رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 22 مارس، 2018 0 تعليق

أهمية التربية العقلية للأبناء

 

ينحصر معنى التربية عند كثير من الآباء والأمهات في العناية الصحية والغذائية بأبدان الأبناء ووقايتهم من الأمراض، وتوفير الملبس الجيد والتعليم الأكاديمي المتميز؛  فجزاهم الله عن أبنائهم خيراً، ولكن أين نصيب عقول الأبناء من العناية والتربية؟ فالمنهج الإسلامي في التربية يقوم على تربية الفرد من الجوانب جميعها، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}، وكما يهتم بتربيته من الناحية الجسمية والروحية والخلقية كذلك فإنه يولي أهمية كبرى لتربية الفرد المسلم من الناحية العقلية؛ وذلك ليضمن حفظ هذه النعمة الكبرى كي تؤدي عملها أداءً سليما بعيداً عن الخرافات والجهل والتصورات الخطأ .

نعمة العقل

     لقد ميزنا الله -تعالى- عن سائر المخلوقات بالعقل لكي نفكر ونخطط ونحلل، ونضع الأمور في نصابها الصحيح، وقد حبا الله الكائن البشري بملكات وقدرات عقلية عظيمة كالذكاء، والقدرة على الحفظ والتذكر، والإبداع، والفهم، وغير ذلك، وهذه القدرات -وإن كانت مكنونة في الطفل عند ولادته- فإنها في حاجة إلى استخراج وتنمية، ووقاية من البرامج الهدامة التي تستهدف أبناء المسلمين، وإذا لم يهتم المربون بهذه القدرات العقلية؛ فإنها ربما تضعف وتضمحل، أو تكون هدفاً  لتوجيهات فاسدة من الإعلام الفاسد، أو رفقاء السوء؛ فتنحرف وتضل؛ لهذا كان دور الوالدين في الاهتمام بالتربية العقلية مهماً للغاية؛ إذ الوالد هو المسؤول الأول عن تربية ولده وتعليمه وتوجيهه، محافظاً على ما حباه الله  من قدرات وطاقات ومواهب، جاداً في تنميتها، وتوجيهها إلى الخير.

القرآن الكريم هو مصدر التربية العقلية

     القرآن الكريم هو الأصل لهذا الاتجاه التربوي، وكثير من أساليبه التربوية تقوم على هذا الأساس؛ فهو يدعونا إلى إعمال العقل في النظر والتأمل في الآيات الكونية من حولنا لنصل بذلك إلى الربط بين عظمة الخلق ووحداني الخالق -جلّ وعلا- قال -تعالى-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(آل عمران:191-190)، وقد ذمّ الله الكافرين؛ لأنهم عطّلوا عقولهم؛ فلم يتفكروا في بدائع المخلوقات ليستدلوا بها على وحدانيته -سبحانه- قال -تعالى-: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سُطحت}(الغاشية:22-21). 

أهداف التربية العقلية

     تستهدف التربية العقلية تنمية ذكاء الفرد، وقدرته على التأمل، والتفكير، والنظر، والنقد، وتنمية قدرته على التخيُّل والتصور، إلى جانب تقوية ذاكرته، وإعطائه القدرة على التحليل، وإدراك العلاقات بفهم عظات التاريخ، وربطها بواقع الحياة، وربط العلل بالمعلولات، والأسباب بالنتائج، إلى جانب اهتمامها بتنمية القدرة على التعبير؛ فهي بذلك تشمل أنشطة الإنسان العقلية جميعها.

     وهي إذ تهتم وتُعْنى بهذه القدرات العقلية وتنميها؛ فإنها تستهدف من وراء ذلك الوصول إلى الغاية الكبرى من معرفة الله -عز وجل- وحبه وعبادته؛ فليس التفكير في الإسلام لمجرد التفكير فحسب؛ لهذا كان العقل أهم وسيلة للوصول إلى معرفة الله -عز وجل- من خلال آياته؛ إذ من دون العقل لن نعرف الآية، ومن غير الفكر لن يُعرف صاحبها-جلا وعلا.

     والتربية العقلية تهتم أيضاً -إلى جانب تثبيت العقيدة في وجدان الطفل- ببناء الفكر الإسلامي في ذهن الطفل، وإعطائه القدرة على تمييز العقيدة الإسلامية من بين التيارات الفكرية الدخيلة المناهضة للدين الإسلامي، كما أنها تبث روح العزة والأصالة بالدين الإسلامي عند الأبناء.

الفروق بين الأبناء

     يجب مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء؛ لأن الله خلق الناس بقدرات مختلفة متفاوتة، منهم سريع الفهم، حاد الذكاء، ومنهم الغبي قليل الإدراك، وأكثرهم المتوسطون، كما أن بين المتوسطين من هو أسرع فهماً وأذكى من غيره؛ فالفروق الفردية بين الأطفال موجودة، ولا يجوز إهمالها بحال؛ ولذلك كان علينا أن ننتبه جيداً لقضية الفروق الفردية بين الأولاد؛ لنتمكن من تنمية ملكات الولد العقلية من ذكاء وقدرة على الحفظ وغيرها تنمية صحيحة معتدلة بعيداً عن المغالاة والإجحاف؛ فإن إغفال ما بين الأفراد كبارهم وصغارهم من فوارق جسمية وعقلية ومزاجية واجتماعية له أسوأ الأثر على الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه.

فبدلاً من توجيه عبارات السخرية والاستهزاء للابن لإخفاقه في أمر من الأمور كرسوبه في الاختبار، ونجاح إخوته؛ يخصه الأب بمزيد من الاهتمام والرعاية ليرفع من مستواه ويلحقه بأقرانه وإخوته حسب قدراته وإمكاناته المتاحة.

     وكذلك عدم تكليف الولد الصغير فهم الأمور الكبيرة، ولاسيما ما يحتاج إلى إدراك للسبب وعلاقته بالنتيجة؛ فإن هذه القدرات تحتاج إلى طاقة عقلية كبيرة، ربما عجز عنها بعض الراشدين؛ ولهذا يتقبل الأطفال الصغار الخرافات، وكثيراً من التفسيرات والمعتقدات دون نقاش أو تمحيص لعدم قدرتهم على الاستدلال والتركيز لفهم الأدلة واختبارها.

المحافظة على الصحة العقلية للأبناء

     وهو أن يبقى تفكير الأبناء سليمًا، وذاكرتهم قوية وأذهانهم صافية وعقولهم ناضجة، ووقايتهم من المفاسد المنتشرة في المجتمع التي تؤثر على العقل والذاكرة، وتخمل الذهن، وتشل عملية التفكير، مثل: التدخين، والمخدرات، وغيرها من المفاسد، والعمل على شغل عقول أبنائنا بما هو مفيد وتوجيههم إلى طرق التفكير السليم.

هذا فضلا عن العناية بالغذاء الصحي، ويبدأ من الرضاعة الطبيعية، ثم التغذية السليمة لنمو العقل وتقديم الوجبة المتكاملة الصحية لهم، والتركيز على الغذاء الذي يساعد على زيادة الذكاء الفطري وتنمية المهارات العقلية حتى ينشط المخ.

وسائل تدريب الأبناء على إعمال العقل، والتفكير السليم:

التأمل والتدبر

     يوجه الوالدين أبناءهما إلى إعمال عقولهم في التأمل والتدبر في الآيات الكونية من حولهم، وكذلك في المواقف التي يمرّون بها، والقصص التي يسمعونها؛ من أجل استخراج العبرة والعظة والدروس المستفادة؛ فهذه هي صفة أولي النهى من عباد الله، وكثير من الناس لا يحسن التفكر والتأمل وبالتالي لا يحصل له التدبر؛ وذلك لأنه لم يترب على هذا الأسلوب في التفكير منذ صغره .

تشجيع الأبناء على السؤال

واستقبال أسئلتهم الكثيرة - وإن بدت ساذجة- برحابة صدر، وطول صبر على إشباع نهمتهم للمعرفة والتعلم، مع تعليمهم أدب السؤال، وحسن الإنصات، وعدم المقاطعة.

حفظ القرآن الكريم

فقد أثبتت الدراسات التربوية والإحصاءات أنّ حفظ القرآن الكريم له ارتباط وثيق بالتفوق الدراسي لدى الطلاب، كما أنّ له أثرا كبيرا على تقوية الذاكرة والقضاء على ظاهرة النسيان.

التعليم

اختيار أفضل المؤسسات التعليمية وأقربها إلى المحافظة على الثوابت الدينية والخلقية وإلحاق الأبناء بها، وذلك نظراً لأهمية المدرسة في البناء العقلي للطفل.

الرفقة الواعية

     فللوالدين دور مهم في اختيار الصحبة الواعية لأبنائهم، من أبناء النخبة المأمونة المتميزة التي تفهم الإسلام الفهم النّاضج؛ فهما يجتمع فيه النضج العقلي والوعي الاجتماعي حتى يكون رفقاء أسوياء صالحين لأبنائهم (فالصاحب ساحب) وثقافة الابن وطريقة تفكيره ونظرته للأمور، من السهل جداً أن تتأثر بأسلوب رفاقه.

تنمية العقل من خلال اللعب

     وذلك في الطفولة المبكرة فيتعمد المربي اختيار الألعاب التي تنمي آليات التفكير السليم لدى الطفل، مثل: ألعاب المتاهات التي تعتمد على الصبر وإعمال العقل حتى يصل إلى مراده، وكذلك الألغاز والفك والتركيب وبعض ألعاب (البلاي استيشن) المنتقاة ولاسيما التي تعتمد على تقديم حلول بديلة يتخير منها الطفل ما يناسبه.

تعليمهم التفكير المنظم

     من خلال استخدام الورقة والقلم؛ فهي وسيلة مهمة للتفكير السليم، ولو تعود الطفل على تدوين المعلومات وتحليلها والربط فيما بينها ومعرفة الفوائد واستخراج المناسب منها وغير المناسب، ومعرفة السلبيات والإيجابيات، فلاشك سيتعود على هذه الطريقة المنظمة المثمرة في التفكير.

     وأخيراً أعزائي المربين، إنّ عنايتنا بتربية عقول أبنائنا تعني تنشئة الأبناء على الإيمان العميق، والاغتراف من معين الثقافة والعلم النافع، وتركيز أذهانهم على الفهم المستوعب، والمعرفة المجردة، والإدراك الناضج الصحيح، فتتفتح مواهبهم، ويبرز نبوغهم، وتنضج عقولهم، وتظهر عبقرياتهم.

إذاً لننصف عقول أبنائنا من أبدانهم؛ فبالعقل الواعي والذكاء المتّقد يسبق أبناؤنا وتسبق بهم الأمة سائر الأمم وتتبوأ مكان الصدارة الذي ارتضاه الله تعالى لها.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك