رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 19 ديسمبر، 2011 0 تعليق

أغلبية الإسلاميين فجرت موجة غضب من جانب الغربيين وحلفائهم العلمانيين- إسلاميو الربيع العربي بين العداء الغربي وفوبيا العسكر والليبراليين

 

أشعلت النتائج اللافتة التي حققها الإسلاميون في كل من مصر وتونس والمغرب حربًا شرسة ضد التيار الإسلامي؛ حيث تبارى العلمانيون والليبراليون في الكيد لهم ونثر اتهامات متتالية للإسلاميين بتبني مواقف عدائية ضد الحريات العامة وحقوق الأقليات، بل تبنت وسائل الإعلام الموالية لهذين التيارين وفلول النظم السابقة رؤى معادية للإسلاميين في هذه الدول وركزت على مخاطر وصول الإسلاميين للسلطة على مجالات السياحة والاستثمار والأوضاع الاقتصادية وعلى تراجع الثقة العالمية في بلدان المنطقة واحتمالات أن يؤثر هذا المد الإسلامي على علاقات البلدان العربية بالقوى الكبرى.

      ولم تتوقف الحملات بالطبع عند هذا الحد حيث صعدت هذه القوى من حملاتها كل وفق مخططاته؛ حيث استقبلت القوى العلمانية والليبرالية التونسية فوز الإسلاميين بالانتخابات بموجة من الاحتجاجات أمام مقر الهيئة التأسيسية المكلفة بصياغة الدستور التونسي بشكل أعاد إلى الأذهان الاضطرابات التي سبقت سقوط نظام الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي ولاسيما أنهم حرصوا على الوجود أمام الهيئة التأسيسية وكأنهم يرغبون في توصيل رسالة مفادها رفض هيمنة الإسلاميين رغم أنهم وصلوا للحكم بأغلبية شعبية وفق لانتخابات جرت وفق النهج الذي يطالب به العلمانيون منذ سنوات طوال.

      ورغم تبني الإسلاميين في تونس خطابًا عاقلاً ومتوازنًا بل مستفزًا لتيارات إسلامية أخرى، إلا أن هذا النهج لم يرق لليبراليين والعلمانيين الذين استمروا في الكيد لهم رغم ما أبداه الإسلاميون من مرونة عبر التحالف مع بعض القوى الليبرالية المعتدلة في تونس لتشكيل حكومة وأخذوا ينتقدون الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور المؤقت رغم أنهم طالبوا طويلاً بالحد من هذه الصلاحيات في عهد المخلوع بن علي.

      الطابع الهادئ للتباينات بين التيار الإسلامي والعلماني في تونس لا يقارن بالأوضاع المتوترة بشدة بين الإسلاميين والليبراليين في مصر، فالتيار العلماني لم يخف عداؤه للإسلاميين منذ نتائج استفتاء مارس حيث دشن حملات تلو الأخرى لتوجيه انتقادات شرسة لهم أهمها السعي للهيمنة على الساحة واستخدام الديمقراطية كحصان طروادة للوصول للسلطة ثم التنكر للديمقراطية بعد ذلك لها بل تخريب السلم الذي صعدوا عليه للسلطة، بل إن الليبراليين والمنظمات الثورة اليمنية عملوا طويلاً على تأجيل الانتخابات البرلمانية بل فجروا أحداث شارع محمد محمود الدامية في ميدان التحرير التي خلفت أكثر من 41 قتيلاً من أجل قطع الطريق على الإسلاميين لتحقيق الأغلبية البرلمانية.

وثيقة السلمي

      وحينما فشلت هذه المحاولة التي سبقتها محاولة أخرى أطلق عليها في مصر وثيقة السلمي؛ حيث سعى التيار العلماني بكل قوة لفرض مبادئ فوق دستورية وذلك لمنع صياغة دستور يحفظ الهوية الإسلامية لمصر وهي المحاولة التي فشلت على أثر تنظيم القوى الإسلامية لمظاهرات مليونية متتالية احتجاجًا على هذه الوثيقة.

      غير أن السقوط الذريع لوثيقة السلمي المزعومة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر لم يقنعه بالتراجع، حيث راجع خياراته وبحث في دفاتره القديمة فلم يجد أمامه إلا إنشاء ما أطلق عليه المجلس الاستشاري المنوط به القيام بدور موازٍ للبرلمان في صياغة الدستور بل التأكيد على ضرورة موافقته على صياغة الدستور من قبل الجمعية التأسيسية كما أكدت تصريحات عضوه البارز اللواء مختار الملا، وهو الأمر الذي رفضته القوى الإسلامية بل أقدم حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين على سحب ممثليه من المجلس والتأكيد على عدم عودته لحين صدور بيان واضح من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ينفي أي دور تشريعي لهذا المجلس وحصر مهامه في دور محدود جدا لا يتجاوز تقديم مشاورات للسلطة.

محلل للعسكري

      ورغم خروج إشارات متتالية من المجلس العسكري للتأكيد بأن صياغة الدستور تعد مهمة أصيلة ووحيدة للبرلمان المنتخب إلا أن الإسلاميين واصلوا حملتهم على الاستشاري خصوصًا أنهم ينظرون له كمحلل لقرارات المجلس العسكري المشكوك جدًا في تسليمه للسلطة وفق الموعد المحدد نهاية يونيو القادم.

      بل إن الضجة التي اشتعلت حول وثيقة السلمي والمجلس الاستشاري كشفت نوعًا من التربص من جانب المؤسسة العسكرية المصرية المرتبطة بصلات وثيقة مع الولايات المتحدة بالمد الإسلامي الذي عكسته نتائج الربيع العربي والراغبة في تقليم أظافر الإسلاميين وتوصيل رسالة لهم مفادها أنهم لن يكونوا وحدهم في الحكم أو صياغة الدستور حتى في حالة تمتعهم بالأغلبية المطلقة داخل البرلمانات المختلفة.

      بل إن روايات تتردد في دوائر صنع القرار في مصر تشير إلى مساع تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية لإشعال فتنة بين الإسلاميين والعسكر تعيد تكرار سيناريو الصدام الذي وقع عام 1954 بين عبدالناصر وجماعة الإخوان المسلمين وانتهى بسطوة العسكر، رغم أن هذا السيناريو يبدو شديد الصعوبة في ظل المتغيرات التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة ناهيك عن افتقاد العسكر لشخصية كاريزمية من وزن عبدالناصر يستطيع فرض سيناريو معين.

إشعال فتنة

      وقد جاء سعي واشنطن لإشعال الفتنة بين السلطة والإسلاميين في مصر بعد أن أخفقت مساعيها في التأثير في نتائج الانتخابات المصرية عبر الدعم غير المحدود للتيارات العلمانية والليبرالية، وهو الدعم الذي اعترف به المعهد الجمهوري الأمريكي وقدره تقرير بحوالي 200 مليون دولار خلال المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، وإقراره بفشل هذه المحاولات في تعديل موازين القوى في مصر.

      ولا شك أن المساعي الأمريكية لإضعاف نفوذ الإسلاميين ووضع العقبات أمام استعادة الهوية الإسلامية لدول الربيع العربي لن تقف عند حد معين ولاسيما أن واشنطن قد طالبت القاهرة وخلال الزيارة التي قام بها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي جون كيري، طالبت المجلس الأعلى بضرورة انتزاع ضمانات من جانب الإسلاميين حول الحفاظ على المصالح الأمريكية وعدم المساس بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قبل أن تعلن دعمها للخيار الديمقراطي في مصر.

قلق متصاعد

      غير أن د. طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة يرى أن واشنطن قلقة جدًا من الصعود الإسلامي الذي عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية في كل من مصر وتونس والمغرب؛ لذا فقد سعت بكل السبل لوأد هذه الصحوة في مهدها فلما عجزت فقدت سعت لفتح نوافذ الحوار مع الإسلاميين للتعرف على وجهات نظرهم.

      ولفت إلى أن الإسلاميين سيتعاملون بنهج براجماتي مع المخاوف الأمريكية، فبقدر ما ستقدم واشنطن للإسلاميين بقدر ما ستحصل على شيء مقابل خصوصًا أنها تدرك أن زمن تبعية مصر التامة للولايات المتحدة الأمريكية في زمن مبارك قد ولى ولن يعود.

      وأشار إلى أن مطالبة القوى الإسلامية بإدخال تعديلات على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية نوع من النضج السياسي، فقد أبدوا التزامًا بالمعاهدة دون البنود المجحفة بحقوق مصر في السيادة على سيناء وهو ما يعد نصرًا إستراتيجيًا لهذه القوى في حالة تحققه ولاسيما أن هذا الأمر لم يطرحه نظام مبارك من بعيد أو قريب طوال العقود الثلاثة الماضية.

      ورجح أن تسعى واشنطن لخطب ود الإسلاميين عبر احتوائه ومنعهم من تجاوز الخطوط الحمراء ولاسيما أن الدخول في صدام معهم حاليًا لا يخدم المصالح الأمريكية في ظل الاضطرابات السياسية والأمنية التي تعاني منها المنطقة التي تجعل واشنطن بحاجة لحليف قوى في المنطقة للقيام بأدوار لا يستطيع غير الإسلاميين الوفاء بها حاليًا.

تابع ذليل

      ولعل الأحداث السابقة وحالة الاحتقان الشديد التي تسود جنبات بلدان الربيع العربي والحملة على الإسلاميين من جانب التيارات العلمانية والليبرالية وحلفائها من الأمريكيين والعسكر، تكشف عن تصاعد مخاوف هذه القوى من المد الإسلامي ومن إمكانية إنقاذ مواد الشريعة الإسلامية واستعادة الأمة لهويتها وهي الهوية التي ستمنع تحول بلدان المنطقة لتابع ذليل لواشنطن كما كان معمولاً به طوال العقود السابقة، ناهيك عن أن استعادة الهوية الإسلامية للأمة ستعلن تسديد رصاصة الرحمة على الفكر الليبرالي والعلماني الذي تصاعد نفوذه خلال العقود الماضية عبر اختراق مؤسسات بلدان المنطقة، وهو نفوذ مرشح للتراجع والأفول في ظل تعاطي الأمة الإيجابي مع الإسلاميين الذين يمتلكون وحدهم حاليًا المشاريع والقدرات القادرة على إنقاذ سفينة الأمة من الغرق.

تنازلات مؤلمة

      وتدرك القوى العلمانية والليبرالية ومن ورائهم الأمريكيين أن تصاعد نفوذ الإسلاميين سيحد بالطبع من النفوذ الأمريكي ومن سطوة الأمريكان على مصادر الثروة العربية وفي مقدمتها النفط؛ لذا تسعى واشنطن جاهدة وعبر حلفائها للضغط على الإسلاميين لعلها تستطيع انتزاع تنازلات منهم غير أن هذا الطرح لا يحظى بقبول من المرجعيات الإسلامية في مصر وحتى من قبل الأحزاب الإسلامية التي قبلت بقواعد اللعبة وفق المنظور الأمريكي ولن تقبل بهذه الطروح بحسب د. نصر عبدالسلام رئيس حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر الذي يرى أن استعادة الهوية الإسلامية للبلدان العربية قد تحولت لهدف محوري للقوى الإسلامية ومن ثم فإن هذه القوى لن تقبل بأي مساس بثوابتها ولن ترضخ للضغوط الأمريكية وستعمل على إيجاد علاقات متوازنة مع القوى العظمى في العالم.

      واستغرب بشدة الحملة التي تدبرها واشنطن وحلفاؤها ضد الشريعة الإسلامية معتبرًا أن مخاوفهم من انهيار مشروعهم في المنطقة ونفض الأمة لغبار التبعية هو ما يؤجج مخاوفهم من الشريعة التي تشكل وحدها السبيل الأهم لإنقاذ الأمة من المأزق الشديد الذي تعاني منه منذ عقود سلمت خلالها هويتها لتيارات مشبوهة وقوى عالمية لا تسعى إلا للحفاظ على مصالح القوى المرتبطة بها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك