رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد الشحات 16 مارس، 2015 0 تعليق

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (9) السرورية (2)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:-

- السرورية في السعودية وعلاقتها بالقطبية:-

كما ذكرنا في المقال السابق فإن محمد قطب عندما جاء إلى المملكة استقبله المسؤولون هناك استقبال الفاتحين، ومكنوه من أهم المناصب ليصبح مسؤولا عن أهم منصب ديني في جامعة من أكبر جامعات السعودية، ورفعت عنه بالطبع قيود الحركة والتنقل والتأليف، وحضور الندوات والملتقيات العلمية.

     ومن خلال هذه التسهيلات استطاع قطب توجيه عدد كبير من الطلاب، وتكوين مجموعات من خواص تلاميذه، يعطي لهم وقته، ويشرف على رسائلهم وبحوثهم، وأصبح قطب مع الوقت رمزاً لامعاً يؤمه الطلاب والدارسون، ولاسيما وأن الموضوعات التي كان يتكلم فيها قطب لم تكن مطروقة من قبل في المملكة، وكان طرح قطب لها قوياً وجذاباً، فأسهمت هذه العوامل في جذب عدد من الشباب -وقتها- علي رأسهم (سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر).

     وعلى المحور الآخر، كان تركيز سرور منصباً على المدارس والجامعات والتجمعات الشبابية والجمعيات الخيرية ، فقام بالتقاط هذه المجموعات وعمل على تأهيلها ودمجها في إطار تنظيمي حركي عبارة عن خليط من (السلفية والقطبية والإخوانية).

• أزمة الخليج ودورها في تفكك السرورية:-

     أزمة الخليج باختصار تتمثل في فتوى للشيخ ابن باز -رحمه الله- رأس السلفية العلمية- وفقاً لتصنيف السرورية، تجيز الاستعانة بالقوات الأمريكية -لفترة مؤقتة- من أجل حماية الأراضي السعودية من غزو محتمل من جانب صدام، وقد استفتى المسؤولون هناك الشيخ -رحمه الله- وذكروا له ما يستشعرونه من جدية تهديدات صدام مع عدم قدرتهم على صد العدوان إذا وقع، وأن القوات الأجنبية المكلفة بالحماية سوف ترحل بمجرد انتهاء مهمتها، فأفتي الشيخ بالجواز وفقاً لهذا التوصيف، وهذا على خلاف فتوى له سابقة بتحريم الاستعانة بالكافر في حرب المسلم.

     استثمر السروريون هذا الحدث جيداً؛ حيث مثل من وجهة نظرهم فرصة تاريخية لا تعوض لهدم الرمزية العلمية لمشايخ المملكة وعلمائها، الذين كانوا حجر عثرة أمام انطلاق تنظيمهم الجديد، ولاسيما بعدما انتهت الحرب بدون أن يغزو صدام السعودية، وبدون أن ترحل القاعدة الأمريكية أيضاً.

     وانبرى سفهاء الأحلام وحدثاء الأسنان يطعنون في العلماء ويسبونهم وينعتونهم بأوصاف ذميمة، منهم من لم يجد الحرج في اتهام العلماء بالخيانة والعمالة وخداع الأمة، ومنهم من قام بفلسفة القضية، وقال: إن المشكلة تكمن في أن هؤلاء الشيوخ علماء شريعة فقط وليس لهم كبير علم بما يدور في الواقع وما يستجد من أحداث وما يحاك من دسائس ومؤامرات، وهذا هو فقه الواقع الذي يفتقده هؤلاء المشايخ؛ لذا فالواجب عليهم ألا يفتوا في نوازل الأمة ومستجدات العصر، وغاية الاستفادة منهم تكون في النواحي العلمية البحتة، أما قيادة الشباب والاشتباك مع الواقع فتترك للدعاة وليس للعلماء، ومن هنا برزت إلى السطح مشكلة العلماء والدعاة، أو فقه الشريعة وفقه الواقع.

     ورغم الضجة الكبيرة التي أحدثتها السرورية في بلاد السعودية في هذا الوقت، إلا أن هذا الضجيج لم يسفر عن أي نجاح ظاهر، بل كان سبباً قوياً -في رأيي- أن يتفكك هذا التنظيم الوليد وتتبعثر أوراقه، وتتشتت جهوده -على الأقل في السعودية- وذلك بناء على سببين:-

- الأول: أن هذا المستوى المتدني الذي ظهرت به السرورية، وهذه الطريقة المنكرة في الهجوم على العلماء وطعنهم وتخوينهم، لم تجد لها أنصاراً كثراً بفضل الله -عكس الحال في مصر الآن مثلا- فقد كانت البلاد تعرف قدر العلماء وتبجلهم، وحتى إن لم يكن لهؤلاء العلماء تنظيم قوي يتحرك على الأرض، إلا أن لهم أرضية جيدة بين عوام الناس وخاصتهم، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الحدث أسهم بشدة في استنفار عدد كبير من العلماء لكي يرد على هذا التجمع الجديد، وقد أوسعوهم نقداً وذماً وتحذيراً، فضلا عن جهود التيار الربيعي -التي عليها مآخذ عديدة- الذي انبرى هو الآخر ليفضح السرورية وليستكتب العلماء والرموز عنهم، فأدى الأمر في النهاية إلى إيجاد حالة مؤداها أن الانتساب للسرورية تهمة وسبة، فإما أن يتخلى عنها صاحبها أو يتخفى بها، وهذا هو ما آلت إليه السرورية في السعودية.

- الثاني : هو تصدي قوات الأمن السعودية لهذا التنظيم، سواء عن طريق تحجيم نشاطه أم اعتقال رموزه، فقد جمع في رأيهم بين محذورين:

- الأول: يتعلق بمهاجمة الملك والقصر بما يثير الناس ويهيجهم في بلد لا تحتمل قيام ثورة أو اضطراب في الداخل.

- والثاني: يتعلق بتكوين كيان تنظيمي ديني في بلد لا تعرف التنظيمات ولا تقبل بوجود الكيانات، فكان من توابع ذلك خروج سرور من المملكة، وسكوت محمد قطب واعتزاله المشهد العام، والباقي من هذا التجمع، منهم من رجع عن الفكر، ومنهم من تحول، ومنهم من سجن لفترة، وبعضهم أخفى حقيقة فكره وظل متواجداً حتى يومنا هذا.

- هل أسهمت السرورية في تكوين فكر التيارات الجهادية:-

     ذكرنا قبل ذلك أن القطبية قد أسهمت بطريقة ما في تكوين العقلية الفكرية لدى جماعات الجهاد عموما، وفي تيار الجهاد بمصر خصوصا؛ حيث مثلت كتابات القطبين سيد ومحمد وجبة دسمة لأبناء هذا التيار تمدهم بالروح العالية والعاطفة الجياشة، وفي الوقت نفسه تهاجم الحكام وتكفرهم، وتتكلم عن مخططات الأعداء وتوجهاتهم، وهذا هو القدر المشترك بين كل هذه التيارات، ثم قد يحتاج الجهاديون لمواجهة الحكام فيفتون بردتهم، أو يواجهون المجتمع فيكفرونه، وهنا يبرز أهمية التنظير العقدي الذي قد يؤخذ من كتابات القطبية أو من غيرها.

     الدور نفسه تقريباً قامت به السرورية، فهي لم تسع لتكوين تجمعات جهادية، ولكنها وفرت البيئة الخصبة لنمو هذه التيارات الجهادية، ولاسيما عندما تتكلم عن مجتمع كانت تطبق فيه الشريعة بطريقة أو بآخرى مع شيوع لمظاهر الالتزام في المجتمع، أعني بذلك أن الظروف التي ساعدت القطبية في بناء تصوراتها في مصر لم تكن متواجدة بالسعودية؛ لذا كانت السرورية هي المسؤولة عن هذا التمهيد، وقد كان أحد زعماء التيار الجهادي تلميذا لسرور في وقت من الأوقات، وقد انتبهت السعودية لهذا الربط بين التيار السروري الجهادي بعد أحداث تفجير برجي التجارة العالمي عام 2001، ثم ازداد وضوحا بعد تفجيرات الرياض 2003.

- هل كانت السرورية مؤامرة إخوانية لاختراق البيئة السلفية:-

     يذهب بعضهم إلى اعتقاد أن السرورية جاءت إلى بلاد السعودية من أجل تفتيت الكتلة السلفية، ولزعزعة حالة الإجماع على المشايخ والعلماء؛ ولأن الإخوان ليس لهم قبول واسع في هذه البيئة السلفية، فكان لابد من إيجاد وجوه جديدة تقوم بذلك بهدوء وبطريقة متدرجة، فكان هذا هو الدور الذي قام به سرور.

     وغالب ظني أن الإخوان أتقنوا استثمار الحدث ليس أنهم قاموا بصناعته من البداية، ولاسيما وأن هذه تجربة مبتكرة لم يكن لها مثال سابق قبل ذلك، وأن الظروف هي التي أسهمت في إنجاح النموذج بدرجة كبيرة، ربما استفاد الإخوان من هذه التجربة، بعد ذلك واستخدموا السرورية لغزو المجتمعات السلفية، وهذا ينطبق على ما حدث في مصر بعد الثورة وتحديداً بعد تولي الإخوان للحكم؛ حيث قامت بعض الرموز المشتهر عنها أنها سلفية بإنشاء كيانات جديدة بهدف تذويب التجمعات السلفية الموجودة وصهرها فيما يعرف بالتيار السلفي العام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك