رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 4 أكتوبر، 2016 0 تعليق

أنـواع الشهـداء- الجهاد تعريفه – أحكامه – ضوابطه

يدخل في الشهداء كل مَنْ ماتَ وهو يسعي على رزقه وأولاده وأهله والعمل من أجل بناء أسرته ونهوض بلده المسلم إذْ يُعد ذلك كله جهاداً في سبيل الله تعالى

 الشهادة لا تقتصر على الموت في محاربة الكفار فقط فشهداء أمة محمد  صلى الله عليه وسلم كثيرون وهو من فضل الله تعالى على هذه الأمة المباركة

 

فضائل الجهاد كثيرة جداً، فهو من أفضل القُربات، ومن أعظم الطاعات، وهو ذروة سنام الإسلام، وبابٌ عظيم من أبواب الشريعة الغراء، يقوم به ذوو الفضل والشرف والسُّؤدد في الدّين، دعوة ودفعاً؛ لما يترتّب عليه من مصالح عظيمة لأمة الإسلام، من نصر للمؤمنين، وإعلاء لكلمة الدين، وقمع للمنافقين والكافرين، وتسهيل لانتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج للعباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام، وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، واليوم نستكمل الحديث عن أحكام الجهاد وضوابطه فنقول:

     كثيرٌ من الناس يعتقد: أنَّ الشهادة تقتصر على الموت في محاربة الكفار فقط! ولكن الصحيح أنَّ شهداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم كثيرون، وهو من فضل الله -تعالى- على هذه الأمة الإسلامية المباركة، وقد ورد ذلك في أحاديث صحيحة كثيرة، منها:

الشهداء خمسة

1- حديث: أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ؛ والغَرِقُ، وصَاحِبُ الْهَدْمِ، والشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ». الحديث متفق عليه. فأما «المطعون» فهو الذي يموتُ في الطَّاعون،كما في الرواية الأخرى: «الطاعون شهادةٌ لكلِّ مسلم».  وأما «المبطون» فهو صاحب داء البطن، وهو الإسْهال. قال القاضي: وقيل: هو الذي به الاسْتسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي تشتكي بطنه. وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا.

وأما «الغَرِق» فهو الذي يموت غريقاً في الماء، و«صاحب الهدم» من يموت تحت هدم البيت ونحوه.

     و«صاحب ذات الجنب» وهي قُرحة تكون في الجنب باطناً، وهو: التهاب غلاف الرئة، فيحدث منه سعالٌ وحمى ونخس في الجنب، يزداد عند التنفس، و«الحريق» الذي يموت بحريق النار.  وأما «المرأة تموتُ بجمعٍ» فهو بضم الجيم وفتحها وكسرها، والضم أشهر، قيل: التي تموت حاملاً جامعة ولدها في بطنها، وقيل: هي البكر، والصحيح الأول. قال النووي: والمبطون هو صاحب داء البطن. وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا. وقوله: المرأة تموت بجمع شهيد. أي: تموت وفي بطنها ولد؛ لأنها ماتت مع شيءٍ مجموع فيها غير منفصل، وهو الحمل.

ما تعدون الشهادة؟

2- وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه في حديثه الطويل: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :»... وما تعدون الشهادة؟ «قالوا: القتلُ في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى القَتْلِ في سَبِيلِ اللَّهِ: المَطْعُونُ شهِيدٌ؛ والغَرِقُ شهِيدٌ؛ وصاحبُ ذاتِ الجَنْبِ شهِيدٌ؛ والمَبْطُونُ شهِيدٌ؛ والحَرِقُ شَهِيدٌ؛ والذي يَمُوتُ تحت الهَدْمِ شهِيدٌ؛ والمَرأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شهِيدٌ». أخرجه مالك (1/233-234) وأبو داود والنسائي في الجنائز، وأحمد (5/ 446).

السل شهادة

3- والسِّلُّ شهادةٌ: فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «السِّلُّ شهادةٌ» أخرجه أبو الشيخ، ورواه الطبراني من حديث سلمان، وصححه الألباني.  قال المناوي في فيض القدير: السِّل قُرحة في الرئة، معها حُمى دقيقة.

السقوط عن الدابة

4- والسقوط عن الدابة شهادة: فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صُرعَ عن دابَّته فهو شَهيدٌ». رواه الطبراني، والروياني في مسنده، كما في الصحيحة للألباني (2346). قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة، بتفضّل الله تعالى؛ بسبب شدّتها، وكثرة ألمها اهـ. قاله النووي (13/63).

     وقال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدَّة، تفضَّل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم  بأنْ جعلها تمحيصًا لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء اهـ.

المائدُ في البحر

5- ويدخل في هؤلاء الشهداء: المائدُ في البحر: فعن أمِّ حرام رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المائدُ في البَحرِ الذي يُصيبه القَيء، له أجرُ شهيد، والغريقُ له أجرُ شهيدين». رواه أبو داود وحسنه الألباني، والمائد في البحر: هو الذي يُصيبه القَيء، بسبب دُوار البحر.

     قال ابن النحّاس في فضله في كتابه: (مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق)، وذكر حديث الصحيحين السابق، وحديث أبي داود ثم قال بعد كلام: واعلم أنّ لغزو البحر فضائل، ليست لغزو البر.  منها: أنَّ شهيدَ البحر أفضلُ على الإطلاق من شهيد البر. ومنها: أنَّ غزوة في البحر أفضل من عشر غزوات في البر؛ لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «غزوةٌ في البحر، خيرٌ مِنْ عشرِ غزواتٍ في البَر، ومَنْ أجاز البَحرَ، فكأنما أجازَ الأوديةَ كلَّها، والمائدُ فيه كالمتَشحِّط في دمه». رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي والألباني. قال ابن قدامة: لأنَّ البحرَ أعظمُ خطراً ومشقة، فإنه بين العدو، وخطرِ الغرق، ولا يتمكَّن من الفرار إلا مع أصحابه، فكان أفضل من غيره.

السقوط من رُؤوس الجبال

6- ويدخل فيهم: مَنْ سَقَط من رُؤوس الجبال ونحوها: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إنَّ مَن يتردَّى منْ رُؤوس الجبال، وتأكلُه السِّباع، ويغرق في البحر، لشهيدٌ عند الله». أخرجه عبد الرزاق، وقال الحافظ في (الفتح) (6/52): إسناده صحيح.

الدفاع عن الدين

7- ومما يدخل في الشهادة: الدفاع عن الدِّين والأهل والمال والوطن المسْلم: فعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ». رواه الترمذي وحسّنه.

الدفاع عن المال

8- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ إنْ جاءَ رجلٌ يريدُ أخذَ مالي؟ قال: «فلا تُعطِهِ مالَكَ». قال: أرأيتَ إنْ قاتَلَني؟ قال: «قاتِلهُ». قال: أرأيتَ إنْ قتَلَني؟ قال: «فأنتَ شهيدٌ». قال: أرأيتَ إنْ قَتلتُهُ؟ قال: «هوَ في النَّارِ». رواه مسلم.

الجنود المرابطون

9- ويدخل في ذلك أيضا: الجنود المرابطون على حدود المسلمين، الذين يَسهرون ليلهم، ويقضون نهارهم، في حراسة بلادهم، والدفاع عنه وحماية منشآته؛ وقد ذكرهم صلى الله عليه وسلم بقوله: «عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ وعَيْنٌ باتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رواه الترمذي والطبراني والبيهقي.

السعي على الرزق

10- ويدخل في الشهداء: كل مَنْ ماتَ وهو يسعي على رزقه وأولاده وأهله، والعمل من أجل بناء أسرته، ونهوض بلده المسلم؛ إذْ يُعد سعيه على معيشته، وخدمة بلاده جهاداً في سبيل الله تعالى.

     فعن كعبِ بن عُجْرَة رضي الله عنه قال: مَرَّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رجُلٌ، فَرَأَى أَصحابُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَلَدِهِ ونشاطِه، فقالوا: يا رسول اللَّهِ، لو كان هذا فِي سبِيلِ اللَّهِ؟ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى على ولدِهِ صِغارًا، فهو في سبِيلِ اللَّهِ، وإِنْ كان خَرَجَ يَسعَى على أَبَوَينِ شَيخَينِ كبيرَينِ، فهو فِي سبِيلِ اللَّهِ، وإِنْ كان يَسْعى على نَفْسه يُعِفُّها، فهو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وإِنْ كان خَرَجَ رِيَاءً ومُفاخرَةً، فهو فِي سبِيلِ الشَّيطَانِ». رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1692، 1959) بشواهده، وقد أكَّد القرآن هذا في قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} المزمل: 20.

     قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: «سوَّى الله -تعالى- في هذه الآية بين درجةِ المجاهدين، والمكتسبين المال الحلال، فكان هذا دليلاً على أنّ كسبَ المال بمنزلة الجهاد؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله». ومما سبق: أنَّ الشهداء سوى القتل في سبيل الله تعالى كثير.

ضوابط الشهادة

     ولا بد مِن أنْ نتذكّر: أنَّ من ضوابط الشهادة المهمة: ضابط النية؛ فقد يكون المسلم في الظاهر مجاهداً في سبيل الله، وفي الباطن غرضه الدنيا، أو منصب، أو جاه، أو عصبية، أو غير ذلك، فيكون مصيره جهنم، والعياذ بالله تعالى.

     وكذلك لابدَّ أنْ يكون عمله ضمن ما شرع الله تعالى، فمن يموت بسبب معصية، أو مخالفة لشروط الجهاد وضوابطه، لا يقال له: شهيد، ولو كانت الميتة مذكورة في الشهادات! كمَنْ خرج على إمامه وافتات عليه فقتل لخروجه، أو قتل وهو يدافع عن نفسه ظالماً! ومثله من دخل دارًا ليَسرق، فانهدم عليه الجدار فمات بالهدم، فلا يقال له شهيد! وكذلك الميتة بحملٍ من الزنا وأمثالهم.

     وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن رجلٍ ركب البحر للتجارة فغرق، فهل مات شهيداً؟ فأجاب: نعم، مات شهيداً، إذا لم يكنْ عاصيًّا بركوبه. انتهى.

     وقال في موضع آخر: ومَن أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك، وجبَ عليه الكفُّ عن سلوكها، فإنْ لم يكف، فيكون أعان على نفسه، فلا يكون شهيداً. انتهى

الشهداء ثلاثة

يتحصّل مما ذكر من هذه الأحاديث: أنّ الشهداء ثلاثة أنواع:

1- شهيد في الدنيا فقط.

2- شهيد في الآخرة فقط.

3- شهيد في الدنيا والآخرة معاً.

شهيدُ الدُّنيا والآخرة

      أما شهيدُ الدُّنيا والآخرة معاً: فهو الذي يُقتل في الجهاد في سبيل الله، مقبلاً غير مدبر، لا لغرضٍ من أغراض الدنيا، ففي الحديث: عن أبِي مُوسى قال: سُئلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الرَّجلِ يُقَاتِلُ شَجاعةً، ويُقاتِلُ حَمِيَّةً، ويُقاتلُ رِيَاءً، أَيُّ ذلك في سَبيلِ اللَّهِ؟ فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هيَ الْعُلْيَا، فهو في سَبيلِ اللَّهِ». رواه البخاري.

شهيد الدنيا فقط

    أما شهيد الدنيا فقط: فهو مَن قُتل في الجهاد، لكنْ قتاله كان رياءً أو سُمعة، أو شجاعة، أو عصيبة، أو لغرض من أغراض الدنيا، أي لم يكنْ في سبيل الله، فهو في الدنيا يعامل معاملة الشهيد، فلا يُغسَّل ولا يصلى عليه، وينتظره في الآخرة ما يستحق من عقوبة، جزاء سُوء قصده، وخُبث طويته؛ فهو أحدُ الثلاثة الذين أول مَنْ تُسعَّر بهم جهنم،كما جاء في الحديث في صحيح مسلم.

شهيدُ الآخرة فقط

     أما شهيدُ الآخرة فقط: فهو مَن يُعطَى يوم القيامة أجر الشهيد، كالمطعون والمبطون والغريق... وغيرهم ممن ذكرنا في الأحاديث آنفاً، ولكنه لا يُعامل معاملة الشهيد في الدنيا؛ مِنْ ترك تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، بل يُغسّل ويكفّن ويُصلى عليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك