
أهمية العلم والحث عليه واتباع العلماء (الأخيرة) التـــأدب مـع الـمعـلم
لا يدرك العلم إلى بالصبر والكد والتعب والمشقة والسهر؛ فإن العلم لا ينال براحة الجسم، بل لابد من الجد
آداب المتعلم مع أستاذه أو معلمه:-
بما أن العلم لا يؤخذ ابتداء من الكتب بل لا بد من شيخ تتقن عليه مفاتيح الطلب، لتأمن من العثار والزلل، فعليك إذاً بالتحلي برعاية حرمته، فإن ذلك عنوان النجاح والفلاح والتحصيل والتوفيق، فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف، فخذ بمجامع الآداب مع شيخك في جلوسك معه، والتحدث إليه، وحسن السؤال والاستماع، وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه ومع الكتاب، وترك التطاول والمماراة أمامه.
وعدم التقدم عليه بكلام أو مسير أو إكثار الكلام عنده، أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك، ومقاطعته في الحديث، ولقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام مع الخضر , وأن تعجله في طلب العلم قد حرمه من تعلم ما قد يعود عليه بالخير والصلاح , عَنْ سَعِيد بن جُبَيْر: قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ، لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَمَّا هُوَ مُوسَى آخَرُ؟ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بَلَى، لِي عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، وَمَنْ لِي بِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: أَيْ رَبِّ، وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا، فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُْوَ ثَمَّ، وَرُبَّمَا قَالَ: فَهُْوَ ثَمَّهْ، وَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَ تَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، وَضَعَا رُؤُوسَهُمَا، فَرَقَدَ مُوسَى، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ، فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ، فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَقَالَ هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، قَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَلَهُمَا عَجَبًا، قَالَ لَهُ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟! قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قَالَ: يَا مُوسَى، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ، قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ؟ قَالَ:إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا)، إِلَى قَوْلِهِ:إِمْرًا)، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً، أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا ا لْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ؟! قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا - فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، مَائِلاً، أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا (وَأَشَارَ سُفْيَانُ، كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ، فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلاً إِلاَّ مَرَّةً) قَالَ: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا، وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ، فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا».قال سُفْيان: قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوْ كَانَ صَبَرَ، يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا». وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤ ْمِنَيْنِ.قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ.قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو، أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ، وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟! سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. فقد تعلمنا من هذه القصة عدم الاستعجال في طلب العلم والصبر على المعلم وعدم مقاطعته , وكلها آداب يجب أن يعرفها المتعلم قبل طلب العلم.
وكذلك الإلحاح عليه في جواب، متجنباً الإكثار من السؤال، ولاسيما مع شهود الملأ، فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل.
ولا تناديه باسمه مجرداً، أو مع لقبه كقولك: يا شيخ فلان! بل قل: يا شيخى! أو يا شيخنا! فلا تسمه، فإنه أرفع في الأدب، ولا تخاطبه بتاء الخطاب، أو تناديه من بعد من غير اضطرار.
وانظر ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخيرصلى الله عليه وسلم في قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (النور: 63).
كما لا يليق أن تقول لوالدك ذي الأبوة الطينية: «يا فلان» أو: «يا والدي فلان» فلا يجمل بك مع شيخك.والتزم توقير المجلس، وإظهار السرور من الدرس والإفادة منه.
وإذا بدا لك خطأ من الشيخ، أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينك، فإنه سبب لحرمانك من علمه، ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالماً؟ واحذر أن تمارس معه ما يضجره، ومنه ما يسميه المولدون: (حرب الأعصاب) بمعنى: امتحان الشيخ على القدرة العلمية والتحمل.
وإذا بدا لك الانتقال إلى شيخ آخر، فاستأذنه بذلك؛ فإنه أدعى لحرمته، وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك، واعلم أنه بقدر رعاية حرمته يكون النجاح والفلاح، وبقدر الفوت يكون من علامات الإخفاق.
سابعاً: الصبر
أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة.. إن طلب العلم من معالي الأمور، والعُلَا لا تُنال إلا على جسر من التعب.
قال أبو تمام مخاطباً نفسه:-
ذريني أنالُ ما لا يُنال من العُلا
فصَعْبُ العلا في الصعب والسَّهْلُ في السَّهل
تريدين إدراك المعالي رخيـصة
ولا بد دون الشهد من إبَر النحـــل
(الشَّهد هو العسل )
وقال آخر:
دببت للمجد والساعون قد بلغا
جُهد النفوس وألقـوا دونـه الأُزرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم
وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَـبِرَا
(الصَبِردواءٌ مُرٌّ)
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران: 200)، فاصبر وصابر، فلئن كان الجهاد ساعةً من صبر، فصبر طالب العلم إلى نهاية العمر.
فلا يدرك العلم إلى بالصبر والكد والتعب والمشقة والسهر؛ فإن العلم لا ينال براحة الجسم، بل لابد من الجد، وهذا الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في أبواب المواقيت من كتاب الصلاة لما ساق أسانيد عدة ذكر فيها عن يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- أنه قال: «لا ينال العلم براحة الجسم»، ومقصوده رحمه الله من هذا التنبيه على أن تحصيل العلم والتفقه في الدين يحتاج إلى صبر ومثابرة، وعناية وحفظ للوقت، مع الإخلاص لله، وإرادة وجهه سبحانه وتعالى.
ثامناً طلب العلم بالدعاء
كما أنه على طالب العلم أن يستعين بالله دائما ويدعو الله أن يفقهه في الدين دعاء لطلب العلم.
من الأذكار الواردة قوله: «بسمِ اللَّهِ، توَكلتُ علَى اللَّهِ، اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِك أن أضلَّ أو أُضَلَّ، أو أزلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهلَ أو يُجهَلَ عليّ».
لاتوجد تعليقات