رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد مالك درامي 13 مايو، 2014 0 تعليق

أهمية العلم والحث عليه واتباع العلماء 2


الإخلاص في النية شرط لأنواع العبادات، ومنها التعلم والتعليم؛ فإن طلب العلم عبادة عظيمة، وينبغي لطالب العلم أن يخلص في طلبه

كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كل مسلم أن يطلب العلم مستمرا في حياته، لا ينقطع عنه إلا إذا جاءه الأجل، فقال صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم». من هنا نقول: إن طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون طلب العلم واجبا على الإنسان عينا أي فرض عين، وضابطه أن يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها أو معاملة يريد القيام بها، فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة؟ وكيف يقوم بهذه المعاملة؟ وما عدا ذلك ففرض كفاية.

     وكذلك إن طلب العلم طريق إلى الجنة، كما دل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»، وهذا الحديث يشعر بالرحلة في طلب العلم، فطلب العلم خير عظيم، وأوسع أفقا، ويستطيع طالب العلم أن ينتفع وينفع الناس؛ ولذا جاء الحث على طلب العلم، وهذا باب واسع جدا، فما سلك إنسان طريقا يلتمس فيه علما إلا سهل الله له طريقا إلى الجنة.

     ومن أقوال السلف في العلم، قال ابن كثير عند قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الزمر: 9). أي: هل يستوي هذا والذي قبله ممن جعل لله أندادا ليضل عن سبيله؟! {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: إنما يعلم الفرق بين هذا وذاك من له لب وهو العقل. قال البيضاوي: نفي لاستواء الفريقين بعده القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم، وقيل: تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون. قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقال غيره: الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم. {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}(الرعد: 19)، أي أصحاب العقول من المؤمنين.

     قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر: 28)، قال: العلماء بالله الذين يخافونه، وقال أيضا: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي عن ابن مسعود -رضي الله عنه - قال: ليس العلم من كثرة الحديث ولكن العلم من الخشية، وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل -رضي الله عنه - في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال: أعلمهم بالله أشدهم له خشية. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن أبي حيان التيمي عن رجل قال: كان يقال المنهجية الصحيحة في طلب العلم الشرعي.

أولاً: عدم القول والعمل بغير علم أو الفتوى بغير علم

     هناك أدلة كثيرة من القرآن الكريم على تحريم القول والعمل بغير علم، وعلى وجوب العلم قبل القول والعمل, ومنها: قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف: 33)، وقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}(الإسراء: 36)، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة -رضي الله عنه - في قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(الإسراء: 36)، قال: لا تقل سمعت ولم تسمع، ولا تقل: رأيت ولم تر، فإن الله سائلك عن ذلك كله. وهكذا كل إنسان سيسأل عما قال وعمل، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }(الإسراء: 36)،َ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». فالواجب على الإنسان ألا يفتي إلا بعلم، وإذا سئل ولم يكن بالجواب عالماً فلا عيب أن يقول: الله أعلم، أو يرشد إلى غيره، أو يطلب وقتاً يبحث فيه المسألة، والإمام مالك رحمه الله ورضي عنه كان كثيراً ما يقول الله أعلم، فما هو العيب في ذلك؟ العيب أن يتكلم الإنسان بدون علم فيقتحمَ بذلك نار جهنم والعياذ بالله. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل أحياناً فلا يرجع بجواب حتى ينزل القرآن عليه، إنّ أحداث هذه القصة شاهدة بخطورة الفتوى بدون علم، فالمفتي بدون علم قد يخرب بيتاً، ويدمر أسرةً، ويعين على باطل، ويحمل على كفر.

ثانياً: تجديد النية والإخلاص في طلب العلم وتقوى الله.

     الإخلاص في النية شرط لأنواع العبادات، ومنها التعلم والتعليم؛ فإن طلب العلم عبادة عظيمة، وينبغي لطالب العلم أن يخلص في طلبه للعلم لله تعالى؛ إذ قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5)، وطلب العلم إذا أخلص في طلبه النية واحتسب فيه الأجر من الله فهو عبادة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تعلم علما يبتغي به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» عرف الجنة: يعني ريحها، وقال كذلك: «لا تَعَلّموا العلمَ لِتُباهوا به العلماءَ، ولا تُماروا به السُّفَهاءَ، ولا تُخَيِّروا به المجالسَ، فمن فعل ذلك فالنَّارَ النَّارَ».

     والإخلاص هو انبعاث القلب إلى جهة المطلوب التماسًا، أو تغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله تعالى، فالإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله. فالإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، فمتى أفردت ربك بالطاعة، ونسيت رؤية الخلق بدوام نظرك إلى الخالق، فقد تحقق لك الإخلاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

     ومن طلب العلم رياء أو جاهد رياء أو عمل عملا رياء، فكل هذا عمله غير صالح والعياذ بالله وهو مردود عليه؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك به معي غيري تركته وشركه»، بعض الناس يبدأ في طلب العلم بنية فاسدة، كأن يتمنى أن يكون شيخا كبيرا وعالما جليلا ومفتي الديار، وهذه النية ما لم يبتغ بها الآخرة فهي نية فاسدة، وعمله هذا مردود إليه.

وأما تقوى الله والخوف منه يزيد من علمك، ففي يوم رأى الإمام الشافعي أن ذكاءه لم يعد في الدرجة التي كان عليها من قبل، فذهب إلى أستاذه الإمام وكيع، وشكا له سوء حفظه، وقد أشار إلى هذا بقوله:

شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي

فأرشــدني إلى تــركِ الـمعـاصي

وأخـبـرني بـأنَّ العلـمَ نــورٌ

ونـورُ اللهِ لا يُـهـدَى لـعـاصي

     وكذلك حينما جلس الإمام الشافعي وهو غلام صغير في مجلس الإمام مالك بالمدينة المنورة، وكان الإمام مالك يقرأ في درسـه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، وكانت عادته إذا ذكر الحديث أن يقول: عن فلان، عن فلان، عن صاحب هذا المقام، ثم يشير إلى قبر الرسول، فرأى وهو يشير إلى القبر الشافعي يعبث بثمرة من الحصير؛ بعد أن بلها بريقه فوق يده! فحزن الإمام مالك، ثم انتظر حتى أنهى درسه الذي قرأ فيه أربعين حديثًا، ثم ناداه، فأقبل وجلس بين يديه، فعاتبه قائلاً: لماذا كنت تعبث أثناء تلاوة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: يا سيدي! ما كنتُ أعبث ولكني كنتُ أسجل بريقي ما تقول حتى لا أنسى؛ لأنني فقير، ولا أملك الدرهم الذي أشتري به القرطاس والقلم.

     فتعجب الإمام مالك، وقال له: إذا كنتَ صادقًا فاقرأ ولو حديثًا واحدًا من الأربعين التي قرأتُها في درس الليلة. فجلس الشافعي كما كان يجلس أستاذه الإمام، وقال: عن فلان، عن فلان، عن صاحب هذا المقام؛ وأشار إليه كما أشار الإمام، ثم قرأ الأربعـين حديثًا. فأعجب الإمام مالك بذكائه، وقال له: إني أرى الله قد ألقى في قلبك نورًا، فلا تُطفئه بظُلمة المعاصي.

وأخيرا.. نستخلص أن تعلم العلم عبادة من العبادات، وقربة من القرب، فإنْ أخلصت فيه النية واتقيت الله قُبِل وزكى، ونمت بركته، وإن قصد به غير وجه الله تعالى حبط وضاع، وخسرت صفقته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك