رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 14 ديسمبر، 2022 0 تعليق

أول إنتاج علمي للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله – كتاب: الرحمن على العرش استوى

قراءة في كتاب

د. خالد سلطان السلطان

 

بعد رحلة طويلة ومشرقة قضاها شيخنا الوالد عبدالله بن خلف السبت -رحمه الله- في مجال العلم والدعوة إلى الله حتى انتهت هذه الرحلة المباركة بقدر الله بوفاة شيخنا في 19شوال 1433 الموافق 7/9/2012، فتوجهت الهمة لجمع مؤلفات شيخنا الراحل؛ فقام د.خالد جمعة الخراز، و د. خالد سلطان السلطان بإخراج مجموع مؤلفات الشيخ عبدالله بن خلف السبت، وهو أول عمل جمع علوم الشيخ -رحمه الله- كان ذلك في عام 1438 / 2017، وكان عمل الباحثين هو جمع كتب الشيخ ورسائله وترتيبها بحسب سنة الطبع والتعليق عليها بالتخريج لأحاديثها، وشرح بعض الغريب من كلماتها، وتصويب أخطائها الطباعية، مع إعداد ترجمة مختصرة لمؤلفها -رحمة الله عليه- وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله خير الجزاء.

     بين أيدينا اليوم قراءة في أول إنتاج علمي للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- وهو كتاب: (الرحمن على العرش استوى)، الذي طبع عام 1396هـ - 1976.

سبب التأليف

ذكر الشيح -رحمه الله- أنه كتب هذه الرسالة على وجه الاضطرار؛ وذلك لأمور عدة أهمها:

- عدم عناية الكتاب الإسلاميين بموضوع تنقية العقيدة وما خالطها من شرك وانحراف.

- التركيز على جانب واحد من مواضيع العقيدة وهي أدلة إثبات وجود الله وعظمته وإهمال باقي الجوانب المهمة من ذلك الموضوع، وعدم أخذ العقيدة والتوحيد وحدة متكاملة.

- معالجة بعضهم لقضايا توحيد الأسماء والصفات دون تمييز بين الغث والسمين؛ فكانت النتيجة وجود اعتقاد يقود أصحابه إلى الكفر بالدين والمروق منه، وتأثر بعضهم بمذاهب الفلاسفة وطريقتهم في الفهم.

- ابتليت الأمة بفرق أولت النصوص وحرفت المنطوق، حتى أخرجت نصوص الوحي وجردتها عن حقيقتها ومعانيها الواضحة التي جاء بها رسول الله، ونقلها السلف عنه من الصحابة ومن سار في فلكهم.

- دخول المنهج العقلاني (الأشعري والمعتزلي) والباطني (الصوفي وغيره) في كليات العالم الإسلامي وجامعاته إلا من رحم، وبه فسدت عقائد الناس.

- تبني بعض الجماعات لفكرة التهوين من أمر العقيدة وأنها سبب لتفريق المسلمين -زعموا.

     من أجل هذه الأسباب كلها جاء كتاب (الرحمن على العرش استوى)؛ ليعالج قضية تنقية العقيدة مما شابها من انحرافات، ولتكون ردا على من تبنى فكرا باطنيا أو عقلانيا منحرفا قاد لفساد الأمة وإفسادها.

من أهم أسباب الإلحاد والكفر بالدين

     يرى الشيخ -رحمه الله- أن من أهم أسباب الإلحاد والكفر بالدين هو وجود كتب ملأت بها رفوف المكتبات تحمل في طياتها السم الزعاف؛ لذا وجب الوقوف أمام كل هذه الانحرافات كما وقف السلف -رحمهم الله- وردوا الشبهة بالحجة، وقمعوا البدعة بالسنة، وأبطلوا التحاكم للعقل والهوى بالتحاكم للكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.

فمن الحمق أن يظن بعض الناس أن السلفية مذهب أنشأه المتأخرون، والحقيقة أن السلفية هي الإسلام النقي الصافي.

     وأمام كل هذه الانحرافات فإننا ندعو إلى تصفية ما نسب للإسلام، وإظهار الإسلام الصحيح، ثم تربية الناس عليه، وهو ما يعبر عنه شيخنا الألباني بالتصفية والتربية.

     فشل الجماعات التي قامت للدعوة يرجع إلى أنها لم تنتهج هذا النهج، وجمعت تحت سقفها شتاتا من الناس يحملون أفكارا متفاوتة؛ فكان أن قضت على نفسها. وأما الدافع الأساسي لتخصيص مسألة (علو الله واستوائه على عرشه) هو ما يشيعه بعض أرباب التصوف وبعض الوعاظ من أن الله في كل مكان، حتى بدت هذه العقيدة الباطلة مُسلَّمة وأولية عند الكثير.

     فرأى -رحمه الله- أن من إحقاق الحق وضع الأمور في نصابها، وأن يبين ما جاء فيها من آيات وأحاديث؛ حتى يقطع باب اللعب بالنصوص من خلال سرد أقوال السلف من الصحابة والتابعين، وليعلم الجميع أن القول بأن الله مستوٍ على عرشه هي عقيدة الأمة، ويحكم على من خالفها بأنه شاذ عن الأمة.

أولا الأدلة من القرآن الكريم

     استدل الشيخ -رحمه الله- بواحد وعشرين دليلا من القرآن منها: قوله -تعالى-: {الرحمن على العرش استوى}، وقوله -تعالى-: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} وقوله -تعالى-: {إليه يصعد الكلم الطيب} وقوله -تعالى-: {من الله ذي المعارج} وقوله -تعالى-: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}.

ثانيا: الأدلة من السنة المطهرة

     واستدل -رحمه الله- بعشرين حديثا نبويا صحيحا ما بين تصريح وصريح ومنها: «سأل رسول الله جارية معاوية السلمي فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال اعتقها إنها مؤمنة» وحديث: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وقال رسول الله في حق من تأبى على زوجها فراشه: «إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها»، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولا يصعد إلى الله إلا الطيب» وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه».

ثالثا: أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم

     استدل -رحمه الله- بتسعة عشر دليلا من آثار الصحابة والسلف الصالح -رضوان الله عليهم- وكلها فهم دقيق للنصوص السابق الاستدلال بها من القرآن والسنة، ومنها: قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت»، ويروي عدي بن العمرية قصة هجرته وإسلامه وأنه قال: فإذا هو «رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه يسجدون على وجوههم، ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت وتبعته» وذكر قول أبي حنيفة -رحمه الله-: «من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر».

     قال الإمام مالك -رحمه الله- لمن سأله كيف استوى الله على عرشه؟ فقال: «الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وأنت بصاحب بدعة أخرجوه» وقال الشافعي: «القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم.. وأن الله -تعالى- على عرشه في السماء يقرب من خلقه كيف يشاء، وأن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء»، وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله منكرا على الجهمية إنكارهم الاستواء على العرش- فقال: «بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش» وقال أبوالحسن الأشعري -بعد توبته من المعتقد المعتزلي والكلابي والأشعري الذي أسسه فتبرأ منه- فقال: «إن قال قائل: ما تقول في الاستواء؟ قيل تقول له: إن الله مستو على العرش كما قال {الرحمن على العرش استوى} ثم رد الأشعري على المعتزلة والجهمية والحرورية تأولاتهم الفاسدة.

رابعًا معنى الاستواء

     قال -رحمه الله- للاستواء معنيان، الأول: المطلق، ويعني الكمال والتمام كقوله -تعالى- {ولما بلغ أشده واستوى}، والثاني: المقيد، ومعناه العلو والارتفاع كقوله {ثم استوى إلى السماء}.

خامسًا السؤال بــ (أين الله)؟

يرى -رحمه الله- أن هذا السؤال ليس من البدع ولا قائله مبتدع؛ وذلك لأن السؤال صدر مرارا وتكرارا من رسول الله ليكشف به معتقد من أمامه، بل ووصف من قال جوابا للسؤال السابق ذكره «في السماء» بأنه مؤمن؛ فجاز السؤال بأين الله؟ ووجب الجواب بالقول «في السما» ومن أجاب بغير ذلك فهو في ضلال مبين.

سادسا: شبهات وأجوبتها

عرض شيخنا -رحمه الله- ثلاث شبهات ورد عليها بدقة متناهية وإليك الثلاث:

 الشبهة الأولى

في قول الله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة: ٧)، قالوا: ظاهر الدليل أن الله معنا بذاته وفي كل مكان.

الجواب: أن ما ذكرناه من أدلة القرآن والسنة وأقوال السلف كلها ترد على فهمكم الباطل للآية، والآية تكلمت عن معية العلم لا معية الذات؛ بدليل ما قاله القرطبي -في تفسير الآية-: «يعلم ويسمع نجواهم يدل عليه افتتاح الآية بالعلم ثم ختمها بالعلم».

الشبهة الثانية

في قوله -تعالى-: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} (الأنعام رقم 3)

قالوا: تنص الآية على أن الله في كل مكان.

     الجواب: كيف يقال ذلك وكل الأدلة الصريحة في القرآن والسنة وأقوال السلف تقول بأن الله مستو على عرشه؟ قال الإمام القرطبي: «إنه في السماء وعلمه في كل مكان»، وأما معنى (الله) أي المعبود في السماء والأرض.

الشبهة الثالثة

     في قوله -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} (الزخرف 84)، زعموا بأن هذا نص صريح وقاطع بأن، الله في كل مكان.

     الجواب: تقرر عند أهل اللغة بأن كلمة إله تعني معبود ومطاع، وبالعقل لو قال رجل: إن فلانا حاكم في مكة وحاكم في المدينة، فهل يفهم منه وجوده في المكانين معا؟ الجواب: لا، بل سيفهم من الكلام أن فلانا حاكم على مكة والمدينة، ولله المثل الأعلى، قال المفسرون الطبري والبغوي وابن كثير وغيرهم: إن الآية معناها: «هو معبود في السماء ومعبود في الأرض»، وهذا القول منسجم مع كل أدلة الوحي وأقوال السلف؛ فتأمل! فالقول بأن الله في كل مكان قول الحلولية من الصوفية وزعيمهم ابن عربي الذي ادعى الإلحاد، وتقول على الله وتبعه ضعفاء الإيمان والعلم والعقل.

المناقشة العقلية

     ختم شيخنا -رحمه الله- رسالته المباركة بهذا الفصل اليسير الذي ألزم فيه القائلين بأن الله في كل مكان، يلزم منه وجود الله في أماكن القذر والأوساخ؛ لأنها مكان، وأنتم تقولون: إن الله في كل مكان، والعياذ بالله من هذا القول الفاسد، فإن قالوا هو في كل مكان إلا في هذه الأماكن القذرة، قلنا لهم: أين الدليل؟ ولا دليل عندهم.

وختم -رحمه الله- رسالته بقوله: وفي هذا بيان لمن تدبر وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك