أولئك لهم الأمن
قال الله -تعالى- ممتنا على عباده: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الأنفال 26)، وقال -تعالى-: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش 3-4)، وقال -تعالى-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا ويتخطف الناس من حولهم} (العنكبوت 67)، إن الأمن نعمةٌ جليلة ومنةٌ كبيرة؛ فهو مطلبُ كل الأمم، وغايةُ كل الدول، فلا تطيب الحياةُ إلا بالأمن، ولا تزدهر المجتمعات إلا بالأمن.
هذه النعمةُ العظيمةُ كانت أولَ دعوةِ أبينا إبراهيمَ لمكة: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (البقرة 126)، فقدّم إبراهيمُ -عليه السلامُ- نعمةَ الأمنِ على نعمة الرزق، فما فائدةُ الثمراتِ بلا أمانٍ -والعياذُ بالله؟!
والأمن هو أول مقومات الحياةِ الثلاث التي لا تطيب إلا بها، التي من حازها لم يفته شيء منها. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا» (رواه الترمذي)، ففي ظلال الأمن تُحفظُ الأرواح، وتُصانُ الأعراضُ، ويُؤمنُ على الأموال، وتَأمَنُ السبل، ويعبدُ الناسُ ربَّهم بهدوءٍ وسكينة، وفي رحاب الأمن يسود الاطمئنان، ويعم الخير والرخاء، وتستقيم الحياةُ، وتُبنى الأوطان، ولو انفرط عِقدُ الأمنِ ساعةً -والعياذُ بالله- لعمت الفوضى، ولتعطلت المصالح.
نعمة عظيمة
فلابد من الإحساسِ بهذه النعمة العظيمة، ولا بد من التذكير بها، ويلزمنا شكرُ اللهِ عليها. فقد وعد اللهُ الشاكرين بالمزيد، وتوعد الكافرين بأشد الوعيد: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم 7).
أسباب الأمن
والأمن نعمةٌ لابد أن نحافظ على أسبابها لكي تدومَ بإذن الله -تعالى- ومن هذه الأسباب ما يلي:
الإيمانُ بالله -تعالى
- أول أسباب الأمن: الإيمانُ بالله -تعالى- وتوحيدُه، ونبذُ الشرك والمعاصي: قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام 82). فالتوحيد والإيمان من أهم دعائم الأمن في الأوطان.
ائتلاف القلوب
- ومن أسباب الأمن: ائتلاف القلوب حول من ولاه الله أمرنا: لأن ذلك من طاعة الله -تعالى-. قال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء 59)، قال الحافظُ ابنُ رجبٍ -رحمه الله-: وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنظيم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم، وقال الإمام عبدُالله بنُ المبارك -رحمه الله-:
لولا الأئمة لم تُؤمنْ لنا سبل
وكان أضعفُنا نهبًا لأقوانا
تجنب ما يخل بالأمن
ومن أسباب الأمن كذلك: تجنب ما يخل بالأمن من الفوضى، وتجنب بث الإشاعات؛ فلنحافظ على الأمن بالمحافظة على النظام، وتجنب الفوضى التي قد يستغلها من لا يريد بنا خيرا. وكذلك تجنب بث الإشاعات، ونقل الأخبار دون تمحيص، فذاك مما نهى عنه الله -عز وجل-. قال -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} (النساء 83)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ». (رواه مسلم).
الدعاء
ومن أعظم أسباب الأمن: الدعاء، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعين بالدعاء في كل أحواله. قال عبدُاللهِ بنُ عمرَ -رضي الله عنهما-: لم يكن رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يدعُ هؤلاءِ الدعواتِ حين يُمسي وحين يُصبحُ: «اللهمَّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في دِيني ودنيايَ وأهلي ومالي، اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بك أن أُغْتَالَ من تحتي». (رواه ابن ماجه).
الحفاظ على الأمن
فلابد من الأخذ بأسباب الأمن والحفاظ عليها، قال -تعالى-: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور 55). وتفكروا في نعم الله، وتذكروها، فإن الله قد أمركم بذلك فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} (فاطر 3)، وقال -تعالى-: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان 20).
الإكثار من الدعاء
وعلينا الإكثار من الدعاء لبلادنا وبلاد المسلمين؛ فإن الله بيده مقاليد السماوات والأرض، وأمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وقد وعدنا بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر 60)، وهو القريب لعبده إذا دعاه، القائل في كتابه العزيز: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة 186).
لاتوجد تعليقات