أمة الإسلام تمرض ولكنها لا تموت
تعرَّض الإسلام والأمة الإسلامية عبر تاريخها إلى نكبات ومحن عظيمة، لو تعرض لها دين آخر أو أمة آخرى لانمحت من الوجود؛ ولكن لأنه دين الله والله حافظه قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)، أعظم هذه النكبات وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانت مصيبة عظيمة، ولو توقف الإسلام على أحد أو منصب لكان منصب النبوة.
لقد استمر الإسلام برغم وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وحصلت الردة في معظم شبه الجزيرة العربية، ولم تكن تصلى الجمعة إلا في ثلاثة مساجد، ومنع القوم الزكاة، وادعى قوم النبوة مثل مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح، واستطاع أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بثباته على الحق أن يصمد أمام هذه المحن العظيمة، وأن يحفظ الله به الدين، وأن يثبت الصحابة.
عاد الناس وبدأت الفتوحات
وفي خلال سنتين عاد الناس إلى دفع الزكاة وإلى الإسلام مرة أخرى، وبدأت الفتوحات الإسلامية في العراق ثم تُوفي أبو بكر، واستمر الإسلام في عهد عمر - رضي الله عنه - وانتشرت الفتوحات الإسلامية عشر سنوات، ثم قتل عمر شهيداً، واستمر الإسلام، ثم عثمان، اثنتا عشرة سنة ثم قتل مظلومًا شهيدًا، واستمر الإسلام، ثم الفتن العظيمة التي حدثت بين الصحابة في عهد علي - رضي الله عنه - ومعركة الجمل وصفين والخوارج ثم قتل علي - رضي الله عنه -، واستمر الإسلام.
الدولة الأموية
قامت الدولة الأموية ثم قامت على أثرها الدولة العباسية، ووصل الإسلام إلى حدود الصين شرقا والمحيط الأطلسي غربًا، وفتحت بلاد الأندلس، ثم كانت فتنة عظيمة وهو ادعاء أن القرآن مخلوق في عهد الخليفة المأمون وعهد الإمام أحمد -رحمه الله-، وثبت الإمام أحمد في هذه المحنة وحفظ الله به الدين برغم ما تعرض له من الجلد والسجن.
الحملات الصليبية
وتعرضت الدولة الإسلامية لحملات صليبية شرسة، وسقط بيت المقدس في أيدي الصليبيين في أيام قُتل فيها أربعون ألفا بالسيوف - لا أقول بالصواريخ ولا القنابل- ولا تصلى الجمعة والجماعة في المسجد الأقصى، ولا يرفع فيه الأذان طيلة 92 عامًا، وحُول المسجد الأقصى إلى حانات للخمور وإسطبل للخيل، ثم انتصر الإسلام في معركة حطين على يد صلاح الدين الأيوبي وحرر المسجد الأقصى.
تسلط التتار
ثم تعرضت الأمة الإسلامية لخطر أعظم، وهو تسلط التتار (المغول) على البلدان الإسلامية من مدينة بخارى حتى خراسان، ثم سقطت حاضرة الخلافة العباسية الإسلامية بغداد وقُتِل ألف ومائتان من الوجهاء والقضاة والعلماء، وقُتِل من المسلمين ألف ألف (مليون) وثمانمائة ألف في مذبحة لم يعرف التاريخ مثلها، ثم استولوا على مكتبة بغداد، وجعلوا تراث المسلمين جسرًا يعبرون عليه بخيولهم على نهر دجلة والفرات إلى بلاد الشام لاستكمال هجمتهم الشرسة، وسقطت معظم بلاد الشام حتى قيض الله للإسلام سيف الله قطز الذي انتصر على التتار في معركة عين جالوت وغلب الإسلامُ التتارَ ودخلوا في الإسلام.
سقوط الخلافة
وسقطت الخلافة الإسلامية في الأندلس في المغرب بعد ثمانية قرون، وقامت الخلافة العثمانية في المشرق، وفتحت القسطنطينية واستمرت لمدة أربعة قرون، ثم ضعفت بسبب انتشار الفكر الصوفي والخرافات، وسقطت الخلافة الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، وتفككت الأمة العربية والإسلامية إلى دويلات، وانتشرت العلمانية والشهوات حتى قامت الصحوة الإسلامية في البلاد الإسلامية مرة أخرى.
حتى لا نصاب بإحباط
نذكر ذلك المرور السريع على التاريخ حتى لا نصاب بإحباط أو يأس أو قنوط أو شك في أن المستقبل للإسلام، فالمشروع الإسلامي لا يتوقف على شخص أو منصب أو كرسي، وإن حدث ارتفاع للباطل في لحظة فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران:140).
لاتوجد تعليقات