رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 3 أغسطس، 2015 0 تعليق

أكثر من 800 شهيد وآلاف الأسرى الكويتيين من ذاكرة الاحتلال 2/8/1990

كل المؤشرات تدل على أن التخطيط لاحتلال الكويت كان قبل فترة طويلة من يوم الخميس 2/8/1990 يوم بداية تحرك القوات العراقية باتجاه الكويت وتخطيها الحدود، وكانت كل المعطيات تؤكد على نية مبيتة، فالاختراق الأمني والسياسي والإعلامي كان على أشده في تلك الفترة، ولكن لم يدر في خلد أحد من الزعماء العرب أو القيادة السياسية في الكويت أن حجم التخطيط لهذه الكارثة العربية بهذا الكم الهائل من الانحدار والاستهانة بكل العلاقات الأخوية والعربية والإسلامية.

 

شهرين ونصف تحت الاحتلال

الاجواء قبل الاحتلال

     كانت الاجواء غير مريحة؛ فالإشارات التي أرسلها العراق تدل على نكران الجميل لموقف الكويت بالكامل معه لـ 8 سنوات في حربه مع ايران، كانت الكويت تتوقع أن يبادر الرئيس صدام إلى مكافئة الكويت على موقفها بحل مشكلة الحدود. وكنت اتوقع أن ينفتح العراق على دول الخليج لبناء العراق وبدء الاستثمار بعد حرب مدمرة لمدة ثماني سنوات مع إيران، أنهكت العراق اقتصاديا فكانت زيارة سمو الأمير الشيخ جابر الاحمد لبغداد في 23/9/1989، زيارة الشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات أيضا بعد قمة بغداد الاستثنائية (28 إلى 31 مايو 1990م).. وهو طريق طويل ولكن ثماره كبيرة على العراق ولكن صدام اختار الطريق الأقصر المدمر لحل مشكلاته الاقتصادية بافتعال أزمة مع الكويت! وأن الكويت تسرق النفط العراقي من حقل الرميلة.. لم يكن الأمر ليصدق أن الكويت التي ساعدت العراق بـ 18 مليار دولار خلال حربه، هي الآن تسرق نفطه!! هنا بدأت أتابع بدقة المشهد، وأذكر أني اشتريت (إريل) خاص لمتابعة التلفزيون العراقي عن كثب! ولم تكن أطباق الأقمار الصناعية منتشرة آنذاك.

ليلة الغزو الصدامي 1/8/1990

     اتصل بي شقيقي الأكبر سعود عصر يوم الأربعاء 1/8/1990 ليدعوني إلى وليمة العشاء في منزله في العارضية بمناسبة قدوم ابن خالتي ناصر من الرياض؛ فقلت له اليوم عاشوراء سأفطر في بيتي. قال: إذن نؤخر العشاء. وافقت وذهبت إلى ديوانه وكان هناك مجموعة من الاقارب، كان جل الحديث عن العراق والكويت والمباحثات الجارية في جدة، واختلفنا هل سيقدم العراق على عمل شيء ضد الكويت أم مجرد تهديد وابتزاز! وكان رأيي أنه يجب ألا نقامر في أمن الكويت؛ فأي كلمة تهديد من العراق يجب أن نأخذها على محمل الجد، ونعد لها إعدادا جيدا. فكرنا بكل الاحتمالات التي يمكن أن تحصل، ولم نكن نعلم بأن الجيش العراقي قد أعلن ساعة الصفر، وبدأ يزحف إلى الحدود الكويتية الشمالية.

     خرجت من بيت شقيقي حوالي الساعة 11:30 متوجها إلى سكني في الرابية وأنا في السيارة فتحت الراديو لأتابع الأخبار، وإذا بإذاعة راديو مونت كارلو الدولية وهي المرة الأولى التي أستمع إلى هذه الإذاعة واذا هي تعلن فشل المباحثات الكويتية العراقية في جدة، وأن سمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله وصل إلى الكويت على أمل استكمال المفاوضات لاحقا في أحد البلدين. تحليلي وقتها يدل على أن العراق بحاجة إلى دعم مادي، وأن الكويت تريد شيئا ما في مقابل الدعم ولكن النفسية الاستعلائية لصدام تجعله يرفض كل شيء؛ لذا أيقنت أن العراق سيعاقب الكويت بطريقة غير مسبوقة. وصلت إلى منزلي؛ حيث أسكن بالإيجار في منطقة الرابية، قلت لزوجتي: أعتقد أن العراق سيغزو الكويت، بعدها (طار) النوم مني ومن زوجتي وكلانا يستمع الأخبار، فكرت في نفسي وقلت: نحن في شهر الله المحرم وفي يوم عاشوراء، فالكويت صامت هذا اليوم لتفطر على أكبر مؤامرة عرفها العالم بتحرك القوات العراقية لاحتلال الكويت، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (التوبة: 36).

يوم الغزو الهمجي 2/8/1990

     وحوالي الساعة الرابعة تم إذاعة البيان الأول ليوم النداء المزعوم، وقد استمعت له من تلفزيون العراق مباشرة، وقد ذهلت للهجة وللأسلوب وكأن العراق يدخل حربا ضد إسرائيل، وليست الجارة العربية الكويت. وبعدها سمعت أصوات قذائف مدفعية، اتصل بي شقيقي بدر من بريطانيا ليعرف ما الذي يحدث؟ فأخبرته بصوت المدفعية، وقال: إن المحطات الفضائية تبث أخبار الغزو العراقي. هنا أدركت أن العراق احتل الكويت وأنه سيعيث فيها الفساد. خرجت من البيت في الساعة السابعة صباحا لسحب بعض النقود تحسبا لأي طارئ وعلى الطريق الدائري السادس كانت الدبابات العراقية من أمامي ومن خلفي، وكنت أظنها دبابات كويتية وفي منطقة الضجيج كانت هناك ماكينة سحب آلي لبيت التمويل الكويتي فسحبت مبلغ 400 دينار ثم رجعت البيت. طلبت من زوجتي أن توقظ الأبناء وخرجت إلى منطقة الفحيحيل خوفا عليهم من أي اقتحامات للبيوت من قبل الجنود العراقيين. وصلت إلى الفحيحيل وعرفت أن الجنود العراقيين قد دخلوها عن طريق البحر؛ فخرجت منها متوجها إلى الحدود الكويتية السعودية ولكن اعترض طريقنا أحد الضباط الكويتيين في منطقة الجليعة، ولا أعلم السبب وقد يكون بسبب احتلال القاعدة البحرية أو خروج سمو الأمير في هذا الوقت، هنا قررنا الرجوع إلى المنزل وبدأت المعاناة مع الاحتلال.

المعاناة مع الاحتلال

     كانت فترة الاحتلال مريرة بكل معنى الكلمة، فأنت ترى الكويت الدرة الجميلة المتألقة قد انتهكت أرضها، وفضاؤها ممن لا يقيم للإنسانية وزنا، ولا للحياة اعتبارا ولا للجمال تقديرا. فبدأ بقتل كل شيء: الإنسان والحيوان والبيئة كلها، وتفنن في صنوف التخويف والتهديد والاعتقال، وسعى بطريقة هستيريه إلى النهب والسرقة، والتدمير، والخراب.. والقضاء على كل ما هو جميل، حتى أضحت الكويت بلد الأشباح والقتل والعصابات والسرقات.

     حاول الكويتيون لملمة شؤون حياتهم، فتجمعت العوائل، وتوحد الجيران، واقتربت الأنفس حماية لأنفسها وتأمينا لمعيشتها. فأبلوا بهذا بلاء حسنا، فنظموا حياتهم بطريقة عجيبة فكيف يستطيع شعب لا حكومة له أن يدير كل هذه الأمور؟ فنظم المستشفيات والجمعيات التعاونية والمخابز وتوزيع الأموال والمقاومة ونقل الأخبار.

     لقد كنت منغمسا في هذا الهم الكبير، فيوميا أسمع أخبار القتلى من الكويتيين المدنيين وحالات الاعتقال على أتفه الأسباب والتعذيب المرعب، والسيطرات والتفتيش ومداهمة المساكن. في هذه الفترة كانت أسرتي في منزل أهلها بالعمرية عند أختها؛ حيث إن أمها وأخيها في تركيا، وأنا بقيت مع أهلي في الفروانية الوالد والوالدة وأخي سعود وأسرته وأخي وليد وأسرته وأختي ثم جاءتنا عمتي وابنها وأسرته؛ فكان هذا التجمع يشعر بالأمان نوعا ما، ولكن خرج أخي سعود وأسرته في يوم 11/8/1990 ولم أستطع الخروج معه؛ لأن زوجتي أنجبت طفلة في هذا اليوم في مستشفى الفروانية حيث شاهدت عند دخولي جثث الجنود العراقيين تجهز لنقلها إلى العراق، وقد عشت وشاهدت وسمعت عن معاناة الكويتيين في الحصول على الخبز أو الغاز أو حتى الذهاب إلى المستشفيات أو حتى الصلاة في المساجد. وأذكر عندما داهم منزل إقامتي في العمرية 20 جنديا عراقيا بالرشاشات و(الآر بي جي) فقط للتفتيش عن لا شيء وكنت وحيدا والبقية من النساء والأطفال، كان القلق ينتابني في حماية أهلي وأطفالي وليس حماية نفسي. تدريجيا بدأ الناس بالخروج من الكويت حتى أصبحت الشوارع في النهار شبه خالية. أدركت أنه يجب أن أخرج لعمل أي شيء لصالح بلدي، وهنا لا أستطيع فعل شيء يذكر ولاسيما مع أقتراب يوم مؤتمر جدة يوم مبايعة الشرعية والوحدة الوطنية.

الخروج

1- في يوم الاثنين 26 ربيع أول 1411هـ الموافق 15/10/1990 ومع ساعات الصباح الباكر قررت أن أخرج من الكويت إلى السعودية بعدما أصبحت منطقة العمرية التي أنا فيها موحشة في النهار، وبدأت عمليات التفتيش على المنازل ومداهمتها أمرا لا يطاق، ويصعب العيش معه، وبدأت تقل الخدمات والاحتياجات والعلاج والخبز والغاز، وأصبحت كل محاولة للحصول على هذه الخدمات هي من قبيل المغامرة التي قد تنتهي بالاعتقال والتعذيب والقتل.

2- خرجت الساعة 7 صباحا متوجها إلى الحدود ومعي زوجتي وابني عبدالله (6 سنوات)، وبناتي الثلاث ( 10و4 وشهران). والغريب كان هذا اليوم هادئا حتى ظننت أمرا ما قد يحدث، مثلا القبض على الشباب عند الحدود أو ما شابه، المهم انطلقت، بسيارتي ووضعت فيها أغراضا بسيطة، ملابس ومبالغ عراقية وكويتية في محفظتي، وخبأنا مبلغ 800 دينار بالعملة الألمانية عند الأهل، وأخذت معي 3 جوازات: جوازي وجواز زوجتي وجواز ابنتي الكبيرة والبقية مسجلين في جواز الأم. وكان معي شهادة جنسيتي وجنسية زوجتي، وأيضا شهادات ميلاد الأبناء الأصلية.

3- وعندما سرت في شارع خادم الحرمين الشريفين (وقتها اسمه طريق الرياض السريع) كان الشارع خاليا وهادئا على غير العادة. وصلت إلى مركز الحدود العراقي عند الإطفاء في منطقة الأدعمي ولم يكن بالمركز إلا أنا وشخص آخر من أهل البادية بمفرده في (وانيت) أبيض صغير يحمل أغراضا، ثم جاءني المفتش، وكان يلبس سفاري (مدني) وقال: ليش بتطلع؟ قلت له: أنا لدي مولودة صغيرة وتحتاج إلى رعاية طبية فقال: نعم! وطلب الجوازات وسلمتها له، وكذلك البطاقات وطلب نقودا فسلمته المحفظة كلها فأخذ بعضا منها وأرجعها. وقال: هل لديك شي في الصندوق (دبة السيارة)؟ قلت: ملابس الأطفال، نزلت وفتحت الصندوق ورأى ما به ثم أغلقته، وركبت السيارة.. تشجعت من طريقة تعامله، فقلت: هل هناك نقاط تفتيش بعدك؟ قال: اثنتين! قلت: هل يطلبون شيئا؟ أقصد الأوراق الرسمية؟ قال: لا.. فتحركت وأنا غير مصدق سهولة الإجراءات! وفعلا جاءت أول نقطة تفتيش وكان بها جنديان عراقيان توقفت وقلت: تريدون اي شيء؟ عندي شاي وأكل؟ قال: نريد أكلا فأعطيتها سندويشات الأطفال. ثم تابعت السير إلى مركز النويصيب الحدود الكويتي وكان بها جنديان عراقيان، توقفت وهنا طلبوا نقودا فسلمتهم المبالغ العراقية التي بحوزتي. هنا عرفت أنه لا يفصلني عن الحدود السعودية إلا القليل.

4- كنت خائفا وغير مصدق أني عبرت هذه النقاط بهذه السهولة وكان الخوف على الأهل والأبناء هو الأساس.. وكنت أحث ابنتي الصغيرة لتلتزم الصمت فقد كانت تنشد أناشيد وطنية.

5- وقبل أن أصل المركز السعودي كانت هناك حواجز أسمنتية؛ بحيث تجعل السيارة تأخذ يمينا ويسارا. ورأيت جنديا سعوديا يركض باتجاهي رافعا يديه مرحبا بحرارة ويقول: الحمدلله على السلامة ويكررها، وكان فرحا كأنه أحد أقربائي، وظل يركض بجوار سيارتي ويقول من هنا، من هنا وهو في سعادة كبيرة. حتى توقفت وقال: الحمدلله على السلامة، قلت: الله يسلمك، قال: أنت بخير؟ قلت: الحمدلله.. وقال: هل آتيك بشيء؟ ماء، أكل..قلت لا، لا؛ حيث إن نفسيتي وصلت إلى الصفر وليس لي شهية لأي طعام، أخرجت زفرة أنفاس عميقة تمثل حجم معاناة الصمود شهرين ونصف تحت الاحتلال، ثم أطرقت متسائلا: هل يعني هذا خروجي من بلدي إلى الأبد، وقد لا أعود إليها مرة أخرى؟لقد دخلت إلى المجهول!

6- ثم ذهبت إلى لجنة التعريف بالكويتيين؛ سألني الموظف هل لديك أي إثباتات؟ قلت: نعم، وسلمته جنسيتي الأصلية وجنسية زوجتي وشهادات ميلاد الأولاد. وقال ( مستغربا): لم يأخذوها منك؟ قلت: أخذوا مني الجوازات والبطاقات فقط ولم يطلبوا غيرها! هنا تعرفوا علي وقال أحدهم أنا أعرفه هو بمنطقة الرابية وقال آخر أنا أعرف شقيقك بدر. وخرجت منهم بعد أن قالوا إن لك مبلغ 700 ريال للطريق تأخذه من مكتب شركة الزيت العربية. وقتها الجندي السعودي جاء بكرتون فيه سندويشات. جزاه الله خيرا.

7- انتهينا من إجراءات الجمارك والجوازات ثم ذهبنا بعدها إلى فندق (شاطي الخفجي)؛ حيث خصص المبنى إقامة مؤقتة للنساء، في حين خصصت خيمة كبيرة عند سور الفندق من الداخل للرجال. الأحاديث كانت تدور حول المآسي في الداخل وتجربة كل شخص. حقيقة لم أكن مشدودا للحديث، فالتركيز كيف أخدم الوطن الآن بعد تأمين أسرتي؟ انتظرنا حتى الغداء وكان عبارة عن رز ولحم وبرتقال بعدها تعرفت على أحد الإخوة ط؛ حيث طلب منى مرافقته إلى الرياض، بسبب ظروفه الصحية وأيضا معه والدته المريضة ووالده المسن وأخوه المعاق.

8- وصلنا إلى الدمام ولم نجد سكنا إلا في عمارات الإعاشة الكويتية في غرف الحراس. النساء في مكان ونحن في مكان آخر وفي صباح الثلاثاء تحركنا إلى الرياض، ووصلت الأخ الذي رافقته وعائلته إلى الفندق، وذهبت إلى منزل شقيقي سعود في حي العريجاء بالرياض.

9- رتبت أموري المعيشية بسرعة من إيجار شقة وأجهزة منزلية وأثاث وأخذت أبحث عن عمل أخدم فيه الكويت، وفعلا وجدت عملا في السفارة مع الملحق الثقافي وقتها الأستاذ يوسف حمد الصانع ثم كلفتني الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بأن أكون مشرفا عاما على دوراتها التدريبية في الرياض.

10- بقيت على هذه الحال من العمل ومتابعة الأخبار والكتابة للجرائد السعودية وجريدة صوت الكويت حتى جاءت فرحة الضربة الجوية يوم 17/1/1991 ثم يوم التحرير 26/2/1991 هنا قررت الدخول إلى الكويت وفعلا استخرجت بطاقة عسكرية وذهبت لوحدي عبر الأرتال العسكرية والطرق الموحشة إلى أن وصلت حدود الكويت يوم الأربعاء 18رمضان1411هـ الموافق3 /4/1991وقال لي الموظف الكويتي على الحدود احذر أن تخرج من الطريق؛ فالأرض كلها ألغام، وهكذا دخلت الكويت إلى أن وصلت منزل الوالد بمنطقة الفروانية في الساعة 12 ليلا.

 

حملت ا لسلاح وتوجهت إلى معسكر «الجيوان»

جاسم المسباح

     كنت ضابطاً مجنداً قبل الغزو الغاشم.. وفي شهر يوليو من عام 1990 أي قبل الغزو الصدامي بأسبوعين تقريبا كنت في خفارة في مركز العمليات في معسكر (الجيوان) وورد اتصال من القوات الكويتية المتقدمة على الحدود الكويتية العراقية على الخط الساخن المباشر لمعسكرنا وكنت أنا المكلف في وقتها فرفعت سماعة الهاتف وإذا بالمكالمة تفيد عن بدأ حشد القوات العراقية على الحدود الشمالية الكويتية وأن الأرتال العراقية متجهة إلى منطقة أم القصر على الحدود بين الكويت والعراق.. هنا حصل استنفار كامل للجيش الكويتي.. ثم جاءت تطمينات من بعض الحكومات العربية بعدم استفزاز العراق من خلال الاستنفار!؛ مما جعل الجيش الكويتي يتحول إلى حجز جزئي. ولكن في يوم الخميس 2/8/1990 وبعد صلاة الفجر بساعة تقريبا سمعت صوت طائرة حربية اخترقت حاجز الصوت فإذا باتصال من والدي يخبرني بدخول القوات العراقية الأراضي الكويتية وسعيها إلى احتلال الكويت. لقد كانت ردة الفعل بالنسبة لي سريعة فقد لبست اللباس العسكري وتوجهت إلى معسكر (الجيوان) مقر تكليفي كضابط مجند، وحملت السلاح وهي بندقية الذاتية مع الذخيرة، وقد مكثت من طلوع شمس ذلك اليوم؛ حيث دارت معارك عنيفة حول المعسكر إلى أن حاصرت القوات العراقية (الجيوان) وقامت بقصف المعسكر، وقد أمنا خروج الحكومة الكويتية.

 

أول ما تبادر إلى ذهني هو كيفية الدفاع عن الكويت

وليد الخريف

     كانت الأجواء قبل الغزو كلها تشير إلى توتر وقلق بين الكويت والعراق، وكان الغدر من الشمال من الحكومة البعثية يلوح بالأفق، كل التوقعات ممكنة في ظل نظام شمولي سلطوي! كان صدام يظن نفسه أنه شرطي المنطقة يأمر فيطاع، كان يوم الخميس 2/8/1990 يوما كغيره من الأيام، وكان أحد أيام العمل الوظيفي، لقد سمعت بخبر الغزو من زوجتي في حوالي الساعة السابعة صباحا من ذلك اليوم، وأول ما تبادر إلى ذهني هو كيفية الدفاع عن الكويت وأن علي فورا الالتحاق بالجيش الكويتي والدفاع عن الوطن ولا سيما أني كنت قد أنهيت خدمتي بالتجنيد الإلزامي ولدي خبرة كافية بفنون القتال. وأنا في هذا الجو من القلق على الوطن وضرورة الدفاع عنه كنت أدرك أن المعركة غير متكافئة.. وأن تطوعي قد يؤدي إلى قتلي، وكنت أفكر بتربية أبنائي، ومن سيقوم بتربيتهم والاعتناء بهم بعد ذلك.. ولكن الانهيار السريع لمؤسسات الدولة جعلني أغير من أسلوبي في المقاومة والصمود.. فكان يجب علي في هذه المرحلة تمالك النفس قدر الإمكان، ومن ثم تهدئة الأهل والأقرباء والجيران، ورفع الروح المعنوية لهم، والتعاون معهم لخدمة بعضنا بعضا، وتوفير المتطلبات الضرورية للحياة من أكل وماء مع تأمين الاحتياجات الأساسية والأموال والمواد الغذائية للأهل والجيران وأهل المنطقة وكذلك حماية المنازل، حتى يوم التحرير.

 

اخرجنا المحتلون من منازلنا لكي يحرقوه

منى الوهيب

أمينة سر الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان ورئيسة لجنة المرأة والطفل فيها كاتبة صحافية في صحيفة الراي رئيسة منتدى قلم المرأة الفكري

     لقد كانت صدمة لا تنسى هي فترة الغزو والاحتلال الهمجي العراقي على الكويت، كل شيء بدأ يتساقط من حولنا، الجيش والشرطة والأمن والتعليم والصحة والخدمات والبهجة والفرح والتراحم وبدأت يحل محلها كل شيء قبيح وقاتم الحرب والطغيان والجبروت والاعتقالات والتعذيب والقتل والنهب.. فأنا قليلة البكاء ودموعي جدا عزيزة علي، ولا تتساقط أمام أي أحد.. ولكن من هول الصدمة، صدمة الغزو والاحتلال كنت أبكي بحرارة وأنا أوقظ والدي لكي أخبره عن الاحتلال العراقي.. من شدة بكائي عرف الجميع أن هناك مصيبة كبرى لأنهم على علم بأنني لا شيء يبكيني إلا ما يفوق السعة والطاقة..

     المواقف والأحداث المؤلمة في أثناء الاحتلال كثيرة، ولكن أكثرها إيلاما موقفان مؤثران حدثا لأسرتي وهما محفوران بذاكرتي، ولا يمكن نسيانهما أبدا.. الموقف الأول: حين أخذ الجنود العراقيون المحتلون والدي لنادي كاظمة وكان قد حوله المحتلون إلى مركز للاعتقال والتعذيب.. مكث والدي هناك ليوم وليلة للتحقيق معه لأنه رفض أن يقول: إنه عراقي مرت الـ٢٤ساعة كأنهم ٢٤سنة إلى أن طرق الباب علينا وفرحنا بعودته - جاء ماشيا على قدمية من منطقة العديلية مقر نادي كاظمة إلى منطقة الروضة؛ حيث نقطن.. أما الموقف الثاني في صباح يوم باكر طرق الجنود العراقيون المحتلون الباب علينا، وقاموا بإخراجنا من منزلنا بعنف.. وهم يريدون حرق البيت بما فيه؛ لأن لديهم معلومات مغلوطة بأننا نخبئ أفرادا من المقاومة الكويتية، يبدو أنها حجة لإخلاء جميع البيوت المقابلة لأحد المدارس حتى يستخدموها مأوى لهم. جلسنا في الخارج ومكثنا في الشارع تحت آشعة الشمس لمدة ساعة تقريبا بعدها أخذونا لمدرسة قريبة من منزلنا ليستعدوا لحرق البيت كان الموقف جدا مؤثراً؛ لأن والدتي كانت تعاني من مرض الروماتيزم ولا تستطيع المشي كثيرا، وكانت تتألم وتبكي، إلى أن جاء الفرج من الله.. وادعى الجنود العراقيون بأنهم فتشوا البيت ولم يجدوا أفراد المقاومة فأرجعونا لمنزلنا.. لقد كتمت حزني وألمي إلى أن جاء يوم التحرير يوم 26/2/1991.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك