رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 11 مايو، 2015 0 تعليق

أهداف عاصفة الحزم- فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد: بلادُ الحرمين لم تكُن عِدائية ولا مُعتدِية، وليس لها مطامِع توسُّعية

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد  إمام وخطيب الحرم خطبة الجمعة بعنوان: (أهداف عاصفة الحزم)، التي تحدَّث فيها عن (عاصفة الحزم) وما رمَت المملكة إلى تحقيقه منها، مُبيِّنًا الأهدافَ من دخولِها والخروج منها، وأكد فضيلته نعمة الأمن والاستقرار وآثارها على بلاد الحرمين الشريفين بفضل الله -تعالى- ثم بحكمة قيادتها وثقة الشعب بقيادته والتفاف حولها

- نعمة الأمن

أكد فضيلته أن (عاصفة الحزم) بدأت بصمتٍ، وأهلُ الخليج نائِمون، وعصفَت بقوَّتها ودوِيِّها وهم في الميادين يعمَلون، وانتَهَت مُحقِّقةً أهدافَها وهم في ديارِهم آمِنون مُطمئنُّون.

     فالله أكبر ولله الحمد، والله أكبر ولله المنَّةُ والفضل. أيُّ أمنٍ نعيشُه؟ وأيُّ حالة استِقرارٍ تُحيطُ بنا؟ إن من المعهود - عباد الله - أن أيَّ بلدٍ يخوضُ حربًا، أو يعيشُ حالةَ حربٍ أن تسُودَ أهلَه حالاتٌ من التأهُّب والقلق والاستِنفار، يظهرُ ذلك ويتجلَّى في خوف الناس، واضطِراب الأسعار، واختِفاء الأقوات، واحتِكار التموين.

     ولكن بلدَنا - بفضل الله ونعمته ومنَّته، ثم بحكمة القيادة، وإيمان الشعب وثقتِه - يعيشُ حياتَه اليومية المُعتادة المألوفة، حالة الأمن والرخاء، حالة الهدوء والطُّمأنينة، والغُدُوِّ والرَّواح إلى الأعمال والمدارِس، والمصانِع والمتاجِر والمزارع، يتسوَّقون ويتزوَّجون ويُسافِرون، ولمُناسباتهم يُرتِّبون ويُخطِّطون، والأطفال في ملاعبِهم يلعَبون ويمرَحون. إنه الإيمانُ بالله، والتوكُّل عليه أولاً، ثم الثقة بالقيادة والالتِفافُ حولها وتأييدُها.

إنها بلادُ الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، لم تكُن عِدائية ولا مُعتدِية، وليس لها مطامِع توسُّعية، مشهودٌ لها باعتِدالها واتِّزان سياستها، وهُدوء تعامُلها.

ونعلمُ علمَ اليقين أن المُسلمين جميعًا تربِطُهم بهذه البلاد روابِطُ تتجاوَزُ علاقة المكان والبشر، {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شيء} (القصص: 57)، {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (إبراهيم: 37).

إنها روابِطُ العقيدة والدين والإيمان والأماكِن المُقدَّسة؛ فالعلاقةُ بهذه البلاد علاقةٌ عميقة، متينةٌ وثيقة، فوقَ اعتِبار الزمان والمكان والأشخاص، ومهما كانت المواقِع والمواقِف.

غيرةُ المسلمين عليها ليست لأرضٍ أو ثورةٍ أو نظام، غيرتُهم هي غيرةٌ على دينِهم، ومُنطلَق رسالتهم، ومُتنزَّل قُرآنهم، ومبعَث نبيِّهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ومُهاجَره ومرقَده - عليه الصلاة والسلام -.

ومن أجل ذلك كلِّه مُجتمعًا؛ دينًا وسياسةً وقيادةً، لاقَت سياستُها تأييدًا عربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا غير مسبُوق، فكان القبُول لهذا التحالُف العربي الإسلامي المُبارَك، والتأييد العالميِّ المُقدَّر.

نعم، إنه الثقةُ بهذه الدولة ومكانتها ومِصداقيتها وعقيدتها ودورها وقوتها وقيادتها، كلُّ ذلك بعد توفيقِ الله جعل الجميعَ يلتفُّ حولها، ويُسلِمُها زمام المُبادرة في قيادة تحالُف (عاصفة الحزم) المُبارَكة.

- تحالف من أجل الأمة

     وأشار فضيلته إدراك المملكة بالخطر المحدق على المنطقة قائلا: لقد أدرَكَت هذه البلادُ المُبارَكة، راعيةُ الحرمين الشريفين وخادمتُهما، أدركَت الخطرَ المُحدِق بالمنطقة كلِّها، فأخذَت - بعد توفيق الله وتسديده، ثم بحكمة قيادتها وحِنكتها - تبنِي هذا التحالُف المَتين؛ للوقوف في وجه هذا التمدُّد الذي يستهدِف تمزيقَ الأمة، وإسالَة دمائِها، وتقطيعَ أوصالِها، تحالُفٌ شريفٌ من أجل الأمة كلِّها، ومن أجل شعبِ اليمَن الشقيق حتى لا يضيعَ كما ضاعَ غيرُه، ولئلا يُختطَفَ كما اختُطِف غيرُه.

     حتى التحالُفُ المُبارَك رسالةٌ إلى أن أهل الإسلام مُدرِكون لسياسات بثِّ القلاقِل، وزعزعَة الاستِقرار، وتكوين العصابات وتوظيفها، وتجنيدِها في أعمالٍ إرهابية، وتصرُّفاتٍ استِفزازيَّة. عصاباتٌ مسكينة لا تُحسِنُ النظرَ إلى العواقِب، لا الدينية ولا الوطنية. عصاباتٌ لا مُستقبل لها في دينها، ولا في أوطانها؛ بل هي أدواتٌ يعبَثُ بها من يعبَث.

- أداة بيد الأعداء

     وأكد فضيلته أن العصابات الانقلابية جماعات وظيفية مهمتها نشر الفوضى ومشاغبة الشرعية؛ حيث قال: لقد أدركَ الجميعُ أن مهمَّة هذه العصابات والجماعات المزرُوعة في منطقتنا، وفي مواقع الصراع والفتن، مهمَّتُها نشرُ الفوضَى، ومُشاغَبة الشرعية، وتوظيفُها أداةً بيدِ أعداء الأمة، وكلِّ من يُريد بها شرًّا وفُرقةً وطائفيَّةً، وبثًّا للقلق والفتن.

     وفي هذا السِّياق والمسار جاءَت هذه الفئةُ الحوثيَّة الضالَّة المُنحرِفة في اليمَن العزيز؛ لتُدمِّر كلَّ شيءٍ، وتُسلِم قِيادَتها لأعداءِ أهلِها وأبنائِها، ولتحمِل السلاحَ وتُعمِله في قتلِهم وتدميرهم، وهدم مساجِدهم ومدارِسهم وجامعاتهم ومرافقِهم، حتى وصلَ التطاوُل إلى شرعيَّة حكمهم، وإنزالهم حاكِمهم من كُرسيِّه. لم يسمَعوا للنداءات، ولم يستَجيبُوا لحوار، ومن يُفسِدُ بالقوة لا يُصلِحُه إلا القوة.

- نشوة الهلاك

لقد حصلَ لهذه العصابة انتِصاراتٌ سريعةٌ أمام شعبٍ أعزَل، صاحبَه نشوةُ انتِصارات، قادَتْه إلى الهلاك والإهلاك. كانوا حُفاةً عُراةً، مساكِنُهم الكُهوف، وكان اليمَن الشقيقُ قد دخلَ في اضطِرابٍ وعدمِ استِقرار.

     استغلَّت هذه العصابةُ واستُغِلَّت، استغلُّوا ضعفَ الدولة، وأعانَهم قومٌ آخرون وكانوا هم الطرفَ المُسلَّح، فتواطَؤوا مع بعض الخونَة؛ فزحَفُوا حيث زحَفُوا، حتى دخلوا عاصمة البلاد بتواطُئٍ مُشين، وهنا غرَّهم ومن وراءَهم هذا الانتِصار السريع، وظنُّوا أن اللُّقمةَ سائِغة، فتمادَوا في احتِقار الآخرين والتندُّر بهم، وأخذُوا يُهدِّدون ويُرعِدون ويُبرِقون في المنطقة، ودول الجِوار يُهدِّدونَها في وجودها واستِقرارها. وما علِموا أنهم عصاباتٌ لا يُمكنُ أن تكون بحجم من يُواجِهُ دولة، فضلاً عن أن يُواجِهوا تحالُف الحقِّ.

- خنجراً بين الطامعين

وأوضح فضيلته حقيقة هذه العصابات المارقة التي تحركها السياسات الطفولية؛ حيث قال: ووقفةٌ مع هذه العصابة وأخواتها في مواقع الفتن: ماذا قدَّموا؟ وماذا جلَبُوا؟ وهل جلَبُوا إلا الفُرقة والحزبيَّة والتعصُّب وقسوة العيش؟

عصاباتٌ لا تفهَمُ أن الأوطانَ لا تُديرُها النَّزوات والطُّموحات المارِقة، لا تستوعِبُ أن استِخدامَ السلاح ضدَّ أهل الوطن لا يُمكنُ أن يجلِبَ سلامًا، أو يُحقِّق استِقرارًا، فضلاً عن أن يبنِيَ حُكمًا.

عصاباتٌ لا تُدرِكُ آثارَ فِعالِها؛ لأن من يؤزُّهم تتغيَّر مصالِحُه، وتتبدَّلُ موازينُه، وتختلِفُ حساباتُه. إنها الطائفيَّةُ البغيضَة وأطماعُ غُويلِمَة السياسَة؛ ممن رضُوا بأن يكونوا خنجَرًا بيدِ الطامِعِين الحاقِدين، يكونوا خنجرًا في خاصِرة بلادهم وشعبِهم.

     طائفيَّةٌ بغيضة، وعصبيَّةٌ مقيتة، ما دخلَت بلدًا إلا فرَّقَته، وما تمكَّنت من شعبٍ إلا مزَّقَته، وما تمكَّنت من فِكرٍ إلا شتَّتَتْه. من استعزَّ بها ذلَّته، ومن استغنَى بها أفقرَته، ومن استقوَى بها أضعَفَته، ومن استعلَى بها أهانَته. طائفيَّةٌ لا تبنِي دارًا، ولا تعمُرُ أنصارًا، ولا تُؤسِّسُ دولاً؛ بل تُذكِي حروبًا، وتُمزِّقُ شعوبًا، وتُفرِّقُ قلوبًا.

- من المهم تحديد العدو

     وقال فضيلته: هذا حديثٌ عن الطائفيَّة والعصبيَّة، وليس عن الطائفة والمذهب، أو الفرقة أو القبيلة. فوجودُ المذاهبِ والفِرق والقبائل في الناس سُنَّةٌ من سُنن الله، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 62)، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118-119).

     ومن هنا، فمن المهمِّ - عباد الله - في أوقاتِ الفتن والأزمَات، من المهمِّ تحديدُ العدُوِّ؛ ففي أيام الفتن والمِحَن تختلِطُ الأوراق، وتلتبِسُ المفاهِيم، ومن لم يُحدِّد عدوَّه وخصمَه يكثُرُ أعداؤُه، ويزيدُ غُرماؤُه، ولا يُحقِّق هدفَه ولا يبلُغ مقصِدَه، ومن أجلِ هذا، فإن الخلافَ في هذه الأزمَات ليس مع الطوائِف، ليس مع الشيعة أو التشيُّع. معاذَ الله أن يكون حبُّ آل البيت - رضوان الله عليهم أجمعين، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا ونبيِّنا وأبيهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، معاذَ الله أن يكون ذلك مصدرَ قلقٍ، فضلاً عن أن يكون سببَ تمزيقٍ وتقطيعٍ وفتنةٍ. الخلافُ خلافُ سياسات، خلافُ توسُّع وتمدُّد وأطماع، وسُوءُ علاقاتٍ مع الجِيران، وحقِّ الجِوار، وأدبِ الجِوار، وحقِّ الإسلام، وأدبِ الإسلام. فالفِرق والمذاهِب موجودٌ أكثرُها منذ العصور الأولى للإسلام، مع ما يُحفَظ من الحِرص على الدعوة وبيان الحقِّ بالحِكمة والموعِظة الحسنة، والجِدال بالتي هي أحسن.

- توظيف الطائفية

     ولكن العداءَ والحروبَ والنِّزاعات القائمة اليوم هي بسببِ هذا التطاوُل؛ لتوظيف الطائفية، وانتِهاك حقوق الدول والشعوب، وإذكاء نيران التعصُّب، من خلال وسائل الإعلام بأنواعها، ودفع هذه العصابات وتزويدها بالسلاح، ليتقاتَلَ أهلُ البلد الواحد والأمة الواحدة. وحاشَ ثم حاشَ أن يكون آلُ البيت - رضوان الله عليهم - ومن يُحبُّهم ويُوالِيهم، حاشاهم أن يرَضَوا أو يقبَلوا أن يُهانَ المُسلمون، وأن يُذلُّوا، وأن يُشتَّت شملُهم أو تُمزَّق ديارُهم، وتُقطَّع أوصالُهم.

ولسنا ممن يتَّخِذُ الدين أو المذهبَ أو العِرق وسيلةً لتفريقِ المُجتمعات، أو إثارةِ النَّعَرات، أو إذكاء العصبيَّات، أو إحياء العُنصريَّات.

كيف وديننا يُخاطِبُ الناسَ كلَّ الناس بقولِه - عزَّ شأنُه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

 

نبذه عن الشيخ صالح بن حميد

      هو فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام، ولد سنة 1369 هـ بمدينة بريدة في القصيم، ونشأ بها، وطلب العلم وهو صغير؛ فحفظ القرآن الكريم و(التوحيد) و(العقيدة السفارينية) وغيرها، والتحق بالمدرسة الابتدائية والمتوسطة ببريدة، وكان في أثناء دراسته ببريدة قد قرأ (كتاب التوحيد) و(زاد المستقنع)، و(العقيد السفارينية)، و(ألفية ابن مالك)، وغيرها على والده، وقرأ أيضًا (فتح المجيد) على الشيخ محمد بن صالح المطوع، ثم قدم مكة مع والده، وفيها التحق بالمدرسة الثانوية، ثم بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة، وبعدها حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة أم القرى، وكان في أثناء إعداد الرسالتين مدرسًا في كلية الشريعة بالجامعة، وعين سنة 1402 هـ مدرسًا بالمسجد الحرام؛ فدرس كتبًا منها: (نيل الأوطار)، و(تفسير ابن كثير)، و(مختصر منهاج القاصدين)، وصدر مرسوم ملكي بتعيينه بهيئة كبار العلماء في 6/3/1422هـ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك