رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 23 سبتمبر، 2010 0 تعليق

أكاديمية العمل الخيري وإدارة المؤسسات الخيرية والوقفية (1-2)

 

الوقف الإسلامي بخصائصه انفرد به المسلمون عن غيرهم، فهو نظام محكم، ومتعدد الجوانب، يحفظ عز أمتنا، ويوقظ القدرات وينمي المهارات ويحرك الإبداع، ويديم العطاء، وامتاز بسرعة تلبيته الحاجات بعيداً عن التعقيد والتسويف، وهذا ما جعله ركناً من أركان بناء الحضارة الإسلامية.

بلغ الوقف الإسلامي في مراحل الحضارة الإسلامية مبلغاً عظيماً، وكان نموذجا يحتذي ومدرسة لتدريب وتهيئة كوادر بشرية ليكملوا مسيرة الوقف ورعايته على أكمل وجه، فقد أوقفت أوقاف للمسافرين المنقطعين من خانات وفنادق وتكايا، وأوقاف لإصلاح الطرقات والجسور، وأخرى لتوفير المقابر وتجهيز أكفان الموتى، ورعاية اللقطاء واليتامى، وكفالة المقعدين والعجزة، وتزويج الشباب والفتيات، وإمداد العميان بمن يقودهم ويخدمهم، وإمداد الأمهات بالحليب والسكر، ومحميات لخيول الجهاد التي هرمت، وإيواء الحيوانات العاجزة وعلاجها، وإطعام الطيور والقطط... وغيرها الكثير.

وبعد أن عاشت أمتنا الإسلامية في القرنين السابقين مرحلة التردي في كل مناحي الحياة، نال العمل الخيري والوقفي على وجه الخصوص الدمار الأكبر بسبب الاستعمار المعاصر ودوره في تضييع الأوقاف في الدول التي هيمن عليها، وكذلك بسبب الانقلابات السياسية، وضياع الوثائق أو عدم التوثيق في الأصل، وتأميم الأوقاف للأنظمة، وضعف الذمم والأمانة، حتى أضحت بعض الأوقاف موردا لبعض ضعاف الذمم ودخلاً غير مشروع.

وتحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف كان الهجوم على العمل الخيري والوقفي المعاصر، وربطت الأوقاف والتبرعات بالإرهاب، واتهمت المؤسسات الخيرية على اختلاف أنشطتها بدعم الإرهاب، وتوسعت قوائم الاتهام لتنال أغلب المؤسسات الخيرية والوقفية النشطة، وقيدت التحويلات للمشاريع الخيرية والوقفية، وساهمت البنوك الأجنبية والعربية في تحجيم العمل الخيري والوقفي الإسلامي في العديد من الدول العربية والإسلامية.

وتلك الأسباب مجتمعة - منذ أن استُعمر المشرق الإسلامي وإلى الآن - أدت إلى ضعف الكوادر المتخصصة في العمل الخيري والوقفي، وضعف الخطط المرحلية والاستراتيجية من الناحية الإدارية، والعمل في بعض الأحيان بعشوائية واندفاع آني بسبب النظارة التي تفتقد الكفاءة، وأضحى القطاع الخيري والوقفي يدار بطرق ينقصها العمل المؤسسي والكفاءة وكذلك الرقابة الإدارية والرقابة المالية.

وفي المقابل نرى أن الحكومات الغربية قد ساهمت في تشجيع القطاع الخيري والوقفي وذلك بتوفير الكوادر المدربة من خلال المراكز الاستشارية والتدريبية والجامعات والمعاهد والمؤتمرات والبرامج المشتركة مع القطاع الحكومي والتجاري، فكانت الشراكة والدعم مقومين أساسيين في نماء القطاع الوقفي واستمراره، وقبل هذا وذاك المرونة القانونية التي أولت القطاع الخيري الدعم والاهتمام.

ولا شك أن نجاح الوقف كمؤسسة إسلامية استثمارية خيرية ناجحة تسهم في توفير الموارد اللازمة لنجاحها في خدمة الأمة وأهل العوز والحاجة مما يخفف الأعباء على الدول والحكومات، يعتمد بعد توفيق الله تعالى على الكفاءات والقدرات الإدارية المتخصصة، ومشكلتنا الحالية أن الكثير من المؤسسات الخيرية والوقفية تعاني ضعف الكفاءات الإدارية والفنية.

وتنمية القدرات الإدارية والفنية للعاملين في القطاع الخيري والوقفي تمر بعدة مراحل، بدءاً من الاختيار الدقيق للعاملين، ثم الحرص على تنمية قدراتهم، وتقييم تقدمهم وتطويرهم، وتقسيم المهام بشكل واضح، والترتيب الإداري بالشكل الهرمي حتى لا تتعدد التوجيهات أمام الشخص الواحد، وإسناد كل إدارة إلى هيئة متخصصة، وهذا لن يكون إلا بمأسسة النظارة، فالمؤسسة تتصف بالديمومة والاستمرارية ليتحقق لدينا مبدأ التخصص، فلا بد من الإطار المؤسسي الذي يدير الأوقاف ويحافظ على النظارة في الإدارة.

فالاهتمام بالعنصر البشري في المؤسسات الخيرية والوقفية ضرورة عاجلة لتطوير العمل، ولن يكون ذلك إلا بإشاعة جو العمل بإخلاص واحتساب الأجر والمثوبة في هذا العمل، واتباع أسلوب الحوافز (دعم معنوي ومادي)، وتوفير وتهيئة الجو الاجتماعي والشرعي في المؤسسة، والضرورة القصوى التي لا بد من توفيرها: إحساس ورضا العاملين في المؤسسات الخيرية والوقفية وشعورهم بالأمان الوظيفي.

والوظيفة في المؤسسات الخيرية والوقفية ليست كما يظن البعض أنها وظيفة مؤقتة إلى حين ما تسنح الفرصة للانتقال إلى وظيفة في القطاع الحكومي أو الخاص - وهذا حاصل للأسف في بعض المؤسسات الخيرية والوقفية - على الرغم من أن حجم العاملين في القطاع الخيري والنفع العام بدوام كامل في الدول الغربية يصل إلى 10% من القوى البشرية، ومنهم أهل الاختصاص والحاصلون على أعلى الشهادات الأكاديمية والخبرات الميدانية، والحكومات في تلك الدول تعمل باستمرار على زيادة نسبة العاملين في القطاع الثالث وهو القطاع الخيري والوقفي.

نحن بحاجة إلى قدرات بشرية قادرة على المحافظة على الأصول الوقفية، وتنمية رؤوس أموالها بتحقيق أعلى عائد وبأقل تكلفة، مع الالتزام بالضوابط الشرعية، مع القدرة على تطبيق نظام لتقييم الأداء الإداري والمالي للمؤسسة الوقفية من حيث الفاعلية (نوعية المخرجات لتلك المؤسسة) ومن حيث الوقت والكمية والدخل وأرباح ورضا المتبرعين ورضا العاملين، وكفاءة أداء المؤسسة بدراسة العائد على الأوقاف والمشاريع الوقفية والعائد على الأموال المستثمرة، والإنتاجية والتقدم في العمل، والنظم المتبعة لإدارة المؤسسة.

ما سبق يدفعنا إلى سؤال : كيف يمكننا توفير الكفاءات البشرية، والارتقاء والتطوير والتقييم في المؤسسات الخيرية والوقفية؟ وهل بإمكان مؤسساتنا تأهيل الكوادر البشرية القادرة على إدارة الأعمال الخيرية والتطوعية والوقفية؟ لذا سأخصص مقالي القادم للإجابة عن تلك التساؤلات لنعرف أين تدرس علوم إدارة المؤسسات الخيرية والوقفية؟ وهل فعلاً هناك جامعات تخصصت لتدريس علوم العمل الخيري والوقفي؟ وهل حقاً نحن بحاجة إلى أكاديمية وكليات لتدريس تلك العلوم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك