أكثر من 70 وسيلة علمية وعملية لنصرة نبينا المصطفى- صلى الله عليه وسلم (1-7)
بعد نشر الصحف في أوروبا صورا كاريكاتيرية مسيئة لخاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وحصل ما حصل من استثارة للمسلمين، وتحد لمشاعرهم، واحتقار لدينهم ومقدساتهم ورموزهم، وردود فعل غاضبة في أنحاء العال م الإسلامي.
فوجئ المسلمون مرة أخرى هذه الأيام، بانتشار فلم سينمائي يمثل فيه شخص دور النبي - صلى الله عليه وسلم -! ويسيء له ولأهل بيته بالقول والتصرفات. ونسي هؤلاء الضالون أو تناسوا أن هذا ليس متعلقا بشخصية سياسية، ولا برئيس لدولة، ولا قائد لحزب من الأحزاب، ولا رجل من عامة الناس، بل هو متعلق بنبي كريم من أنبياء الله الكرام، بل بخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، الذي هو دعوة أبينا إبراهيم -عليه السلام-، وبشرى نبي الله عيسى -عليه السلام- في الإنجيل، ومن اكتمل فيه الكمال الممكن في البشر، خلقا وخُلقا، ومن حملت رسالته الرحمة للعالمين، لو كانوا يعلمون.
إننا نعتقد يقينا أن من انتقصه -عليه الصلاة والسلام- أو انتقص نبيا من أنبياء الله -تعالى-، أن الله سينتقم منه، إن عاجلا أو آجلا.
قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (الأحزاب:57).
وهذا يشمل كل أذية قولية أو فعلية، من سب أو شتم، أو استهزأ أواحتقر، أو تنقص له، أو لدينه أو أحكام شريعته، فمن فعل ذلك، فقد طرده الله من رحمته، وأعد له العذاب المهين، جزاء له على إهانته لرسوله - صلى الله عليه وسلم .
ونعلم أيضا أن الله -تعالى- سيقطع دابره، ويقطع عنه الخير، كما قال: {إن شانئك هو الأبتر} (الكوثر:3). بل قد حذر الرب العزيز الكريم من رفع الصوت عليه، تعظبما له واحتراما وإكراما، وأخبر أن ذلك من محبطات الأعمال، فقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (الحجرات:1-2). أما نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو الذي سيبقى له رفع الذكر، وكثرة الأتباع، والنصر على الأعداء، كما أخبرنا ربنا -تبارك وتعالى.
وقد أمر الله -عز وجل- رسوله - صلى الله عليه وسلم - بألا يبالي بالمشركين ولا بغيرهم من المستهزئين به، ممن طغوا وبغوا، وألا تصده أقوالهم وأفعالهم عن دعوته ودينه، ولا تشغله عن وظيفته ودعوته، فقال له -تعالى-: {إنا كفيناك المستهزءين} (الحجر:95). أي: المستهزؤن بك وبما جئت به، كفيناك شرهم وأذاهم بما نشاء من أنواع العقوبات الرادعة لهم، في الدنيا والآخرة.
وقد كتبنا هذه الأوراق في بيان كيفية نصرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - علما وعملا، بعد أن ظهرت على الساحة العربية والإسلامية أعمال بعيدة كل البعد عن الوسائل الصحيحة لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من أعمال شغب وقتل لبعض المعاهد، واعتداء على السفارات والعاملين فيها، وتخريب للمنشآت، واصطدام مع رجال الأمن، وحصول فوضى واضطراب، مما لا يتوافق مع أحكام الشريعة المحمدية.
وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل معاهدا، لم يرح رائحة الجنة» (رواه البخاري).
لكن يجب على الدول الإسلامية إنكار ذلك رسميا لدى سفراء الدول المعتدية، ويمكن أيضا رفع دعاوى قضائية، ومحاسبة السفهاء على تعديهم على مقدسات المسلمين ورموزهم.
ما النبوة؟
النبوة: سفارة العبد بين الله -تبارك وتعالى- وبين خلقه، لإزاحة عللهم في أمر معادهم ومعاشهم.
والنبوة إما مشتقة من النبأ، وهوا لخبر، فنقول: النبيء والنبي، بالهمز ودونه، ومنه قوله -تعالى-: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الحجر:49)، وإما مشتقة من النبوة وهي الارتفاع، وذاك لارتفاع قدره ومنزلته.
والرسالة من الإرسال وهو في لغة العرب: التوجيه، فإذا أرسلت أحدا برسالة: فهو رسول ومرسَل.
النبوة والرسالة
والنبوة والرسالة نعمة من نعم الله -تعالى- وحده، يمن بها على من يشاء من عباده، ممن سبق علم الله باصطفائه واختياره.
فلا يبلغها أحد بعمله ولا بكشفه، ولا يستحقها بتهذيب نفسه وتخليصها من الأوصاف المذمومة، بل هي محض فضل الله -تبارك وتعالى- وإنعامه، كما قال -سبحانه-: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام:124).
ولما قال المشركون مقترحين: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف:31).
قال الله -تعالى- مبينا لهم أن الأمر له وحده -جلا وعلا-: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} (الزخرف:32).
فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية بيد الله -تعالى-، هو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، بحسب علمه وحكمته.
فإن رحمته الدينية ورزقه، أولى وأحرى أن تكون بيده -تبارك وتعالى.
خصائص الأنبياء والرسل وصفاتهم:
جمع الله -تبارك وتعالى- لأنبيائه ورسله صفات رفيعة، وخصائص عالية، لا تجدها مجتمعة في غيرهم من البشر، وذلك أن النفوس البشرية تستنكف عن اتباع من لا يتصف بالمحامد، والشمائل والفضائل، في القول والفعل، والخَلْق والخُلُق، والطبع والخلة.
وقبل أن نذكر صفاتهم نقول: إن الأنبياء والرسل بشر، كما قال -سبحانه- عن رسله إنهم قالوا لأقوامهم: {إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (إبراهيم:11)، وقال -تعالى- حكاية عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (الكهف:110)، ولذا يحتاجون إلى الطعام والشراب كغيرهم من الناس، كما قال -تعالى-: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} (الأنبياء:8)، وقال -تعالى- حكاية عن إبراهيم -عليه السلام-: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} (الشعراء:79-81)، وقال -تعالى- عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {إنك ميت وإنهم ميتون} (الزمر:30).
ويتعرضون للابتلاء كغيرهم من البشر، كما قال -تعالى- عن نبيه يوسف -عليه السلام-: {فلبث في السجن بضع سنين} (يوسف:42)، بل هم أشد الناس بلاء، كما صح في الحديث.
وأما صفاتهم فهي باختصار:
- الذكورية: قال -تبارك وتعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ} (يوسف:109)، وذلك أن النبوة والرسالة تقتضي الدعوة إلى الله -تعالى-، ومخاطبة الرجال، ومقابلتهم في السر والعلن، وقيادتهم وسياستهم، وإعداد الجيوش، وغير ذلك مما لا يصلح له إلا الرجال.
- الحرية: وذلك أن الرق وصف نقص لا يليق بالأنبياء، ويأنف الناس ويستنكفون من اتباع من اتصف به.
- شرف النسب: فالرسل كلهم ذوو نسب شريف، فجميع الرسل بعد نوح -عليه السلام- من ذريته، وجميع الرسل بعد إبراهيم -عليه السلام- من ذريته، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} (الحديد:26).
- السلامة من العيوب المنفرة: فجميع أنبياء الله ورسله قد صانهم الله -تعالى- عن العيوب المنفرة للطباع، كالبرص والجذام والخرس ونحوها؛ لأن هذه العيوب تنفر الناس عن الاجتماع بهم والسماع منهم، ومن اتباعهم.
وقد اتهم بنو إسرائيل موسى -عليه السلام-، وآذوه وادعوا أن به برصا، أو آفة في جسده، فبرأه الله -تعالى-، قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (الأحزاب:69).
- الكمال في الأخلاق: فالأنبياء -صلوات الله عليهم أجمعين- في غاية الكمال في الأخلاق والفضائل، قال -تعالى- عن نبيه إبراهيم -عليه السلام-: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} (هود:75)، وقال -تعالى- في إسماعيل -عليه السلام-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} (مريم:54)، وقال -سبحانه- عن يحيى -عليه السلام-: {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا} (مريم: 13-14)، وقال -تعالى- في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم:4).
- العقل الراجح والفطنة والذكاء: فلم يبعث الله -تعالى- نبيا إلا كان على جانب كبير من ذلك، قال -تعالى- في خليله إبراهيم -عليه السلام-: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} (الأنبياء:51)، وفي مناظرته للطاغية (النمروذ) التي حكاها القرآن في سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ...} (البقرة:258). ما يدل على سرعة بديهة وذكاء، وكيف بهت عدو الله من دليل إبراهيم -عليه السلام.
وهكذا لما حطم الأصنام وحاوره قومه، ألزمهم بعجز أصنامهم التي يعبدونها؛ لأنها لم تدفع نفسها، أو تمنع السوء، وذلك في سورة (الأنبياء: 58-67).
- العصمة: فقد أجمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون فيما يخبرون به عن الله -تعالى-، من الأخبار والأوامر والنواهي، والعقائد والشرائع؛ فلا يجوز عليهم الغلط في التبليغ والرسالة في شيء منها البتة، قال -تعالى-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:3-4).
- تحقيقهم كمال العبودية: فالأنبياء والرسل قد حازوا قصب السبق في هذا الميدان، وقد أثنى الله -تعالى- عليهم بمقام العبودية في مواضع من كتابه، فقد ذكر جملة من أنبيائه ورسله، وقد عقب ذكر كل واحد منهم بقوله: {إنه من عبادنا المؤمنين} (الصافات:111).
قال -سبحانه- عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا} (الكهف:1)، وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} (الجن:19).
لاتوجد تعليقات