أنواع الغش وأسبابه
الغش سلوك غير أخلاقي، يقصد منه تزييف الحقائق وقلبها؛ لتحقيق غرض عاجل مادي أو معنوي، دون وجه حق؛ فالغش يتأسس على الكذب والخداع والخيانة والتزوير والتدليس؛ لذلك حرمه الله -تعالى-، وحذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَخونُوا اللَّـهَ وَالرَّسولَ وَتَخونوا أَماناتِكُم وَأَنتُم تَعلَمونَ} (الأنفال، آية:27)، ويقول -سبحانه-: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (الرحمن، آية:9)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه مسلم).
أنواع من الغش
لقد حرم الإسلام الغش بأنواعه كلها، وقد جاء في السنة المطهرة تحريم عديد من البيوع لأجل ما اشتملت عليه من الغش، ومن ذلك:
بيع النجش
وهو الغش في السلعة من جهة ثمنها، فيتواطأ البائع مع آخر على أن يأتي الأخير وقت البيع فيزيد في الثمن؛ ليغري الآخرين بها، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها» (رواه البخاري).
بيع السلعة دون إظهار عيبها
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» (رواه البخاري). وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له» (رواه الحكام وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي).
الغش بين الراعي والرعية
لم يقتصر تحريم الإسلام للغش على البيوع فحسب، بل حرمه الإسلام في كل شيء؛ لأنه خيانة لا تليق بشرف المسلم، وما ينبغي أن يكون عليه من صدق ونزاهة، فحرم غش الراعي للرعية، فجاء في الحديث المتفق عليه عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» (رواه مسلم)، وغش الراعي هو ألا يقوم على مصالح من استرعاه الله عليهم، فلا يؤدي حقوقهم ولا يدفع الشر عنهم، وكذلك غش الرعية للراعي، بالمبالغة في مدحه، وتزييف الواقع له، وتصوير أعماله العادية على أنها أعظم الإنجازات، والبطولات، فعن تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (رواه مسلم).
غش المسلم للمسلم
كما يقع الغش بين الراعي والرعية، فإنه يقع بين المسلم والمسلم حين يترك النصح له، في أمر فيه مضرة له، أو فوات مصلحة، فحين يرى المسلم أخاه المسلم وهو يقول قولاً أو يفعل فعلاً سيعود عليه بالضرر، فإن سكوته عن مناصحته فيه غش له، فعن جرير بن عبد الله، قال: «بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم» (متفق عليه).
الغش في الامتحانات
هذا نوع من أنواع الغش، وتفشى في الأزمنة المتأخرة، فمسألة الغش في الامتحانات، والغش في العملية التعليمية برمتها، قد أصبحا أمراً شائعاً، بَدْءًا من تسريب الامتحانات، ومروراً بإعداد الأبحاث العلمية والرسائل الجامعية لمن يدفع ثمنها، وتقديمها لنيل الدرجات والألقاب وكذلك إحراز الوظائف بالشهادات المزيفة، وهي أمور تنم عن ضعف إيمان من يقوم بها، وركونه إلى الدنيا وغفلته عن الآخرة، قال -تعالى-: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة المطففين، آيات 4-6).
إن الغش تزييف للحقائق، وإحقاق للباطل، وإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، وإعطاءِ كل ذي حق حقه، وإن انتشار ذلك يوصم المجتمع كله بالفساد، ثم إن السكوت عليه يعطل أثر الدين والنزاهة والفضيلة والطهارة في النفوس؛ فلا يكون لشيء من ذلك من تأثير ولا أثر في الحياة، فإذا بالغشاشين في كل مناحي الحياة ودروب العمل والمؤسسات قد صاروا بالغش في موقع الصدارة، بينما المجتهدون قابعون في القاع أو في زاوية المشهد لا دور لهم ولا تأثير، إن ذلك له تأثير سلبي كبير في النفوس، ولا سيما في نفوس الأجيال الصاعدة التي لا ترى لبذل الجهد والاجتهاد قيمة، فإذا بهم يسلكون الطريق السهل طريق الغش والفهلوة لكي يكون لهم مكان في الحياة.
مكافحة الغش في الامتحانات
لا تكون مكافحة الغش فقط بتنمية الوازع الديني في النفوس بل الأهم هو ردع الغشاشين، وإحكام الرقابة الرشيدة العادلة الواعية لمنع الغش وأسبابه في مناحي الحياة.
اقتراح لحل المشكلة
إذا كانت المصانع الكبرى للشاي والمشروبات والمأكولات، والعطور، لديهم أفراد معينون لاختبار الطعم والرائحة، قبل عرض السلعة في الأسواق، لماذا لا تكون لدى وزارات التربية والتعليم المحترمة في بلاد المسلمين أقسام كهذه؟ يأتون فيها بطلاب من الشريحة المستهدفة للمنهج المقترح من مستويات تحصيلية متعددة، تُعرض عليهم تلك المناهج لاختبار توافقها وصلاحيتها قبل إقرارها، لماذا يكون الاعتماد في اختيار المناهج فقط على الخبراء الذين هم دائماً من مستويات علمية رفيعة، بينما هم يقومون بإعداد مناهج لصغار الدارسين؟ إن اختبار المنتج التعليمي قبل عرضه وتفعيله يجنبنا الخلل الكبير، ويردم الهوة بين الطالب والمنهج، وربما يؤدي إلى تقليل ظاهرة الغش، أو على أقل تقدير تقويض سبب مهم من أسبابه، ويبقى -دائماً وفوق كل شيء- تنمية الوازع الديني والشعور بالمسؤولية هما حجر الزاوية في القضاء على هذه الظاهرة؛ فمهما كانت أسباب الغش، فإنه ليس له ما يسوغه؛ لأنه في كل الأحوال حرام شرعاً.
لاتوجد تعليقات