رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وليد إبراهيم الأحمد 19 أغسطس، 2013 0 تعليق

أوضاع تحت المجهر!نعم لقد مات!

     نعم لقد مات حقيقة هذه المرة وليس إشاعة، وانتقل إلى جوار ربه بإذنه تعالى، وقد ضاقت بي الدنيا فور سماعي نبأ وفاته وأنا خارج البلاد؛ ليعيد في ذاكرتي شريط ذكرياتي معه، وأسطر ما سبق وأن سطرته في حق هذا الإنسان.

     كيف لا تريدون عيني تدمع وفؤادي ينفطر؛ لنبأ وفاة والدي وشيخي الدكتور عبدالرحمن السميط، وقد عايشته عن قرب، وسافرت معه لأدغال أفريقيا أكثر من مرة، نمت معه على الأرض اليابسة، وأكلت معه أكلا منتهي الصلاحية، وقدمنا لأطفال كينيا -عندما ضربتهم المجاعة- شوربة (الإنقاذ) المكونة من طحين وماء وزيت في وسط الصحراء القاحلة!

     كانت البداية رحلة خيرية قبل 14عاما، -وكنت وقتها أكتب في جريدة (الأنباء)- إلى جمهورية تنزانيا وزنجبار في العام 1999 مع كوكبة من أهل الخير من تجار وشيوخ وأمراء الكويت والسعودية والإمارات والبحرين وقطر؛ لافتتاح مشاريعهم الخيرية التي أقاموها هناك بدعوة من لجنة مسلمي أفريقيا، التي أصبحت فيما بعد جمعية العون المباشر، بعد أن سمعوا عن قصة رجل بأمة يدعى د. عبدالرحمن السميط يترأس اللجنة، كان قد ترك وظيفته وتخصصه في الطب البشري في الجهاز الهضمي؛ ليقلع إلى دول أفريقيا مع زوجته أم صهيب وأطفاله الصغار (صهيب وعبدالله وأسماء ونسيبة وسمية)، يعالج المرضى بإقامة المستشفيات، وينشئ الكليات العلمية والإسلامية ودور الأيتام والمساجد، ليدخل على يديه الإسلام -بتوفيق من رب العباد- مئات الآلاف من البشر، ويتبوأ المئات من أيتامه اليوم المناصب العليا في تلك الدول، حتى وثق به الجميع، فحرصوا على التبرع للجنة لإقامة مشاريعهم من خلاله!

     والرحلة الأخرى كانت في العام 2001، أي قبل أكثر من عشر سنوات، ونظرا لخطورتها طلب إلىَّ مازحا قبل مرافقته أن أكتب وصيتي أو أختار من الحيوانات التي ستأكلني الأسد أم النمر، فكانت إجابتي الأسد حتى أكون شهيدا بشرف!

     فكانت رحلة حقيقية استمرت شهرا، طفنا خلالها الأدغال عبر كينيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، وتعرضنا للمخاطر والتوقيف في مركز للشرطة، وشاهدنا التماسيح عبر الأنهار والحيوانات في الغابات التي مررنا عليها وشاهدنا الهياكل العظمية من البشر التي تنتظر الطعام عبر طوابير لها أول وليس لها آخر في الصحراء القاحلة، والنساء اللاتي يعبثن في بيوت النمل بحثا عن الطعام!

فاقتربت أكثر من فكر وشخصية هذا الإنسان، الذي أكره ما يكون عنده أن يذكر أحد أعماله الخيرية أمام الآخرين خوفا من ضياع أجره!

     كم أنت كبير يا أبا صهيب؛ فقد أتعبت من بعدك، ومهما تحدثت عنك وعن بصماتك ورفع اسم بلادك، والدعوة للخير وللإسلام في القارة السوداء لن أوفيك حقك.

     أقول ذلك ولا أزكي على الله أحدا في نهجك الذي سرت عليه اتباعا لقوله تعالى في سورة آل عمران: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الاية:104).

     هل أتحدث عن فرحة الأيتام والفقراء عندما تصلهم معلومة قدومك؟ أم عن أسلوبك الدعوي مع القبائل الملحدة؟ أم عن احترامك للأديان السماوية، ومجادلتك إياهم بالتي هي أحسن حتى يدخلوا الإسلام؟! أم عن الأخطار التي تعرضت لها والأمراض التي ألمت بك وجعلتك تهرب بعيدا عن الضيوف في حفل افتتاح مشاريعك؛ لتضرب نفسك إبر الإنسولين في الخفاء، وتأخذ حبوب الضغط والسكر، ثم تعود مسرعا لضيوفك؟! أم عن الحملة المغرضة التي كان يشنها بعضهم ضدك وضد أعمال لجنتك -ومع الأسف من بني جلدتك- للطعن والتشكيك، وهم يحصون الجوائز التي نلتها من مختلف دول العالم تقديرا وإجلالا لأعمالك؟

على الطاير

إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا أبا صهيب لمحزونون.

اللهم تغمده بواسع رحمتك، وصبر أهله، واجمعنا معه والمسلمين بالفردوس الأعلى من الجنة يا قيوم السموات والأرض.

 وإنا لله وإنا إليه راجعون.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك