته لإحداث نهضة حضاريَّة شاملة.

وتتخذ الهيئة عددا من الوسائل الشرعية لتحقيق تلك الأهداف، أهمها:

• تشكيل لجان متخصّصة ذات مهام دائمة أو مؤقتة ويعهد إليها القيام بالأعمال التي تحقق أغراض الهيئة وأهدافها.

• عقد الاجتماعات الدورية والطارئة لاتخاذ المواقف المناسبة وبحث القضايا المهمة أو العاجلة.

• عقد الندوات والملتقيات التي توضِّح رأي الهيئة في القضايا المثارة.

• إصدار البيانات ومكاتبة ومحاورة الأفراد والجهات والهيئات الرسمية وغير الرسمية.

• إنشاء موقع إلكتروني على شبكة المعلومات الدولية يتضمن بحوث الهيئة وأنشطتها وأخبارها.

• الاستعانة بالخبراء والمتخصصين للاستبصار فيما يعرض من قضايا معاصرة.

• التفاعل المباشر مع وسائل الإعلام المختلفة.

• إصدار دورية أو مجلة باسم الهيئة تتضمن البحوث والمقالات العلميَّة.

• عقد ندوات ودورات علمية مختلفة، وبرامج متخصصة.

• وللهيئة أن تتخذ من الوسائل والأساليب المشروعة ما تراه محقِّقًا لأهدافها.

وتنقسم الهيئة إلى عدد من اللجانٌ هي:

• لجنة البحوث العلميَّة.

• لجنة الحقوق والحريات الإنسانية.

• لجنة الشباب وخدمة المجتمع.

• لجنة التقنية والإعلام.

• اللجنة الإدارية والمالية.

- كما أن الهيئة تضم عددا من الرموز من العلماء والحكماء والخبراء والمتخصصين على رأسهم:

أ.د. نصر فريد واصل - رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.

أ.د. علي أحمد السالوس- نائب رئيس الهيئة.

د. محمد يسري إبراهيم - الأمين العام للهيئة.

كما تضم الهيئة عددا من رموز الدعوة في مصر، ونذكر منهم على سبيل المثال:

أ.د. محمد عبد المقصود - باحث شرعي وداعية إسلامي.

د. محمد إسماعيل المقدم - باحث شرعي وداعية إسلامي.

د. هشام عقدة - باحث شرعي وداعية إسلامي.

الشيخ نشأت أحمد - باحث شرعي وداعية إسلامي.

 د. سيد حسين العفاني - باحث شرعي وداعية إسلامي.

        وتقوم الهيئة بعدد من الفعاليات والأنشطة أهمها: عقد اجتماعات دورية وطارئة لاتخاذ المواقف المناسبة لبحث قضايا الأمة المصيرية، كما تعقد الندوات والملتقيات التي توضِّح قولها في القضايا المثارة، كما تصدر الهيئة البيانات وتكاتب الأفراد والجهات والهيئات الرسمية وغير الرسمية.

        وفي هذا الحوار مع الأمين العام للهيئة الدكتور/ محمد يسري أكد فضيلته في البداية على أهمية دور العلماء والحكماء في الفترة المقبلة فقال: «إن التحولات التي مرَّت بها مصر هي تحولات كبرى تستوجب أن يكون للعلماء والحكماء فيها مشاركة فعالة، وتوجيه مؤثر، وريادة حقيقية، فهي تنتظر الآن كلمة صادقة، وهداية ناصحة فيما نزل بها من ملمات وخطوب ستؤثر ولا بد في مجريات الأمور، ليس في مصر فحسب، بل في العالميْن الإسلامي والغربي على حد سواء».

-  بداية بارك الله فيكم، كثر الكلام عن اضطراب الموقف السلفي في التعامل مع الأحداث الأخيرة في مصر، وأن السلفيين لم يجيدوا قراءة الأحداث قراءة واعية وتلونت مواقفهم تجاهها، فما رأيكم في هذا الكلام؟

- لا شك أن اضطراب الموقف السلفي كان في بداية الأمر، وهذا الاضطراب نتيجة لأسباب عدة أهمها:

- أولاً: أن السلفيين يتعاملون مع نازلة لا عهد لهم بها.

- الأمر الثاني: أنهم ينطلقون من منطلقات شرعية يحتاجون أن يراجعوا هذه المنطلقات.

- السبب الثالث: أن هذا الأمر تتدافع فيه المصالح والمفاسد، وتدافع المصالح والمفاسد يوجب اختلاف الرأي في تقديرها وفي حسابها وفي ترجيحها.

- وأخيرًا: فإنَّ السلفيين عاشوا مرتهنين في زمن طغيان وفساد واستبداد؛ فخروجهم وقيامهم وظهورهم قد يكون سببًا في عودة الدائرة والكرّة عليهم لمزيد من الطغيان والفساد والاستبداد.

       وكل ذلك أدى إلى اضطراب هذه المواقف، وبالتالي حين بدأت الأمور تتضح عاد كثيرٌ منهم إلى وحدة الموقف.

       على أنَّ طائفة من السلفيين منذ اللحظة الأولى قد أعلنت موقفها بوضوح وبصراحة، وهذه الطائفة رموزها معلومة ومعروفة، وخطبها موجودة ومسجلة ومنقولة، ولها بيانات ظهرت وعُرفت وانتشرت.

          ويكفي أن الهيئة الشرعية التي نتحدث عنها الآن أو عن بعض مناشطها أصدرت بيانها الأول للأمة، وبينت فيه أنَّ الذي يجري من المظاهرات السلمية والمطالبات المنضبطة لا يُعَدُّ خروجًا على الشرعيَّة ولا خروجًا على حاكم ولا مخالفة للشريعة الإسلاميَّة؛ فقادت بمثل هذا البيان وهذه التصريحات الجموع، سواء كانوا من عامَّة السلفيين أم من خاصتهم.

        وعلى كل حال ليكن معلومًا ومعروفًا أنَّ السلفيين موجودون ومعروفون ولهم دورهم البارز لكن الإعلام يتجاهل ذلك،  وهذا التجاهل له أسباب سواء كانت الأسباب مدفوعة من الخارج أم كانت الأسباب من الداخل، وسواء كانت الأسباب أسبابًا علمانية إو ليبرالية أم ديمقراطية، إلى آخر هذه المصطلحات التي تقصي الآخر في النهاية إذا كان الآخر إسلاميًا، أو كانت الأسباب لها بُعد أمني، ففي النهاية هؤلاء موجودون ومعروفون ولهم دورهم ولهم كتبهم ومؤلفاتهم وتلامذتهم وجمهورهم، عَلِمَ ذلك من عَلِم من العامة، وجهل ذلك من جهل منهم.

        أما الجهات السياسية والجهات الأمنية والجهات الرسمية، فتعلم حجمهم وتعرف قوتهم وتعرف قدراتهم وتعمل على تحجيمها وتقليصها والحدِّ منها.

        والسلفيون لم يكونوا غائبين وغير موجودين ثم وجدوا فجأة؛ بل هم موجودون ويعملون ويدعون إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، ويواجَهون سياسيًا وأمنيًا، ويُعتقلون ويُسجنون ويُعذبون ويُضطهدون، ولكن هذه الصحف التي كانت تعمل لحساب جهة واحدة وطرف واحد تُغيِّب هذه الأخبار، فما ذنبهم إن كان الناس لم يعرفوا عنهم كثيرًا؟!

        ولهذا أنا أدعوا الناس أن ينظروا إلى هذه الجموع بعقول متفتحة مشرقة تقيس الأمور وتتعرف على البواطن، وتبحث عن البواعث وتعرف الأهداف والمقاصد ثم تزن ذلك بميزان الحق والعدل.

        أمتنا أمة نقادة لا ينطلي عليها الغش ولا يمر بساحتها الزور وهي تستطيع أن تعرف التقي من الدعي، وتستطيع أنْ تفرق لكن متى ما وصلت إليها المعلومة صحيحة وانكشفت لها الأمور بوضوح، وهي مدعوة الآن لأن تكتشف وأن تبحث وأن تسأل وأن تقرأ وأن تتعرف على هؤلاء الناس الذين كانوا في حسها غائبين أو مغيبين أو انطلقوا كما يقولون من الجحور، هم لم ينطلقوا من الجحور وإنما انطلقوا من المساجد، عرف ذلك من عرفه وجَهِلَ ذلك من جهله.

- كيف ترون الهجمة الشرسة التي يتعرض لها السلفيون في الآونة الأخيرة؟

- الهجوم على السلفيين ليس هذا وقته؛ نوجه هذا السؤال لجموع العلمانيين ولجموع المتغربين ولجموع الإعلاميين الذين امتهنوا الهجوم على الإسلام وثوابته ورموزه، الذين امتهنوا الحرب الإعلامية والفكرية على دين الله عز وجل، نقول: ليس هذا الوقت المناسب لهذه الهجمة على طائفة معروفة بعلمها وعملها وخيرها وبرها وبركتها، وإن وجدت في هذه الطائفة أخطاء أو مخالفات أو انحرافات فإنَّ الأولى أن تواجه هذه الانحرافات على الأقل كما يواجه العلمانيون برفق، أو كما يواجه الليبراليون بتؤدة، أو كما يواجه المفسدون والمرتشون برفق بالغ وبعناية وحساسية شديدتين، وإذا طولب بشيء أشدّ قيل: يجب أن تراعي حساسية الموقف والظرف الذي تمر به الأمَّة.

        فالسؤال مقلوب على هؤلاء، وهو: هل هذا وقت مناسب للهجوم على هؤلاء الذين يَحْدون الأمَّة إلى سبيل رشدها ورشادها، وفي الوقت نفسه أقول: إننا سوف نلتمس عذرًا لهؤلاء، لماذا نلتمس العذر؛ لأنهم عاشوا عقودًا وهم يتسيدون الموقف ويقودون الأمَّة إلى الهاوية حتى ظنوا أنهم الحُداة وأنَّهم الهداة وأنهم أولى الناس بالرشاد على منطق الذي قال: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}.

        ظنوا أنفسهم كذلك، ومن كذبهم وزورهم وإفكهم وبهتانهم صدَّقوا أنفسهم فصاروا يظنون أنهم المصلحون وأنهم أصحاب الرأي وأصحاب الهُدى، على حدِّ قول الله عز وجل: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون}، فهؤلاء يَرَوْن البساط يُسحب من تحت أقدامهم، وأنَّ الأمَّة تستعيد وعيها وتفيق إلى سابق عزها ومجدها، وتراجِع دينها وكتاب ربها، فلا شك أنَّ هذا يزعجهم ويقلقهم، فيشنون الغارة ويعلنون الحرب على الإسلام وأهله الصادقين، لا السلفيين فحسب، بل كل أهل الإسلام الصادقين يواجَهون مواجهة واحدة وعلى قدم المساواة؛ لماذا؟ لأن هذا يعني غياب دولتهم وذَهاب ملكهم..!!

        لقد سئم الناس وملّوا الظلم والطغيان والفساد والاستبداد والاستعباد، ويحتاج الناس أن يتنفسوا هواء الحرية بعيدًا عن هذه الوجوه الكالحة والأقلام المسمومة المأجورة؛ ولذا يحاول هؤلاء بما معهم من فلول وما بقي معهم من قوى أن يواجِهوا لعلهم يكسبون جولة خاسرة يظنونها رابحة، هذا هو السبب؛ لهذا ما يحدث ليس خارجًا عن السياق وليس أمرًا مستغربًا بل هو أمر متوقع.

- استنكر بعضهم إعلان السلفيين عن نيتهم خوض غمار العملية السياسية في مصر، وأنَّهم سيكون لهم حضور في الانتخابات المقبلة سواء من خلال تكوين حزب سياسي، أم و من خلال الترشح في الانتخابات المقبلة، فما ردكم على الطاعنين في هذا الموقف؟

- معلوم أن ممارسة السياسة ليست حكرًا على أحد، فهي ليست حكرًا على العلمانيين والليبراليين، وليست حكرًا على المستغربين وحدهم.

        وليس معنى أنَّ السلفيَّة لم تكن تمارس السياسة في العقود الماضية أنها كانت تأخذ موقفًا رافضًا أو معاديًا، وإنما هي لم تجد فرصة ولم تجد رئة تتنفس منها هواء حرية سياسية أو سبيلاً يمكن من خلاله أن تمارس حقوقها السياسة، إنها لم تجد هذا فلماذا نطالبها به؟! إنه لم يكن سبيل إلى ذلك.

        والانتخابات الأخيرة تشهد بذلك، فمعلوم أنَّ 97% من مقاعد هذا المجلس كانت للحزب الوطني، وهي مقاعد مزورة؛ فماذا تريد مني؟! أن أدفع أموالي فأخسرها؛ وأن أواجَه بالعنت والبلاء والشدة والعَناء ثم لا أحصد إلا الهواء؟! أخسر أموالاً في دعاية انتخابية أعلم سلفًا نتيجتها؟!

تقول لي: لماذا تمارس السياسة الآن؟!

       أمارس السياسة الآن لأنني أرجو أن يكون هناك مناخ للحرية أستطيع من خلاله أن أنفذ إلى الناس فأخاطبهم، ثم إنَّ السياسة ليست حكرًا على الفاسدين ولا على المنافقين، السياسة يمكن أن يمارسها كل أحد بموجب هذا الدستور الذي يحتكمون إليه، والذي يكفل لكل أحد ممارسة السياسة ويكفل حق الترشح، بل الأصم والأعرج والأعمى ومختل العقل له هذا الحق في هذه البلاد؛ فلماذا تعطي هذا الحق لهم ثم تحرم بعض طوائف المجتمع المرموقين فكريًا وعلميًا ومنهجيًا وأخلاقيًا وسلوكيًا ودينيًا؟!

        بأي منطق نحرمهم من هذا الحق؟! إنَّه منطق الكيل بمكيالين الذي لا يثمر إلا مزيدا من الشقاق والفساد والعناد.

        ومن عَجْب أنَّ الحوار الذي دُعي إليه باسم الحوار الوطني استبعد كل الرموز السلفيَّة والمرجعيات السلفيَّة الموجودة على أرض مصر مع أنها ملء السمع والبصر في هذه البلاد، ومعنى هذا أن هذا الحوار سيكون حوارًا علمانيًا في جملته، ليبراليًا في معظمه، ومعنى هذا أنه حوار أشبه ما يكون بحوار الطرشان؛ لأن كل واحد يتكلم بما يتكلم به الآخر ولا يستمعون إلى مخالفيهم، عليهم أن يستمعوا إلى المخالف إذا كانوا يريدون بهذه البلاد خيرًا أو صلاحًا أو فلاحًا.

        ومصر ليست حكرًا على فئة دون أخرى، ففي السلفيَّة علماء، وفي السلفيَّة أطباء، وفي السلفيَّة مهندسون، وكل هؤلاء منفتحون على عصرهم متسلحون بثقافة علومهم، ولهم قدرة وقيادة على أن يقوموا بواجبهم في مجتمعاتهم.

        مرة أخرى أنا أحذر من الكيل بمكيالين والنظر بعين عوراء نحو هؤلاء وبأخرى سليمة نحو مخالفيهم، والله المستعان.

> يتهم بعضهم السلفيَّة بأنها لا تملك المرونة الكافية للتعامل مع الآخر، وأن المنتمين إليها يتعاملون مع الآخر بالرفض والإقصاء، فضلاً عن أنهم يتميزون بضيق الأفق ولا يجدون إلا العنف وسيلة للتعبير عن أفكارهم؟

< السلفيَّة في تاريخها القديم والمعاصر لا يمكن أن تُنْسب لهذه الاتهامات الباطلة، لماذا؟ لأنها كما قلت لك ابتداءً تمثل الإسلام الصحيح الخالص من كل شائبة، البعيد عن كل بدعة.

فالمخالف في أصل الدين كان يلوذ بابن تيمية، فقد رأيناه -رحمه الله تعالى- وقد ذهب يفكّ أسرى المسلمين من أيدي التتار، فلمَّا ذهب وتكلم فيهم أخرجوا له الأسارى من المسلمين، ثم عَلِمَ أنَّ في الأسارى ناسا من أهل ذمتنا من النصارى، فطلب فك أسرهم أيضًا، فقالوا له: لقد أعطيناك أهل ملتك فانصرف، قال: لا أنصرف من هنا حتى يُفَكّ أهل ذمتنا فإنَّ لهم حقًا علينا، وما قَبِلَ رحمه الله تعالى أن يغادر حتى أخرجوا له الأسرى من النصارى، هذا من سعة أفقه وعدله ورعايته وعنايته وحمايته لأهل الذمة.

ومع المخالفين في السُنَّة رأيناه يعذرهم ما لا يعذر الطوائف الأخرى، رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يحرص على هؤلاء ألاَّ يخرجوا عن الملة، وألا يخرجوا عن دائرة الصلاح والنجاة، رأيناه يدافع عنهم وينافح، فرأيناه يتعامل مع الأشاعرة تعاملاً فريدًا نادرًا وقد ردَّ عليهم في كتبٍ كثيرة، رأيناه يقول عنهم: «فيهم من الموافقة للسنة ما ليس عند غيرهم من الطوائف الأخرى»، رأيناه يقول: «إن هذه الطائفة ما وافقت فيه السنة فهي من أهل السنة، وما خالفت فيه فهي ليست من أهل السنة»، كل هذا إنصاف وكل هذا من سعة الأفق الذي تمتع بها هذا الشيخ الجليل الذي تنتسب ليه السلفيَّة.

ومرة أخرى أقول: لست مسؤولاً ولا مدافعًا ولا منافحًا عن فئةٍ من فئات السلفيَّة بعينها على أرض مصر ولا على أرضٍ غير أرض مصر، وإنما أدافع عن هذا المنهج وأنافح عن هذه القواعد التي تبناها كل من انتسب إلى منهج أهل السنة والجماعة، هذا دفاعٌ عن هذا المنهج وعلمائه الكبار الذين قادوا مسيرة هذه الأمة عبر القرون.

> بماذا تنصح الشباب في مثل هذه المحنة ولاسيما أنهم يرون دعوتهم ومنهجهم وعلماءهم يهاجمون بهذه الطريقة ليس من جبهة واحدة ولكن من جبهات كثيرة؟

< أقول: إن السبيل الذي أراه صحيحًا واضحًا بيّنًا هو إشاعة العلم بدلاً من الجهل، والطريق الذي أراه مستقيمًا واضحًا على الشباب أن يلتزموه هو إشاعة الدعوة وعدم استعمال القوة؛ لأن استعمال القوة يؤجج الفتن ويُهيِّج الصراعات بين الأمة ويبعثر جهودها، ثم إنَّ الدعوة إلى الله تعالى هي التي يبقى أثرها، أما القوة فتأتي وتزول، وتوجد أحيانًا ويفقدها الإنسان أحيانًا أخرى، وعلى الشباب أن يهتموا بتغيير ما في القلوب من معتقدات وما في النفوس من أفكار؛ فإنَّ هذا هو الذي سيضمن بقاءً واستمرارًا للخير والمعروف وزوالاً وانتهاءً للمنكر، وعلى كل واحد أن يتدبر في عواقب أمره وأن ينظر في مآلات فعله؛ فإن النبي[ كان يراعي نتائج التصرفات وكان ينظر في المآلات، رأيناه[ يتعامل مع المشركين بأن يترك سب آلهتهم لأن هذا سيفضي إلى سب الله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم}.

إذًا لا نكون سببًا في سبِّ الله تعالى لإنكار منكر بعينه، ولا نكون سببًا في إراقة دماء المسلمين، ولا نرغم الناس أو نأطرهم على الحق؛ فهذا للسلطان وليس لآحاد الناس.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك