رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد مالك درامي 29 أبريل، 2014 0 تعليق

أهمية العلم والحث عليه واتباع العلماء



علم الشريعة هو العلم الذي ورثه الأنبياء -عليهم السلام- وليس غيره، وهم لم يورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها من علوم الدنيا

 قال صلى الله عليه وسلم : «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، لايستوي الذي يعلم والذي لايعلم كما لايستوي الحي والميت

 

يقول الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}(الزمر: 9). ويقول تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(المجادلة: 11). وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: 59).

وقال النبي  صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين», وقال أيضا: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ...» الحديث؛ فإن من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة, وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم, وللعلماء مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية؛ لأنهم أهل التقوى والخشية, وهم من ورثة الأنبياء والمرسلين, وإن من في السموات والأرض ليستغفر لطلبة العلم والعلماء حتى الحيتان في البحر.

     إن العلم أصل كلِّ شيء، فهو يحرِّر العقول من القيود ومن الأوهام و يُدِير حركة النهضة وعجلة الإنتاج، كما يَقضِي على الكساد والفساد، ويقضي على أمنيات الشيطان، فهو أساس كل عبادة، وعلينا أن نأخذ بأصول العلم ونترك الفروع؛ حيث إن هناك كثيراً من العلماء يأخذون بفروع العلم، ويتركون الأصول؛ فيحدث هدمٌ في الدين؛ لأن بناءه غيرُ مكتمل، فالدين مبني على الأصول والفروع، وعلى ذلك فالعلماء أنواع: منهم الربانيون، وهم المخلصون، ومنهم المخرِّبون يستخدمون علمهم في هدم الدين، وهم أصحاب القلوب الضعيفة، ينظرون إلى العلم على أنه وسيلة للشهرة والنفوذ وجمع المال، ومنهم العلماء السطحيون يأخذون قشور العلم، فيعلِّمون الناس علمًا ناقصًا مشوهاً غير كامل، فيقع الخلل والمصائب باسم الدين، كما يحدث الآن من قتل للأبرياء، ويتوهم قاتلوهم أنهم على حق، ويرضون الله - تعالى - وهذا ما حدث في قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأيضًا قتل الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وما حدث من فتنٍ كانتْ سببًا في حدوث انشقاقات بين المسلمين مزَّقت الأمة إلى فتات، فاستغلها الغرب واليهود، وانتصروا علينا؛ لأنهم لم يجدوا أمة قوية تواجههم، وعلى ذلك؛ فإن العلم لا يؤخذ إلا من العلماء الربانيين؛ حتى لا تحدث فتن وفوضى بسبب أنصاف العلماء، فالعلم الصحيح يأخذنا إلى النصر، فلا نصر بدون علم.

 وقد أحسن القائل:

هل العلم في الإسلام إلاّ فريضة

                                           وهل أمّة سادت بغير التعلّــــــــــم

وقال آخر:-

فإنّ فقيها واحدا متورّعا

                               أشدّ على الشيطان من ألف عابد

مفهوم العلم والعلماء

- المطلب الأول: مفهوم العلم في اللغة والاصطلاح.

أولاً: مفهوم العلم في اللغة.

     العلم لغة من مادة علم (ع ل م), يقال: ما علمت بخبرك: ما شعرت به.، وكان الخليل علّامة البصرة, وتقول: هو من أعلام العلم الخافقة، ومن أعلام الدّين الشاهقة. وهو معلم الخير, ومن معالمه أي من مظانّه. وخفيت معالم الطريق أي آثارها المستدلّ بها عليها. وقولك: فارس معلم, وتعلّم أن الأمر كذا أي اعلم , وعلمته الشيء فتعلم ذكر ذلك إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية.

 والعلم نقيض الجهل وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما.

ثانياً: مفهوم العلم في الاصطلاح.

العِلْـمُ، بالمفهوم الشامل للكلمة، هو كل نوع من المعارف أو التطبيقات، وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة، وتعالج بمنهج معين، وينتهي إلى النظريات والقوانين، ويعرف أيضا بأنه (الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل).

     وعندما نقول: إن «العلم هو مبدأ المعرفة، وعكسه الجَهـْلُ» أو «إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازمًا». يشمل هذا المصطلح في استعماله العام أو التاريخي مجالات متنوعة للمعرفة ذات مناهج مختلفة، مثل: الدين (علوم الدين) والهندسة (علم الهندسة) والفلك (علم الفلك) والنحو (علم النحو). وبتعريف أكثر تحديدًا، العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة. قال بعضهم: إن العلم هو المعرفة وهو ضد الجهل, وقال آخرون من أهل العلم: إن العلم أوضح من أن يعرف, والذي يعنينا هنا هو العلم الشرعي, فقد عرفه بعض العلماء بأنه: «علم ما أنزل الله على رسوله  صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى». فالعلم الذي فيه الثناء والمدح هو علم الوحي, علم ما أنزله الله فقط, قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ولم يقل: يحفظه؛ لأن الفقه هو: الفهم، والفهم ثمرة الحفظ، كما جاء في الحديث: «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»، قال الإمام النووي: «فيه فضيلة العلم والتفقه في الدين والحث عليه وسببه أنه قائد إلى تقوى الله». وقال النبي  صلى الله عليه وسلم أيضا: «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

     من المعلوم أن علم الشريعة هو العلم الذي ورثه الأنبياء -عليهم السلام- وليس غيره, وهم لم يورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها, أو علم الزراعة ولا علم الدنيا وما يلحق به مما لم يكن له علاقة بالعلم الشرعي. ولما جاء النبي  صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد الناس يؤبرون النخل فقال لهم لما رأى من تعبهم كلاما يعني أنه لا حاجة إلى هذا، ففعلوا وتركوا التلقيح, ولكن النخل فسد، ثم قال لهم النبي  صلى الله عليه وسلم : «أنتم أعلم بشؤون دنياكم».

المطلب الثاني: مفهوم العلماء في اللغة والاصطلاح

الأول: مفهوم العلماء في اللغة: لقد سبق أن بينا أن العلم في اللغة من كلمة علم وهو نقيض الجهل، فكلمة علماء جمع ومفردها عالم وهو نقيض جاهل, والجاهل هو الذي لم يكن لديه علم، أو هو الذي لم يدرك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا, بخلاف العالم, فالعالم هو الذي يدرك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما.

ثانياً: مفهوم العلماء في الاصطلاح.

     العالم هو الذي يدرك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما, والعالم الشرعي هو العالم بما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى, لهذا قال الرسول  صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين», قال الإمام النووي: «فيه فضيلة العلم، والتفقه في الدين، والحث عليه، وسببه أنه قائد إلى تقوى الله»، وقال النبي  صلى الله عليه وسلم أيضا: «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

     وقد ذكر في القرآن الكريم أن أهل العلم والعلماء هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: 59)، «فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام, والعلماء وطلبة العلم, فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها». من هنا نفهم أن عالم الشريعة هو الذي يبين شريعة الله وأحكامها، ويدعو الناس إليها, ويمكن القول أيضا: إن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة.

     وبعد هذه التعريفات للعلم والعلماء يتبين لنا أن للعلم أهمية بالغة في الإسلام، ويحث الرسول  صلى الله عليه وسلم ، كل مسلم على طلب العلم دائما؛ حيث قال  صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وأن يسلك طريقه لأجل نيْله والعمل به، وبالعلم الشرعي يهتدي الإنسان وبدونه يضل ويشقى؛ حيث إن أول آية نزلت في كتاب الله كانت تدعو للتعلم (اقرأ)، وآيات القرآن المكية كلها تدعو للتدبر والتفكر والسير في الأرض، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والتعلم وبناء المسجد وهو أول عمل قام به رسول الله  صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة مباشرة، وكان حرية أسرى الكفار في بدر أن يفتدوا أنفسهم بأن يعلموا عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة (لكل أسير عشرة).

فمنفعة العلم في استعمال الفضائل عظيمة، وهو أنه يعلم حسن الفضائل فيأتيها ولو في الندرة، ويعلم قبح الرذائل فيجتنبها ولو في الندرة، ويسمع الثناء الحسن فيرغب في مثله، والثناء الرديء فينفر منه.

ويمكن أن نستعرض أهمية العلم في الإسلام من خلال عرض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال السلف الصالح على النحو الآتي:

     يبين الله َمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9)، لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، فالعلم نور يهتدي به صاحبه إلى الطريق السوي، ويخرج به من الظلمات إلى النور، كما أن الله يرفع الذي يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(المجادلة: 11). أي يرفع الذين أوتوا العلم من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم درجات، أي على من سواهم في الجنة. قال القرطبي: «أي في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم» وقال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى: أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم (درجات) أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.

     إن العلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور، وليس البصر بصر العين، ولكن بصر القلوب، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(الحج: 46)؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين: إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(الرعد: 19)، فالعلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه؟ وكيف يعامل عباده؟ فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.

     وفي الحديث حث النبي  صلى الله عليه وسلم : أمته على العلم والتزود منه والعمل به، وبين الرسول  صلى الله عليه وسلم أن العلم إرث الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام - فقال  صلى الله عليه وسلم : «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، فالأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ولا منصبا دنيويا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بما ورثه الأنبياء، ولذلك لم يترك نبينا دينارا ولا درهما وإنما ترك علما، فأي طالب علم مخلص أخذ بالعلم؛ فإنه يرث محمدا  صلى الله عليه وسلم ، وهذا من أكبر فضائل الأعمال.

     ومن هنا يتبين أن العلم الشرعي فيه الثناء والمدح، ومن تعلم هذا العلم ينال المدح والثناء، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين», قال الإمام النووي: «فيه فضيلة العلم والتفقه في الدين والحث عليه وسببه أنه قائد إلى تقوى الله»، ومع ذلك فإننا لا ننكر أن يكون للعلوم الأخرى فائدة.

 إن بقية العلوم فيها فائدة، ولكنها ذات حدين، فإن أعانت على طاعة الله وعلى نصر دين الله وانتفع بها عباد الله، فيكون ذلك خيرا ومصلحة، وقد يكون تعلمها واجبا في بعض الأحيان إذا كان ذلك داخلا في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}(الأنفال: 60).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك