رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. نوره عبدالمحسن العجمي 16 مارس، 2020 0 تعليق

أقوال أهل العلم في حكم سب الدهر


يكثر في هذه الأيام في ضوء الظروف الراهنة، انتشار لبعض الأوبئة، ودمار لبعض الديار، أو خسارة وتلف في بعض المحاصيل الزراعية لكثرة الجراد، أو موت لبعض القادة والزعماء وغير ذلك من حوادث الدهر، يكثر التذمر من هذه السَنَة إما على سبيل الجد وسب الدهر كأن يقول أحدهم: «ياخيبة هذا العام أو هذه سنة تعيسة»، وإما على سبيل السخرية والاستهزاء كقول بعضهم: «لازلنا في بداية العام وحصل كل هذا ثم يبدأ في إطلاق السخرية والاستهزاء والتشاؤم..»، لذلك أردت أن أُذَكِّر إخواني وأخواتي بما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار. وفي رواية: لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر. رواه البخاري ومسلم وسأكتفي بذكر ما قاله بعض أهل العلم في حكم سب الدهر ومفاسد ذلك.

     قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الجاثية (٤ / ١٥٢): «قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: «يا خيبة الدهر» فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله -تعالى-؛ فكأنهم إنما سبوا الله -عزوجل- لأنه فاعل ذلك في الحقيقة؛ فلهذا نهى عن سب الدهر لهذا السبب؛ لأن الله -تعالى- هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال. وهذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد. والله أعلم». اهـ

ثلاثة أقسام

قال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد في شرح كتاب التوحيد(٢ /٢٤٠): سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

- الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم

     فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك؛ لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط -عليه الصلاة والسلام-: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ.

الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل

      كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقا؛ لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا، فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، فإنه كافر.

الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل

     بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه، لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده، فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين؛ لأن حقيقة سبه تعود إلى الله -سبحانه-؛ لأن الله -تعالى- هو الذي يصرف الدهر، ويُكَوِّن فيه ما أراد من خير أو شر؛ فليس الدهر فاعلا، وليس هذا السب يُكَفِّر، لأنه لم يسب الله -تعالى- مباشرة. انتهى.

ثلاث مفاسد عظيمة

ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله -تعالى- في زاد المعاد ( /٣٢٣ ) ثلاث مفاسد عظيمة لسب الدهر:

المفسدة الأولى

سبه من ليس أهلاً للسب

فإن الدهر خَلْقٌ مسخرٌ من خلق الله منقادٌ لأمره، متذللٌ لتسخيره، فسابُّه أولى بالذم والسب منه.

المفسدة الثانية

 أن سبه متضمن للشرك

     فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع، وأنه مع ذلك ظالم قد أعطى من لا يستحق العطاء، ورفع من لا يستحق الرفعة، وحرم من لا يستحق الحرمان.

المفسدة الثالثة

أن السب إنما يقع على من فعل هذه الأفعال

     وهذه الأفعال لو اتبع الحق فيها أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، وإذا وافقت أهواءهم حمِدوا وأثنوا عليه، وفي حقيقة الأمر: فرَبُّ الدهر هو المعطي المانع، الخافض الرافع، المعز المذل، والدهر ليس له من الأمر شيء، فمسبتهم للدهر مسبة لله -عزوجل- ولهذا كانت مؤذية للرب -تعالى-؛ فسابُّ الدهر دائرٌ بين أمرين لابد له من أحدهما: إما مسبة الله أو الشرك به، فإنه إن اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإنِ اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك، وهو يسب من فعله فهو يسب الله -تعالى-. اهـ

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك